* تساءل الزميل الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد: (هل سيستقيل مجلس إدارة مياه الخرطوم؟) وذلك في معرض تعليقه على رد إدارة الإعلام بهيئة مياه ولاية الخرطوم بخصوص التقرير الخطير الذي نشرته (الأهرام اليوم) حول استيراد مادة ((بي اي سي)) التي اتضح أنها تحوي مواد ضارة ومسرطنة. نعلق أولاً على التوضيح الذي أوردته إدارة الإعلام بالهيئة، ونقول إنه حوى أربع نقاط، وتم ترقيمه حتى (ستة)، فهل حدث ذلك سهواً أم اضطراباً؟ زعم كاتب الرد أن الهيئة اتبعت كل الإجراءات المعمول بها في شروط العطاءات، وهنا تبدو قضية! من نصدق يا ترى: إعلام الهيئة الذي لا يجيد العد من واحد إلى ستة أم تقرير لجنة تقصي الحقائق عن استيراد مادة أُريد لها أن تستخدم في تنقية مياه الخرطوم، واتضح لاحقاً أنها مخالفة للمواصفات وتحوي مواد ضارة ومسرطنة؟ ذكر تقرير اللجنة بوضوح شديد، وبصرامة تحسب لمن أعدوه واتقوا الله فيه، أن سير التعاقد مع الشركة المستوردة شابته العديد من الأخطاء، ابتداءً من مرحلة تقديم العطاءات، وانتهاءً بفرزها! كشف التقرير الخطير ملابسات يشيب لهولها الولدان، مبتدأها أن الشركة المستوردة لم تكن من بين الشركات التي تقدمت لنيل العطاء، ومنتهاها أنها لا تمتلك أي سابق خبرة في التعامل مع مواد ترويق وتنقية المياه! فكيف حصلت على العقد إذن؟ بالإضافة إلى ذلك كله فقد تمت مكافأة الشركة برفع سعر طن المادة لاحقاً بما نسبته (16.5) في المائة بدعوى أن الزيادة التي طرأت على سعر الدولار حتمت مراجعة السعر الأصلي، ليصل المبلغ المضاف إلى عقد شراء (مادة السرطان الأصفر) إلى أكثر من مليارين وسبعمائة مليون جنيه (بالقديم)، وتبعاً لذلك ارتفعت قيمة العقد الكلي من أحد عشر ملياراً وسبعمائة مليون جنيه إلى ثلاثة عشر ملياراً وستمائة وستين مليون جنيه (بالقديم لا الجديد)! والجديد شديد! العرض مقدم بالدولار الحار، والفاتورة المبدئية باليورو، والتعويض بالجنيه! الفارق بين سعر طن البودرة البيضاء (التي لم تصل أصلاً) والبودرة الصفراء (التي استوردت وتم تخزينها واتضح أنها فاسدة ومسرطنة) 79 يورو، واتفرج يا سلام! أخطر ما ذكره التقرير يفيد أن هيئة مياه الخرطوم خاطبت هيئة المواصفات والمقاييس وطلبت الإفراج عن المادة على الرغم من علمها التام بأنها غير مطابقة للمواصفات! وقد اتهم التقرير إدارة الهيئة صراحة بإخفاء معلومات في غاية الخطورة عن والي الخرطوم ومتخذي القرار بالولاية، وتتعلق بعدم مطابقة المادة للمواصفات، وذكر أنها لم تبلغ هيئة المواصفات بعدم صلاحية المادة إلا (بدفرة) من لجنة تقصي الحقائق! كما أن اللجنة التي حققت في القضية لم تجد مستنداً واحداً يشير إلى أن الهيئة خاطبت الجهة الممولة (بنك الخرطوم) لإخطاره بعدم مطابقة البودرة المسرطنة للمواصفات! وأوضحت لجنة تقصي الحقائق أنها لاحظت أن هيئة مياه الخرطوم (ممثلة في مديرها العام) حاولت بقدر الإمكان تحويل المادة المذكورة من بدرة إلى سائل، مع أن ذلك غير مطلوب منها أصلاً، بل حاولت وسعت إلى إيجاد مخرج يمكنها من استخدام المادة (المسرطنة) في أغراض أخرى! قاد عمل لجنة التحقيق بكل نزاهة ومهنية البروف عبد الله عبد السلام أحمد، وعاونه فيها بكل صدق وتجرد الدكتور عبد الشكور عبد الكريم والدكتور عثمان محمد نجار، والمستشار محجوب محمد طه والمستشار صديق قرشي، وقد طالبت بجعل هذه القضية محطة لإصلاح المسار، وأخذ العظات والعبر منها! لله درهم، فهل هناك من يستجيب لهم؟ الخلاصة تفيد أن هناك مادة استوردت من الصين لاستخدامها في ترويق وتنقية مياه ولاية الخرطوم بعقد تفوق قيمته ثلاثة عشر ملياراً بالقديم، واتضح أنها تحوي مواد ضارةً تسبب السرطان، وأن تخزينها كلف خزنة هيئة مياه الخرطوم أكثر من مليار جنيه (بالقديم)! ما حدث يستوجب تدخل البرلمان ورئاسة الجمهورية وكل الجهات العدلية لمحاسبة المتورطين في قضية فساد مكتملة الأركان، شهدت جرأة غير مسبوقة على المال العام، واستخفافاً مقيتاً بصحة المواطنين! مارست «الأهرام اليوم» أفضل أنواع الصحافة الاستقصائية، وقدمت الحقيقة المجردة لأولي الأمر، انتظاراً لكلمتهم فيها! فماذا سيفعلون؟