كان ذاك يوم عمل شاق قضيته في ولاية نيوجرسي الامريكية..كنت في طريقي الى بيتي ..سيدة بيضاء تخرج من موقف مطعم شهير وتنتقي عربتي المتهالكة من بين *كل العربات لتدهسها ..بين غمضة عين وانتباهتها وصلت عربة الشرطة ثم الإسعاف ..لم يسألني احدهم عن عنواني او دخلي..اكتفوا بتدوين المعلومات التي نالها الشرطي على عجل..بقيت في المشفى نحو ثلاثة ايام .. كانوا حريصين على تزويدي بكل شيء حتى الطعام الحلال.. فاتورة العلاج ظلت اخر الاهتمامات وحسمت بين شركات التامين بعد ستة اشهر.. معظم المشافي قطاع خاص .. في نهاية كل سنة تتولى الحكومات الولائية دفع الدين الهالك. امس الاول زرت في مشفى خاص ..صديق عزيز داهم مخاض الولادة زوجته في شهرها السابع..ظرف عارض وغير متوقع ..بعد جهد كبير تم إنقاذ حياة الام بعد نزفت دما كثيفا..طفلة جميلة القسمات تحتاج الى أكسجين..المستشفى الخاص ذو الخمس طوابق في شرق الخرطوم لديه اجهزة بدائية تعمل يدويا لتوفير الحياة ..مستشفى بفخامة جمل الطين وسعر الغرفة بالشيء الفلاني ويعجز عن توفير جهاز يهب الحياة ثمنه عشرين الف دولار. نحن الان بصدد البحث عن الجهاز المنقذ..المعلومات تقول انه متوفر ببعض المشافي الخاصة ..مستشفى الاطباء يعتذر عن إنقاذ الحالة لان الطفل لم يولد بين جدرانه..تم الاتصال بعدد من الوسطاء من بينهم وزير الصحة بولاية الخرطوم ..تكللت المساعي بالنجاح ..المشفى الخاص يطلب ثلاثين الف جنيه نقدا وعدا قبل ان يستقبل الحالة الحرجة.. تكاليف نقل الطفلة بالإسعاف تبلغ خمسة الف جنيه اخرى.. خمسة وثلاثين مليون بالقديم مطلوب توفيرها .. البديل لذلك تعريض حياة طفلة حديثة الولادة للخطر. حسنا ..هنالك ضوء في اخر النفق..مستشفى السويدي مؤسسة خيرية مصرية تهب الحياة لأطفال السودان.. المستشفى به اربعة اجهزة لتوفير الأكسجين للأطفال حديثي الولادة..هذا المشفى يقدم هذه الخدمة وغيرها مجانا او بتكاليف زهيدة جداً..ولانه المشفى الوحيد يزدحم الناس على أبوابه الفقراء والأغنياء على حد السواء. مأساة الطفلة امل تجعل كثير من الأسئلة تقفز مصحوبة بعلامات استفهام كبيرة..من يمنح التصديق لمشافي تحمل اسماء الأحلام وليس بها جهاز لإنقاذ حياة طفل..قيمة هذا الجهاز يمكن ان تكون نثرية جيب يحملها اي وزير في حله وترحاله بين دول العالم..وهل من حق إذ مستشفي خاص او عام الامتناع عن تقديم خدمة طبية لمريض في حوجة ماسة..عدالة الاسلام تفرض دفع الدية على سكان قرية كاملة ان شهدت حادثة قتل في ظروف معينة.. ما فائدة سبعة عشر وزارة صحة بلإضافة للوزارة الاتحادية تعجز عن توفير اجهزة طبية زهيدة الثمن ولكنها حيوية في إنقاذ حياة الناس. بصراحة مازالت الدولة تتعامل مع الاطفال باعتبارهم مجرد عفش على مسئولية صاحبه..اي طفل يجب ان يكون اصلا من الأصول العامة..كل يافع سيكون مشروع رجل عظيم ان تغمدناه بالرعاية والاهتمام.. معظم الذين خرجوا على المجتمع وباتوا مجرمين كان يمكن ان يكون مسارهم مختلف لو وجدوا يد حانية..تلك الدول تعاقب الأبوين ان قصروا في واجباتهم نحو أطفالهم . بصراحة اذا ماتت الطفلة امل من واجبنا فتح بلاغ ضد الدولة.. اذا حدث السيناريو الأسوأ من حق الناس مقاطعة ذاك المستشفى الفخيم الذي يملكه لواء طبيب اصدر ذات يوم توجيهات بتنفيذ حكم القطع من خلاف على مواطن لا نعلم الظروف التي جعلته في ذاك الموقف. اللهم قد بلغت فاشهد . الأهرام اليوم. *[email protected]