بسم الله الرحمن الرحيم قبيلة الفور ماذا أصابها ؟ (3) بقلم المنهدس / عيسى محمد ادم باسي لمزيد من التوضيح في أمر نشأة سلطنة الفور, علينا أن نتعمق قليلاً في جسر العلاقة التي ربطتها مع سطنة التنجر التي سبقتها. حيث تشير كل المراجع التاريخية أن أحمد المعقور هو جد التنجر، أيضاً ينتسب اليه أسرة الكيرا الفوراوية التي حكمت دارفور بعد التنجر. إذاً ما هي تلك العلاقة التي تربط بين تلك السلطنتان؟. لمعرفة ذلك علينا أن نرجع الى الروايات التي أوردها المؤرخون في كتاباتهم، منها ما أورده د. جوستاف ناختقال في كتابه رحلة الى وداي و دارفور، (ترجمة الأستاذ/ سيد علي محمد المحامي ص 223) حيث ورد فيه ما يلي: لا تقتصر الدلائل على الصلة الوثقى بين أسرة الفور المالكة و التنجر على إدعاءات الطرفين بالإنتماء لأحمد المعقور فحسب، بل إن الشواهد التاريخية التي تتعلق بإنتقال السلطة الى أسرة الكيرا تثبت ذلك. يستطرد القول؛ فيقول: عندما دخل احمد المعقور الى دارفور حُظِيَ بمكانة سامية لدى السلطان "كروما". و تذهب الرواية الى أن "كروما" قد تزوج من "فورا" إبنة زعيم الكيرا التي أنجبت له إبناً أسماه "شو" أو "سو" ثم طلقها، و زوجها فيما بعد لأحمد المعقور؛ فأنجبت له "دالي". هذه الرواية قد تختلف عن بعض الروايات الأخرى المتداولة و التي تقول بأن "رفاعي" بن أحمد المعقور هو الذي تزوج إبنة زعيم الكيرا و أنجبت له "شاو" و "دالي"؛ بيد أن الثابت أنهما ليسا شقيقين لأنهما لا ينتميان لأم واحدة، إلا أن كل القوائم تؤكد بأن "شو" هو آخر حاكم للتنجر و أن أخاه غير الشقيق "دالي" أو بحر دليل هو المؤسس الأول لحكم عائلة الكيرا. يواصل ناختقال قوله: لا شك أن لأحمد المعقور دور محوري في تاريخ دارفو رغم إفتقار تلك الحقبة للتواريخ و التفاصيل الدقيقة عن كيفية إنتقال العرش لعائلة الكيرا، و مع ذلك هنالك خط فاصل يفصل ما بين تلك الحقب و ما سبقته من عصور مظلمة اكتنفت تاريخ دارفور، فإذا كان "شو" أو "سو" شقيق لدالي فليس من مبرر لوصفه بأنه آخر سلاطين التنجر و إن "دالي" هو أول سلاطين الكيرا كما تتواتر الروايات. و الواضح أن أسرة الكيرا تستمد إسمها من الأم فقط و إن "شو" أخ غير شقيق "لدالي" و الذي ينتمي لقبيلة الكيرا بأمه فقط.،،،، إنتهى الإقتباس . من جانبنا إذا حاولنا أن نناقش ما ورد في هذا الإقتباس للرحالة ناختقال، فإننا نخلص الى أن شو أو سو (شاو دور سيد) و دالي هما وليدين من أم واحدة لأبوين مختلفين هما السلطان كروما (كورو) و أحمد المعقور الضيف العربي الذي قدم الى السلطنة، فمن بين ما أكْرِمَ به هذا الضيف العزيز من قبل السلطان كروما في بلاط سلطنته؛ هو تزويج هذا الضيف بالأميرة "فورا" المطلقة من السلطان نفسه (طبعأ مافي مواطن في السلطنة يقدر يتزوج طليقة السلطان)، أيضاً من عادة الأسر الحاكمة عند الفور تزويج الأميرات للغرباء أصحاب العلم أو الجاه أو السلطة ممن أتوا للسلطنه بأعمال مفيدة مثل العلم و الخبرة الإدارية أو علاقات قد تعود بالفائدة على السلطنة. عندما تم نزع الحكم من شاو دورسيد و تولي أخيه غير الشقيق دالي على مقاليد الحكم، لم يحصل ذلك بسبب فطنة و ذكاء أحمد المعقور والد دالي و نجاحه في تولية ولده من "فورا"على حكم أخواله، بل إن الأمر قد تم بسبب تطبيق العادة المتبعة عند أولئك القوم في شأن تنصيب الملوك لديهم، فقد كان من عاداتهم أن يتولى الحكم إبن البنت الكبرى للسلطان المتوفي أو المعزول، لأن الفور أو أسباطهم السابقة كانوا من المجموعات التي تعظم جانب الأم لا جانب الأب بسبب معتقدات إجماعية مترسخة في تقاليدهم، و هذه العادة نلحظها عند الفور حالياً في بعض المناطق، حيث يوجد من يتم مناداته بإسم والدته في التعامل العادي في مجتماعاتهم؛ كأن ينادي الشخص وسط معارفه و أقرانه ب(آدم أواينق كوي؛ أي آدم ولد حوايه). و لما كان دالى هو إبن "فورا" البنت الكبرى، بالتالي كان الحق العرفي هو وحده الذي جعل أن يكون "دالي" أبن الغريب أحمد المعقور الذي قدم الى بلاط السلطنة هو صاحب الحظوة في أن يتبوأ ذاك المنصب الهام الذي غير مجري تاريخ دارفور، فقط لأن والدته هي الأميره "فورا"و ليس لأي سبب آخر. كي يكون هنالك حد فاصل بين السلطنتين (التنجر و