لا غرو ان معظم (الحلفاويين)قد انتابهم فرح جميل وعيونهم تقع في تلك الاخبار السياسية التي افادت ان الدستور المصري الجديد قد اشتمل على نص يهدف الى اعادة توطين ابناء (النوبة)هناك في مراتع الاجداد التي هجروها قسراً بسبب قيام السد العالي في عام 1964 ..مما يعني ان هذه الحقوق التي انتزعتها وسلبتها الحكومات المصرية بدأت تعود .. وبدأت (الغبطة) ترسم خيوطها في الوجوه !! بغض النظر عن الاسباب التي دفعت الحكومة المصرية الى انتهاج مثل هذه السياسة في دستورها الجديد فأن هذه العودة الحميدة للنوبيين الى ديارهم القديمة وعلى ضفاف النيل اثلجت الصدور ..وستترك بالطبع اثرها الكبير في المحافظة على التراث النوبي الذي كاد ان يندثر ويتلاشى بفرط الغياب الطويل عن المنطقة .. اما الاسباب التي جعلت تلك الافراح تندلق في قلوب (الحلفاويين)فأنها تكمن في عودة (الاواصر)بين ابناء المنطقة الواحدة بعد ان انقطعت لسنين عددا ..خصوصاً وان معظم (الحلفاويين) وبعد ان ايقنوا تماماً بأن الوطن الجديد لا يصلح لحياة الانسان تقافزوا صوب الوطن القديم مثل الطيور التي تبحث عن اغصانها .. لا سيما وان هذه المنطقة القاحلة ذات الطبيعة القاسية نبذها اهلها من ابناء شرق السودان من قديم الزمان .. وما فتأت اقدامهم تطأها الا في حالات نادرة . هذه القناعة التي ترسخت في اذهان (الحلفاويين) جعلت العودة الى ضفاف النيل في حلفا القديمة امراً لا مناص منه.. وقد رحل عدد كبير منهم بعد ان ايقنوا ان المكوث في ارض (البطانة) وبين اقوام ما زالوا يعتبرونهم في اعداد المهاجرين هو نوع من الحياة المستحيلة ..وبالطبع فأن هذا الرحيل الذي يتزامن مع رحيل اشقائهم من النوبيين في مصر الى الوطن القديم سيؤدي الى ميلاد جديد لتلك الوشائج التي انقطعت كل هذه السنين الطويلة الكثيرون من ابناء الشعبين السوداني والمصري لا يدركون مدى تلك (الوشائج)التي ربطت وتنامت مع الزمن بين النوبيين في القطرين حتى اصبحت العلاقة بينهما اشبه بعلاقات الاسرة الواحدة ..الا ان تلك (الهجرة) المشؤومة فطرت هذة العلاقات وشطرتها وتناثرت مثل الشظايا لان الانسان النوبي الذي حملته الاقدار للمكوث في شرق البلاد ما عاد يقدر على ارتياد او زيارة موطن اخاه من ابناء النوبة الذين ساقتهم نفس الاقدار الى منطقة (كومبو)التي تقبع في القطر االمصري الا لماماً ..وهم الذين كانوا وقبل ان يداهمهم شتات (الرحيل) المر ..وقبل ان يتمزق جسم المنطقة الواحدة الى اشلاء يتلاقون في كل المناسبات وبأيسر السبل مثل (الدواب)!! وللتدليل على هذه الاحزان التي حامت في سماء النوبة من فرط هذا التمزق فأن (الام)التي تسكن في خشم القربة او حلفا الجديدة لا تتمكن من رؤية او زيارة ابنتها التي تقيم في (كومبو)وذلك بسبب البعد الجغرافي ..والعكس كذلك ..بل فأن الكثيرات من النساء قد انفصلن عن ازواجهن في تلك الايام التعيسة من ايام الرحيل حتى لا يفقدن او يبتعدن عن الاباء .. او الامهات .. او الاشقاء والشقيقات .. او حتى الاسرة الصغيرة حينما تصاحب زوجها ..فكانت الماسي ثد طفحت في معظم البيوت حيث لم يعد هناك وبعد هذه (الفاجعة)مساحات او فرص سانحة للقاءات ما بين الاقرباء !! هذه العودة الى ارض الوطن القديم لكل النوبيين في الشطرين من الوادي حتماً ستعيد تلك (الوشائج)الاسرية التي ضاعت منذ زمن بعيد .. بل فأن عودة (الحلفاويين)الى ديارهم القديمة تحتمها الضرورة القصوى ذلك لانهم ورغم ه ذه السنين الطويلة التي مكثوا فيها في ارض (البطانة)قأن هذا المقام لم يطب لهم حيث ان الانسان النوبي ومنذ وجوده في هذا الكون لا يمكن الا ان يعيش على ضفاف النيل وشواطئه المخضرة ..وما زال (الحلفاوي)الذي يسكن في ربا الشرق يفتخر بأنتماءه العميق لشمال البلاد ويترنم بألحان تلك المنطقة ..وكثيراًما تكون علاقاته الاجتماعية مرتبطة تماماً بأبناء جلدته من سكان (السكوت) و(المحس)و(دنقلا) وعلى الرغم من المنطقة التي غمرتها مياه السد العالي لا يمكن ان تعود الى سيرتها الاولى في وقت قريب .. وتعود اليها تلك الطبيعة الساحرة ..والنخيل الباسقة ..الا ان الغرض الاساسي من هذه العودة هو اشعال قناديل الحب والالتحام من اجل عودة (الوشائج) والتواصل الاجتماعي بين ابناء الاسرة الواحدة . ج:0501594307 [email protected]