كنت أظن أن موضوع تقاوي القمح التركي قد شيّع إلى مثواه الأخير بعد أن أشبعه أصحاب الرأي المكتوب والمسموع تناولاً أوصله إلى اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق والتي أكدت في تقريرها ما يعني بأن هناك خطأ في الاستيراد بعد انتهاء الموسم الزراعي السابق وتلاه سوء في التخزين للموسم الحالي جعله مرتعاً للسوس مما أضعف كثافته النباتية، فترتب على المزارعين خسران مبين وضياع للموسم الزراعي، دون أن تفصح اللجنة صراحة عن جهة معينة يقع عليها الخطأ، وقد حمّل وقتها وزير الزراعة السابق البنك الزراعي مسئولية فساد التقاوي وطالبه بجبر ضرر المزارعين كما أن منبر أبناء الجزيرة أعلن عن نيته مقاضاة الوزير والبنك الزراعي فارتفع دخان أخبار التقاوي عالياً ثم تبدد بعد أن امتصته سحابة وسخونة الأخبار السياسية. ولكن بالأمس القريب خرجت علينا روابط قسم الهدى وهي رابطة ترعة الفرع ورابطة ترعة دبل الفرع ورابطة ترعة معانا التابعة لقسم ري شلعي بإدارة مشروع الجزيرة بإعلان يفيد بغير ما كنا نعتقد أو ما تمخضت عنه تحريات اللجنة. يقول الإعلان: (تشهد روابط قسم الهدى الزراعي بأن القمح التركي (امام) أثبت نجاحاً كاملاً في كل ري من المياه يزداد جمالاً، وعليه نؤكد لكم بأن ما جاء في الصحف والإعلام كاذب ونؤكد أن التقاوي التركية ناجحة بنسبة 98% وندعو كل جهات الاختصاص إلى زيارة منطقة الهدي حتى نؤكد للجميع بما جاء كاذب ونعتذر لإدارة البنك الزراعي للاتهامات الموجهة من بعض الصحف لهم ونقول لهم التقاوي ناجحة في مشروع الجزيرة وندعو اللحنة العليا ووزارة الزراعة والبحوث الزراعية والأمن الاقتصادي زيارة رسمية لمنطقة الهدى حتى نؤكد لهم ما جاء في الصحف والاعلام). ولعل الصياغة كانت بحاجة إلى مراجعة، رغم وصول المعلومة دون تحديد المساحة المزروعة بالهدى، غير أن هذا ليس هدفنا. وكنت أظن أن اللجنة زارت جميع مناطق زراعة التقاوي ولكن هذا الإعلان أعلمنا بصورة غير مباشرة بأن اللجنة التي كلفت برفع تقريرها عن التقاوي لم تزر قسم الهدى، وربما اكتفت بالمناطق التي زارتها وهي إجمالاً أكبر من رقعة الهدى، وإلا لما كان هذا الإعلان المغاير لما تواتر من أنباء، الشيء الذي جعلنا في حيرة من أمرنا وأعاد القضية للمربع الأول بل قد يحدث ربكة ويفجر جدلاً جديداً يحتاج إلى لجنة أخرى تبدأ بقسم الهدى لمعرفة الأسباب التي جعلت من ذات التقاوي أن تكون كاملة العافية هناك بينما تقول الحقائق أنها عاجزة عن النمو في المناطق الأخرى. هل سيدفع هذا الإعلان ذات اللجنة لزيارة قسم الهدى وتكرار زيارتها للمناطق التي زارتها لإجراء مقارنة حول طريقة الري ونوعية التربة أم ستكتفي بما خرجت به من قبل؟. أننا نؤمن بأن المزارع هو ذات المزارع سواء كان في الهدى أو أي قسم آخر وهو في تقديرنا يعرف كيفية الزرع والري والرعاية. ربما لا تكون كل التقاوي التي تم توزيعها على المزارعين فاسدة بنفس الدرجة وربما أن قسم الهدي محظوظ لأن نصيبه من التقاوي لم يكن فاسداً البتة أو لأن غربلة حصة الهدى كانت منصفة له أكثر من غيره، لكن حتى في مثل هذا الحال تظل المشكلة قائمة لوجود مناطق لم ينجح فيها الإنبات زارتها اللجنة ووقفت على حقيقة ذلك وأكدته في تقريرها. وهنا يبرز سؤال عن هل حظيت تلك المناطق بذات القدر من الري الذي ناله قسم الهدى، وهل أن تربة منطقة الهدي أكثر صلاحية للزراعة أم أنها تختلف عن بقية تربة الجزيرة التي حسب علمنا إنها ذات خواص واحدة، أم ماذا هناك؟ يبدو أن موضوع تقاوي القمح التركي (امام) يدعو من أثاروه إلى معاودة الإرسال وتناوله مرة أخرى إنصافاً للمزارع الذي ضاع عرقه وماله، وحزناً على خيبة امل الخزينة العامة التي فقدت عائد الموسم، ومواساة للمواطن الذي كان يأمل في سد رمقه من انتاج قمح سوداني الطعم والنكهة. صلاح يوسف [email protected]