حوارية المشروع النهضوي : سامي سالم وعثمان عامر لم يكملا تكحيل العمشاء أتيليه القاهرة روضة من الورود والزهور الصاعدة الي جدران المبني الصغير .. عامرة تعريشاتها العنبية .. والاجواء المنعشه .. ، ورهط من الفنانيين التشكيلين والمثقفين المصرين .. , مكان مفصول عما حوله من ضجيج وزحام القاهرة .. ، " ليت هذا الانموزج عمم في كل مكان .. خاصة لدي اندية المبدعين "، إستضاف الاتيلية فناننا التشكيلي الكبير الراحل حسين شريف ليقدم فيلمه إنتزاع الكهرمان ، كان ذلك في منتصف التسعينات ، وبعد إنتهاء العرض , أحتفي رواد الاتيليه بالمثقفيبن السودانيين الذين حضروا العرض .. ، وتحلق عدد كبير من المثقفين المصريين والسودانيين حول طاولة سامي سالم الذي تحدث عن الفيلم ومغزي الاحداث التي تناولها شريف ، وتطرق لتوالي حقب الاستعمار علي السودان من أتراك و إنكليز .. ، ومضي إلي فزلكة تاريخية ,، وعرج للحديث عن السينما والمحاولات التي تمت لقيام سينما سودانية , وثم تحدث عن السينما الافريقية .. ، وتشعب الحديث إلي تناول مجمل قضايا الثقافة السودانية ..، وتدريجيا تحول كل الحضور تجاه سامي الذي أرتجل محاضرة بدون عنوان وسط مداخلات المثقفين والفنانيين المصريين ودهشتهم وهم يستمعون لسامي سالم هذا الاديب الكبير المفوه والذي يملك آلية هضم هائلة كما يقولاحد الاصدقاء , وظل حتي رحيله يحتفظ بذاكرة حية تملك أدق التفاصيل . هكذا ظل سامي سالم في المنفي القاهري طيلة عقد التسعينات .. , وجها مشرقا إينما حل في اللقاءات والمنتديات والمقاهي : زهرة البستان ، الندوة الثقافية ..، باب اللوق .. ، جي جي وغيرها وكان وجود قطاع من المثقفين والصحفيين السودانيين في القاهرة أثره الكبير في خلق علاقات ثقافية بين البلدين , وهذا بدوره خلق قاعدة من المهتمين بالشأن السياسي والثقافي في السودان مما عزز العلاقات .. , وصحح الكثير من المفاهيم والاخطاء التي كانت رائجة تجاه مايحدث في السودان خاصة من قبل الصحافة وأجهزة الاعلام المصرية وصار هناك أعداد من المتخصصين في الشأن السوداني . أكبر محطات الراحل العزيز سامي سالم في مجال الصحافة الثقافية , كانت في جريدة السياسة في العامين 1986 و1987، حيث عملنا معا ، حيث ترأس القسم الثقافي وأستطاع سامي ان يجذب للصحيفة عدد من أهم رموز الفكر والثقافة السودانية ككتاب راتبين من بينهم : د. محمد عبد الحي ، د. علي المك ، د. تاج السر الحسن - رحمهم الله - ود. مكي سيد أحمد بالإضافة لعدد من الكتاب وأصدر الكثير من الملفات الهامة , وكانت الصحيفة تعج بأعداد من المثقفين ضاقت بهم الصحيفة ، مما أضطر الادارة لإنشاء كافتيريا تفتح علي شارع البلدية حتي تخفف الضغط علي الصحيفة .. يعد سامي سالم من أهم النقاد السودانيين ، ومن أهم من أشتغلوا بالتخطيط الثقافي . " قرطاس عثمان عامر وتكحيل العمشاء " : يعد سامي سالم من أهم النقاد الذين عملوا في مجال التخطيط الثقافي .. ، ومن المشاريع الثقافية الهامة التي ظل يعكف علي العمل فيها ويبشر بها ، هو البحث في مشروع