* برحيل هذا الامدرماني الرائع .. المثقف والمناضل .. المشرق .. البشوش .. بشار الكتبي .. ، برحيله يكاد عصر من الكفاح والجمال .. ، ينزلق من شواطيء أبروف .. ، وتكاد بعض صفحات أمدرمان المثقلة بالبهاء والعنفوان أن تنزوي .. فقد خسر الوطن كثيرا برحيل بشار أحد قلاع التنوير والتحرير علي مر أجيال عديدة . كأنه الشباب الدائم .. ، فالأشجار السامقة .. تموت واقفة .. ، لاتشكو ولا تهزها الرياح .. ، وأي رياح تلك وقد قضي بشار عمره مناضلا ومكافحا .. ، قضي قرابة التسع سنوات في سجن كوبر إبان الدكتاتورية الثانية .. ، لم يخبو بريق الثورة والتغيير والتحرير عن جوانحه .. ، أهرق حياته كلها مابين المعتقلات والمنافي والمتاعب وشظف العيش .. ، لم تسكت الالات العنف .. صوته الصادح .. حينما أتصلت به .. قبل أسابيع من رحيله .. ، رفعت السماعة زوجته المناضلة الصابرة سعاد عبد التام .. ، وأخبرتني بأسي إن بشار لن يقوي علي الرد عليك .. لأنه لا يستطيع الكلام .. ، فطويت حزني علي جرح جديد .. ، وبعد لم يندمل جرح صديقه وصفيه الناقد والكاتب الكبير سامي سالم .. أحد أجمل أبناء أمدرمان .. ، رحل في المنفي كما رحل قبلهما خلف الله حسن فضل ووديع إبراهيم خوجلي وغيرهم كثر .. ، يا ضيعة الصحفيين يتساقطون في المنافي ولا وجيع لهم .. أنطفأ هذا النجم الامدرماني .. باهر الضوء .. ، عاصرته في الخرطوم .. وفي القاهرة .. في أحلك الظروف .. ، ظل متقد العقل .. مترفعا عن عرض الدنيا الزائل .. ، طاهرا ونظيفا مثل أقرانه .. ، الذين أختاروا طرق المجد العصية .. ، لايأبهون بقلة الخبز أو ندرته .. ، الأيام : طالت أم قصرت .. ، بينما يتكالب بعض المتعلمين علي حقوق غيرهم .. ، وينتزعون القوت من أفواه الفقراء .. ، هكذا يشق علي الوطنيين الاصلاء نعي بشار الكتبي .. وهو قامة سامقة وقيمة إنسانية رفيعة .. ، وهو الانموزج الارفع في سلم الوطنية والثورة والتسلط والاستعباد * .. حكي لي وكنا في طريقنا من القاهرة الي مدينة السادس من أكتوبر .. ، حيث عملنا معا لفترة خلال المنفي القاهري القاسي في مجلة حضارة السودان .. ، إنه في سجن كوبر الذي قضي فيه تسع سنوات إبان الدكتاتورية الثانية كما أسلفنا .. ، ظل يكتب المقالات في الفكروالسياسة والأدب خاصة القصة القصيرة .. ، وكان يقوم بتهريب ما يكتبه مع أحد أصدقاءه في السجن وهو فني كهرباء .. ، وظل هذا الرجل يحتفظ بكل أوراقه حتي فجر الانتفاضة 1985 ، وجاء الي بشار في منزله ليسلمه الوديعة التي حافظ عليها طيلة هذه السنوات .. ، فقال له بشار : " أري ان الاوضاع السياسية غير مستقرة .. ، وهذه الديمقراطية لن تدوم طويلا .. ، وطالما أنت حافظت علي هذه الاوراق كل هذه السنوات .. ، فأنت جدير بالمحافظة عليها مرة أخري .. أرجوك إحتفظ بها .. " يقول أخذها الرجل ومضي . * .. وفي ذكري رحيل بشار اقام شاعر الشعب محجوب شريف .. هذا القلب الكبير .. ، أقام إحتفالية في ذكري رحيل بشار دعا فيها لفيف من أصدقاءه وأهله - رغم الخلاف السياسي .. وفي هذا درس للأجيال .. ، وهناك التقيت صديق عمر بشار محمد عبد النبي .. ، وحدثته عن أوراق بشار لدي صديقه " فني الكهرباْء " ورجوته ان يسعي للقاءه والحصول عليها والاحتفاظ بها أو إرسالها لأبناءه . * .. بشار الكتبي وأي أمدرماني هذا البازخ السامق في سلم الوطنية والثورية .. والذي ستروي سيرته في الاجيال .. ، ها أنت ذا ترحل في المنفي بعيدا عن أمدرمان التي أحببت .. ، ها أنت تعلن وحشة وقسوة الأيام التي نحيا .. ها أنت تؤدي دورك كاملا لم تتهاون ولم تتخازل ..ولم تنحني لأي عاصفة .. وهكذا يظل الشرفاء كتابا مفتوحا .. تستقي منه الاجيال في مسيرها .. وداعا أيها الامدرماني النبيل وإلي لقاء .. [email protected]