الفور)؛ فقد تم نسب هذه السلطنة الجديدة ل"فورا" والدة السلطان "دالي" تعظيماً لمكانتها كأم أنجبت لهم السلطان الجديد، و الذي لا ينتسب لأسرة التنجر التي كانت تحكم البلاد، و لما لم تكن قبيلة الفور حينها موجودة بإسمها المعروف حالياً، بل كانوا أسباط مختلفة مثل الكنجارا التي منها أسرة الكيرا و الكراكيت و التموركه و الداجو و ربما بعض بطون التنجر و مجموعات أخرى بما في ذلك المجموعات العربية التي وفدت الى البلاد، لذلك تمت تسمية السلطنة بسلطنة الفور منسوبة الى "فورا" والدة السلطان دالي للفصل بين الحقبتين. قويت شوكة هذه السلطنة بحصولها على تأييد معظم الممالك والسلطنات القبلية للمجموعات الأصيلة في البلاد؛ بل الإنتساب اليها و مساندتها بقوة خوفاً من تسلط شخص أخر من أسرة التنجر على الحكم كي لا تعود الأوضاع الى ما كانت عليه في عهد السلطان الذي خُلِعَ و الذي وُصِفَ عهده بالوحشية و القسوة مع الرعية. بمرور الزمن و نجاح أسرة الكيرا في قيادة دفة السلطة بإقتدار لإستفادتهم القصوى من أساليب الإدارة الحديثة التي أتت مع الوافدين الى السلطنة من العرب و غيرهم؛ و كذلك إهتمامهم بالدين الإسلامي مع ترحيبهم و تشجبعهم لكل من اراد الإستقرار في دارفور سواءٌ كان من المجموعات العربية التي وفدت الى البلاد بحثأ عن المراعي، أو الحجيج العابرين لزيارة مكة من غرب إفريقيا. هذا بالإضافة الى سماحة التعامل مع الجميع من قبل الحكام، أدى كل ذلك الى تذويب الفوارق الإجتماعية بين المجموعات مما نتج عنه تَكوَن الشعوب و الأسباط التي تنتمي للفور الآن؛ بالتالي أدى ذلك الى ظهور قبيلة الفور تحت قيادة أسرة الكيرا الكنجارية، القبيلة التي لم تكن موجودة بهذا الإسم من قبل، عليه فإن قبيلة الفور الحالية هي أمة تكونت أثناء حقبة السلطنة و ليست قبيلة بالشكل التقليدي المعروف عن القبيلة في مجتمعاتنا حيث تجري في عروقها كل الدماء. السلطان "دالي" وصف بأنه من أهم الحكام الذين مروا على حكم سلطنة الفور، لقدرته على فرض النظام و الأمن، و كذلك سن القوانين التي نظمت الحياة في الدولة و هي تلك القوانين العرفية المعروفة بقانون دالي، الذي يحترمه كل أهل دارفور لأنه حافظ على نسيجهم الإجتماعي طوال قرون. اللغه عنصر أساسي من عناصر الثقافة و الهوية، وقد يسأل البعض من أين جاءت لغة الفور المتداولة حالياً ؟ و هي كانت لغة التعامل الرسمية طوال فترة سلطنة دارفور، بينما كانت اللغة العربية لغة المكتابات و قراءة القرآن الكريم فقط. في هذا نقول أن أسرة الكيرا التي حكمت دارفور هي منسوبة الى الكنجارا الذين كانوا يسيطرون على جبل مرة و يتحدثون بما هو معروف الآن بلغة الفور، و لما كان السلطان "دالي" الذي إعتلى الحكم عند نشأة السلطنة منسوب الي أسرة الكيرا المنتمية للكنجارا، و كانت لغتهم هي لغة الفور الحالية؛ لذلك فرضوها على الجميع في كافة المعاملات بإعتبارها اللغة التي يتحدث بها الحاكم دالي و أسرته, لذا جعلوها اللغة الرسمية و أصبحت لسان حال للجميع في الدولة كلها. و الكنجارا ورد ذكرهم في مذكرات عيزانا ملك أكسوم الحبشية الذي غزا مملكة مروي سنة 350 ميلادية حيث أشار في مذكراته تلك أن الملكة التي كانت على سدة الحكم عندما هاجمت قواته مدينة مروي؛ قد حملت على الأكتاف وصحبها أتباعها و فروا بها غرباً، لذلك نعتقد بأن يكون أولئك الكنجارا الذين تم الإشارة اليهم في تلك المذكرات هم من إستوطنوا جبل مرة أو على الأقل هم من سلالة الملوك أو الشعوب الذين فرو من مروي، و للتأكيد على ذلك هنالك بعض النشطاء و الباحثين الذين تمكنوا من قراءة رموز اللغة المروية التي ترجمها علماء اللغة و الآثار بصريح لغة الفور الحالية، مما أضاؤا بصيص أمل لمعرفة تلك الحقب السحيقة في التاريخ مما يساعد في تحديد علاقات سكان دارفور الأصليين مع مجري النيل الذي قام عليه أقدم الحضارات كما ثتبتها البحوث الحديثة، و نأمل تتواصل تلك الجهود لفك طلاسم تاريخ دارفور الغابر و نشجع مراكز البحوث في جامعاتنا الإقليمية في دارفور و أو في جامعاتنا القومية أن يولوا الإهتمام لمثل هذه الموضوعات الهامة حتي لا نعتمد في تأصيل تاريخنا على المعلومات التي تأتينا من غيرنا. ،،،،، و نواصل ،،،،،،، [email protected]