تنويري جديد للنهضة , يستوعب التنوع والتعدد في السودان ، وكتب ملامح لهذا العمل الذي الذي دارت حوله حوارية أمتدت عدة أشهر بينه والكاتب المفكر عثمان عامر - والذي صمت لعقدين من الزمان ضمن العديد من الانتلجنسيا التي صمتت وسط هذا الخراب الذي تشهده البلاد - حماها الله - يقول سامي إن السجال مضي بهما إلي ضرورة بناء أساسيات المشروع البديل الذي ينهض علي دراسة الثقافة السودانية في ضوء منهج " النقد الثقافي " الذي يتولي " إنتاج معرفة " بالواقع والتاريخ والمستقبل ، أي دراسة المكونات الاساسية للثقافة السودانية ونظم العقل وأساليب الافصاح عن تجليات الذات والشخصية الجماعية .. ، وتطرقا إلي تركيبة السودان الثقافية ببعديها العربي والافريقي , وأمر اللغة واللهجات وأنظمة الخطابات التاريخية والفكرية والدينية والثقافية الخ ..الي جانب النظام المعرفي التاريخي للمجتمع .. , و دراسة الثقافات في السودان بغية الوصول إلي منظور جديد للحركة السياسية يعينها علي تلمس عناصر النهضة.. ، ويمضي المشروع لدراسة نظم التأليف .. وقضايا الطبقات .. وقضايا الثقافة البحته من فنون وآداب .. والمدارس الادبية الحديثة وموضوعات الشعر والثقافة والمسرح والفلكلور والموسيقي الحديثة .. والطقوس المحلية .. والفلكلور .. والمعمار والزخارف والحرف اليديوية ..وغيرها ... من خلال تلك المجادلات الممتدة بينهما يقول الصديق الراحل نبتت الفكرة المحورية لضرورة وجود مشروع قومي لدراسة الثقافات في السودان يبقي أساسا فكريا ومعرفيا لنشأة رؤية سياسية مغايرة وحركة سياسية بديلة تستطيع ان تبني مشروعها النهضوي من دراسة التفاعلات التاريخية للحراك الاجتماعي السوداني , وتتحرك أيضا في إتجاه تحرير المستقبل من قيود الماضي وأشكال قيوده ومنطوياته السلبية . هذه بعض ملامح المشروع الذي سجل سامي بعض محاورة وعناصره ورؤاه في ست حلقات علي صحيفة الاتحادي الدولية التي كانت تصدر بالقاهرة في أعداد ابريل 1999 تحت عنوان " قرطاس عثمان عامر وتكحيل العمشاء " .. حيث كان عثمان يسجل بعض النقاط في كراستة . يخلص سامي إلي القول : " ثمة نقص فادح في الوان لوحة المستقبل ، فإذا لم تتم عملية إدماج المشروع السياسي في أصوله الثقافية والربط بينه وبين جذورة في الحراك التاريخي للمجتمع السوداني فإن أي محاولة لإستخلاص مشروع للنهضة سوف تظل تعاني من أزمة الضمور ذاتها .. من منفاه الجليدي في كندا كنا نتواصل في مطلع الالفية الثانية .. عبر الهاتف ، رجوته ان يصلنا - حيث كنت أوانها في تكساس - حيث حرارتها اللاهبه طوال السنه كنت اقول له تعال " فك الرطوبة " لكنه كان يسابق الزمن .. ، كأنه يشعر بأقتراب موعده .. , قال لي انه يعكف علي إستكمال مجموعة كتب بدأ فيها من القاهرة وواصل عمله فيها في كندا , وهي عشرة كتب من بينها : " المجذوب يدخن النارجيلة في قهوة اللاجئين " وقد كان سامي أحد الشباب الذين يدوامون علي الحضور في صالون المجذوب الثقافي ".. ، وكتاب آخر من جزئين يحوي مقالاته في الصحف .. ، وكتاب عن الشاعر