في الأسبوع الفائت كتب الأستاذ عبد الباقي الظافر في عموده (تراسيم) بصحيفة الأهرام اليوم مقالاً بأسلوبه الأدبي المفعم برقة العبارة وسلاسة السرد، عن الأب الذي مر بتجربة البحث في أكثر من مستشفى خاص عن حاضنة لمولودته (أمل) حيث تتوقف حياتها عليها وذلك لمحدودية أو لعدم توفر حاضنات شاغرة بالمستشفيات الحكومية. وبعد بحث مضن بين المستشفيات، حين وجد الحاضنة وهو في سباق مع الزمن، واجهته معضلة سداد الرسوم الخرافية مقدماً وهي ثلاثين مليون جنيهاً إضافة إلى خمسة مليون جنيه أجرة إسعاف (هل هي عربة اسعاف أم طائرة إسعاف؟) في وقت ليلي لا يسمح بتدبير هذا المبلغ، ففاضت روح الطفلة الوليدة بين يديه إلى بارئها. وقد صور الظافر حال الأب وهو يواري جثمانها الثرى بعبارات تفيض ألماً وحزناً. ليست الطفلة أمل هي الوحيدة التي تحتاج إلى حاضنة وليس الأب المفطور القلب هو الوحيد الذي يمر بمثل هذه الظروف، ولكن التناول المؤثر لحالتها جعل الكثيرين يتوقفون ويتساءلون عن القصور الذي تعيشه مستشفياتنا الحكومية وما يقابله من روح تجارية تظهرها المستشفيات الخاصة. لقد أشار الكاتب في عموده إلى أن قيمة الحاضنة لا يتجاوز العشرين ألف دولار وهو مبلغ لا أخال أننا غير قادرين على تدبيره في سبيل إنقاذ حياة الكثيرين من مواليد مستقبلنا خاصة بيننا من يدفع بسخاء عشرات اضعاف هذا المبلغ لاستقدام لاعب كرة قدم أجنبي. ولما كان هناك العديد من الأثرياء الخيرين توقعت أن تتحرك قلوبهم الرحيمة فيزودوا المستشفيات بما يعينها على مجابهة مثل تلك الحالات بلا مناشدة أو تذكير، قبل إلقاء اللوم على الجهة المعنية بتوفير الأجهزة الطبية. وبالأمس القريب فاجأنا الأستاذ حسين خوجلي، في برنامجه الذي يحرص الكثيرون على متابعته لما فيه من جرأة تناول لمختلف القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، بتبني مشروع أسماه (حاضنة أمل) وابتدرت إدارة وطاقم العاملين بقناة أم درمان حملة التبرعات بألفي دولار لشراء ست حاضنات لمستشفيات الخرطوم وبحري وأم درمان كضربة بداية على أن يتم تزويد بقية المستشفيات لاحقاً. إن هذه البادرة تنم عن خلق عظيم وشعور إنساني رفيع لا يتوانى إزاءه كل قادر على الاستجابة الفورية. وبالفعل قبل أن ينتهي زمن تلك الحلقة من البرنامج تنادى عشرات المغتربين وغيرهم وانهالت التبرعات بل تعهد سوداني من الأردن ممن يديرون مشفى بتوفير حاضنة وربما بعد فتح الحساب ستفوق التبرعات عن الحاجة لتصبح الفكرة واقعاً ملموساً. إن ثقافة العون الذاتي مترسخة في وجداننا وقد سبق أن رفعنا رايتها مثلاً عند تطبيق السلم التعليمي أوائل السبعينات فمكنتنا من تشييد الفصول الدراسية لجميع المدارس في وقت وجيز. ولعل إسهاماتنا العديدة قبل (قرش أو جنيه الكرامة) لسداد دين القذافي الذي عيّرنا وطالبنا به في عهد النميري وصولاً إلى ما دفعه المواطنون لزاد المجاهد ودعم القوات المسلحة وطبق الخير وغير ذلك من أعمال لدليل على أننا شعب لا يتردد في عمل الخير لأننا تربينا على أدب النفير في الملمات وعون الفقير وسند الضعيف، فقط إننا بحاجة إلى من يطلق صافرة البداية وبعده سينضح إناءنا بما في دواخلنا من جمائل وكرم. وفي ذات السياق سار حسين خوجلي وتحدث عن الإسهام في مشروع البطاقة الصحية لليتامى والأرامل التي تكلف أربعين جنيها لكل أسرة وذلك ما جعل أحد رجال الأعمال الأتراك يتبرع بما يكفل اربعمائة أسرة. لقد أطلق الأستاذ حسين خوجلي على مشروعه اسم (حاضنة أمل) وبما أن قناة أم درمان هي التي استنفرت الخيرين أرى أن يكون اسم المشروع (حاضنة أمل أم درمان) عرفانا للقناة بالجميل. ولا يفوتني هنا أن أشيد بالبرنامج الذي انتهج ديدن الصراحة والوضوح والموضوعية فضلاً عن أنه يخاطبنا بلسان ذرب وأدب جم وثقافة موسوعية متدفقة دون تقعر أو استعلاء. [email protected]