لا أحتاج لمقدمة طويلة لأشرح لسيادتكم أهمية محصول القمح بالنسبة لأي بلد يعتمد عليه اعتماد كلي في الغذاء مثل السودان , بالنسبة لنا أعتقد أن القمح أهم حتى من السلاح بكثير فبدونه نصبح تحت رحمة من يمدنا بغذائنا و لا أدري كيف سنبرر لأطفالنا فشلنا في إنتاج غذائنا رغم كل الإمكانات الزراعية الهائلة التي تذخر بها بلادنا من مياه و أراضي خصبة يكفي إنتاجها لتغذية كل العالم و ليس بلدنا فقط . الآن نريد أن نكون واقعيين , طالما لم نستطع إقناع الحكومة بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب و منح الفرصة لأهل الشأن الزراعي في إدارة أمر الزراعة بالبلاد فلن نكتفي بأن نلعن الظلام لذلك سأحدثك اليوم سيدي الوزير عن أهمية اختيار البذور في عملية إنتاج القمح طالما اعترفت بأنك لا زلت في السنة الأولي زراعة و لا بأس في ذلك فالزراعة علم متجدد و متطور و طالما لم تواكب الجديد فمهما تعلمت ستأتي مرحلة ستكتشف أنك مازلت في السنة الأولي زراعة. سيدي الوزير إن نجاح قطاع زراعة القمح في السودان أو في أي بلد آخر يعتمد اعتماد كلي علي مواكبة أحدث التقنيات الزراعية في العالم في هذا المجال , بمعني أنك لا تستطيع أن تنتج أكبر كمية من المحصول المعني دون استخدام معدات زراعية حديثة و دون أنظمة ري حديثة أو دون أسمدة و مبيدات متطورة و فعالة و أهم من ذلك كله لن تستطيع أن تحقق هدفك المنشود دون الاختيار العلمي و الدقيق لأصناف البذور التي تنوي زراعتها و التي من المفترض أن تجمع بين الجودة و إرتفاع الإنتاجية و تحمل العطش و الأملاح و مقاومة الأمراض. للتخلص من مشكلة التقاوي المزمنة و التي تهدد الموسم الزراعي كل سنة فأنك تحتاج لمرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولي : اختيار البذور المحسنة و الملائمة للبيئة , يعني أنه من الأفضل أن تختار الأصناف المهجنة ذات الإنتاجية العالية و التي تناسب البيئة التي ستزرع فيها فمثلاً قد يناسب صنف ما بيئة مشروع الجزيرة و لكن لا يناسب بيئة الولاية الشمالية مثلاً , و يجب أن نختار الأصناف التي تتحمل الجفاف لحد ما نظراً لمشاكل الري عندنا و أن نختار البذور التي تحتاج لموسم قصير للإنتاج لتقليل التكلفة و كسباً للوقت , كذلك اختيار البذور المقاومة للأمراض الفطرية التي تفتك بالمحصول و تقلل من الإنتاج رغم أنها ستكون قد أجبرتك علي صرف الكثير من الأموال في شراء المبيدات , أيضاً من المهم أن نختار الأصناف التي تنتج قمحاً أبيضاً لأن إنتاجها من الدقيق يكون مرتفع الجودة و لارتفاع نسبة الصافي فيها عند الطحن . المرحلة الثانية : بعد أن نحدد الأصناف الأفضل من خلال الصفات المذكورة أعلاه و نستوردها من الخارج , نأتي لمرحلة إنتاج بذور عالية الجودة من تلك الأصناف المطورة التي قمنا بزراعتها بدلاً من شراءها من الخارج بأسعار عالية , يجب أن نقوم بإنتاج بذور كبيرة الحجم و مليئة بالنشويات تقدر علي تغذية البادرات عند الإنبات و تكون متجانسة الشكل و ذات نقاوة عالية و نسبة إنبات مرتفعة و خالية من الحشائش و تعقم هذه التقاوي بالمبيدات الفطرية لحمايتها من الأمراض و حفظها بصورة علمية حتى الموسم القادم. حقيقة لا أعلم أن كانت هناك جهة في وزارة الزراعة معنية بإنتاج البذور و لكن في حالة عدم وجودها أرجو أن تنشأ بدءاً من هذا الموسم حتى ننتج البذور داخلياً و لا نكون في حوجة لاستيرادها من الخارج , و في حالة وجود وحدة لإنتاج البذور في وزارة الزراعة يأتي السؤال لماذا نعاني من مشكلة التقاوي كل سنة ؟ أقول قولي هذا و أتمني صادقاً من كل قلبي أن ينجح الموسم الزراعي الشتوي هذا العام رأفة بالمزارعين البسطاء و رأفة بهذا الشعب الأبي الذي لا يستحق أن يجوع و هو يملك كل هذه الثروات. سيدي الوزير , هذه هي الأسس العلمية لحل مشكلة التقاوي التي نعاني منها كل سنة إذا كنت تريدون حل هذه المعضلة علمياً إما إذا كان الأمر مسألة تجارة و شركات و عمولات فهذا ما لا نفهم فيه و لا نفتي . مهندس زراعي / خالد عبد الله محمود الرياض – المملكة العربية السعودية [email protected]