الراحل الدكتور محمد عبد الحي .. ، والمفاجأة بالنسبة لي انه كتب في " حقيبة الفن " كتابين أحدهما عن عميد الفن محمد أحمد سرور والآخر عن كرومة , وآخر عن الفنان الكبير الموسيقار محمد الامين ، إلي جانب عدد آخر من الكتب في مجالات النقد والصحافة الثقافية والتخطيط الثقافي وغيرها وقال انه يعكف علي قيام دار نشر اوكل أمرها لإبنة شقيقته . * .. تعود صلتي بالصديق سامي سالم الي منتصف الثمانينات , حيث كنت اسكن بالخرطوم بحري جاء في احدي الامسيات برفقة الصديق الراحل خلف الله حسن فضل , وقضينا السهرة في سطح المنزل .. ،ومنذ ذلك اليوم صرنا أصدقاء وعملنا معا في صحيفة السياسة العام 1986 وما ان انقضي العام حتي خرجنا بعد ان اعلنا اول أضراب في تاريخ الصحافة إحتجاجا علي سياسة الصحيفة . وكانت صحيفة السياسة أهم وأكبر محطات الراحل العزيز سامي سالم في مجال الصحافة الثقافية ، حيث ترأس القسم الثقافي وأستطاع سامي ان يجذب للصحيفة عدد من أهم رموز الفكر والثقافة السودانية ككتاب راتبين من بينهم : د. محمد عبد الحي ، د. علي المك ، د. تاج السر الحسن - رحمهم الله - ود. مكي سيد أحمد بالإضافة لعدد من الكتاب وأصدر الكثير من الملفات الهامة , وكانت الصحيفة تعج بأعداد من المثقفين ضاقت بهم الصحيفة ، مما أضطر الادارة لإنشاء كافتيريا تفتح علي شارع البلدية حتي تخفف الضغط علي الصحيفة .. * .. رافق سامي جيل الستينات .. ، وكان من حواري المجذوب - كما أسلفنا - .. رغم حداثة سنه آنذاك .. ، لكنه لم ينجو من نهج التمرد والبوهيمية .. ، حيث مضي ذالك الجيل علي الانكباب وأعتناق عدد كبير منهم الفلسفات الغربية .. ، وظل هذا الاثر باق في جيل الثمانينات .. وحتي الي يوم الناس هذا ولكن بدرجة أدني .. ، وهو أمر يحتاج الي دراسة جادة .. تخلص لطبيعة وكنه أثره علي الثقافة السودانية .. * .. وإن كانت من كلمة أخيرة في هذا المقال الذي لم ولن نوفي سامي سالم حقه .. ، وفي أمر الكتب التي فرغ منها في منفاه الكندي ، وهي عشرة كتب كما أسلفنا كان ينتوي أن يبدأ بها نشاط دار للنشر بإسمه .. ، هنا لابد من كلمة أتمني علي أصدقاء الفقيد علي وجه الخصوص والزملاء من الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في الشأن الثقافي ان تولي أهمية بهذا المشروع ، إذ ان سامي سالم كرس جل حياته العامرة للعمل الثقافي والفكري ،وأنحصر عملة في العقود الثلاث الاخيرة علي الصحافة الثقافية , ولذا فإن ما تركه سامي يعد جزءا من الإرث الثقافي السوداني في مجالات النقد والحوارات مع كل رموز الثقافة والفكر والفن التشكيلي والقصة والرواية والقصة القصيرة والمسرح .. ، كما اتمني علي اتحاد الكتاب ومركز عبد الكريم ميرغني وغيرها من مراكز وجمعيات ثقافية ان تولي هذا الامر إهتمامها ، ونحن بدورنا سنسهم في جمع المادة الخاصة بهذا المشروع وسنقوم بالاتصالات اللازمة لهذا الغرض . رحم الله الصديق الصحفي النابه والاديب الكبير سامي سالم وأسبغ علي قبره شأبيب رحمته وانا لله وانا اليه راجعون . [email protected]