حملت الأنباء خبر صدور قرار رئاسي يقضي بتشكيل لجنة لملاحقة المعتدين على المال العام، في أعقاب صدور تقرير من المراجع العام أوضح تورط وزاراتٍ مهمة،ٍ ومؤسسات حكومية كبيرة، في مخالفات مالية مؤثرة، أهدرت على الدولة عدة مليارات من الجنيهات. * التأمت اللجنة المذكورة يوم الخميس الماضي، وشرعت في مخاطبة الجهات المتهمة بالتجاوز توطئةً لاتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخالفين، بحسب ما أورد الأستاذ محمد بشارة دوسة وزير العدل. * نتساءل: لماذا تضطر القيادة إلى التدخل للتوجيه بالتشدد في ملاحقة من يسرقون مال الدولة بوجود وزارة كاملة مهمتها بسط العدل، وملاحقة من يعتدون على المال العام؟ * لماذا لا تمارس وزارة العدل ممثلةً في نيابة المال العام مهامها فور ظهور تقارير المراجع العام، لتحقق مع اللصوص والمخالفين، وتلاحق من ينتهكون القوانين واللوائح المنظمة للتعامل مع المال العام؟ * أذكر أن صحيفة (الأهرام اليوم) فتحت قبل عامين من الآن ملفاً ضخماً يتعلق باستيراد مادة تستخدم في (ترويق) المياه، واتضح لاحقاً أنها مخالفة للمواصفات، وتحوي موادَّ ضارة ومسرطنة. * ذكر تقرير رسمي أعدته لجنة لتقصي الحقائق أن سير التعاقد مع الشركة المستوردة شابته تجاوزات كبيرة، ابتداءً بمرحلة تقديم العطاءات، وانتهاءً بفرزها، مروراً بكون الشركة المستوردة لم تكن من بين الشركات التي تقدمت لنيل العطاء أصلاً، وأنها لا تمتلك أي سابق خبرة في التعامل مع مواد ترويق وتنقية المياه! * كشف التحقيق أن الشركة المستوردة للسرطان قامت برفع سعر طن المادة بما نسبته 16.5 في المائة، بدعوى أن الزيادة التي طرأت على سعر الدولار حتمت مراجعة السعر، ليصل المبلغ المضاف إلى العقد المضروب إلى أكثر من مليارين وسبعمائة مليون جنيه (بالقديم)، وتبعاً لذلك ارتفعت قيمة العقد الكلي من أحد عشر ملياراً وسبعمائة مليون جنيه إلى ثلاثة عشر ملياراً وستمائة وستين مليون جنيه، ضاعت في استيراد مادة ضارة، بخلاف مليار جنيه آخر استخدم في تخزينها! * وقتها تدخلت نيابة المال العام وفتحت تحقيقاً في القضية، واستدعت الزميل الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت التحقيق القوي لسماع إفادته حول القضية. * ثم ماذا؟ * انطوى الملف، وخمد ذكر القضية، ولم نسمع بمحاكمة أي مسؤول تورط في تلك الفضيحة المدوية، ولم نقرأ أي خبر يتحدث عن إعفاء أو محاسبة أي ممن استخدموا مال الشعب لاستيراد السرطان الأصفر. * ماتت القضية وشبعت موتاً، وبقي أبطالها في مواقعهم كأن شيئاً لم يكن! * فعلت الصحيفة ذات ما يفعله الباشمهندس عثمان ميرغني في هذه الصحيفة لما يزيد من الشهر، وهو يشرّح ويحلل جثة (معلومة) الهوية، وينشر أرقاماً دقيقة، ومستنداتٍ أصلية، حول قضية فساد مكتملة الأركان، راحت ضحيتها واحدة من أعرق شركات الطيران في أفريقيا والوطن العربي، من دون أن يحرك ما نشره ضمير الجهات العدلية، كي تنهض بواجبها، وتحاسب من قتلوا سودانير مع سبق الإصرار والترصد! * ترى هل ستتعامل اللجنة الجديدة مع المخالفات التي أعلنها المراجع العام قبل أيام بنهجٍ يخالف ما اتبع في التعامل مع قضية المادة المسرطنة، وقضية سودانير، أم نرى جديداً يسر البال، وصرامةً تحفظ المال، وتجعل من يعتدون على قوت الشعب ويلهفون مال الدولة عبرةً لمن يعتبر؟ اليوم التالي