لم يكن من العدل أن يخاطب رئيس البلاد السودانيين انطلاقاً من منبر حزبه السياسي، ولم يكن من الحكمة لقادة "الأحزاب" حضور لقاء يتم تنظيمه لتسويق برنامج يسعى من خلاله المؤتمر الوطني إلى المزيد من التمكين وكسب الوقت من خلال اغراق الآخرين في "حوار معمق" حول برنامج هلامي يحتاج تفكيكه إلى فترة أطول مما تبقى للانتخابات المزعومة. لماذا لا يعترف الرئيس وحزبه بالفشل في المحافظة على وحدة البلاد، واذا كان تقسيم الوطن لتحقيق السلام كما يزعمون فلماذا لا يعترفون بالفشل في تحقيق السلام فيما تبقى من السودان؟. ولماذا لا يقر الرئيس وحزبه بالفشل في إدارة الشأن الاقتصادي، ومؤشر ذلك الفقر الذي يحصد الشريحة الأكبر من المجتمع السوداني التي أصبحت عاجزة عن توفير الحد الأدنى من متطلبات حياتها اليومية، فيما عادت مجدداً صفوف الرغيف والمحروقات وكأننا يا "انقاذ" لا رحنا ولا جينا!! لماذا لا يقر الرئيس بالنتائج الوخيمة للتمكين على الخدمة المدنية والعسكرية ومن ثم على الدولة ككل والتي ذابت في الحزب وأصبحت دولة الحزب، وكيف لا يرى الرئيس وحزبه هذا الظلم الصارخ المتمثل في تسخير الدولة كل الدولة لبعض الناس وليس لكل الناس؟!! اقتربنا من 25 عاماً من عمر الانقاذ وعلى أساس البيان رقم (1)، وما تبع ذلك من تبشير سياسي واقتصادي على قاعدتي المشروع الحضاري و"نأكل مما نزرع"، فإن النتيجة النهائية تؤكد كل ما سبق، وهو الفشل الذريع الذي لا يجادل فيه أحد سوى من كان "منتفعاً" أو مستفيداً من نظام عمل وما زال يعمل حتى تاريخه على خدمة شريحة محددة من الناس وليس "كل الناس" وتمكينهم سياسياً واقتصادياً. "الناس كل الناس" يسألون لماذا تحدث قادة الانقاذ أصلاً عن مفاجأة؟، ما الهدف من وراء ذلك؟، ولماذا جاء الخطاب ضعيفاً في بنيته وفي مضمونه لا يرقى إلى تطلعات الناس التي تتمحور في استعادة مستوى الحياة التي كانوا ينعمون بها في السابق، ووقف تدمير الوطن باسم الاصلاح، وبيع اراضيه للأجنبي باسم الاستثمار ، ونهب المال العام باسم التنمية ومحاربة الفقر..الخ اذا كان للفقر وضيق الحال من فائدة، فهو أن الناس كل الناس أصبح لديها القدرة على الفهم وعلى التحليل وعلى استخلاص النتائج، بل وحتى على تفكيك مثل هذا الخطاب الذي يعتقد أنه جاء ضمن مساعي المؤتمر الوطني لإهدار الوقت واضاعة جزء ثمين منه حتى لا تتفق أحزاب المعارضة-إن كانت جادة- على حد أدنى من المطالب قبيل الانتخابات وفي مقدمتها تشكيل حكومة انتقالية لإدارة أية عملية كهذه، ليشرف نفس الحزب وبنفس أدواته القديمة على الانتخابات لتزويرها وضمان نتائجها النهائية لصالحه. خطاب الوثبة إذن محاولة للقفز فوق ركام الوطن والفشل في إدارته، وصولاً إلى برنامج جديد يبصم عليه كل الناس والمقابل الايحاء أن الانقاذ(في المرة القادمة) ستعود إلى الوضع الطبيعي في خدمة كل الناس والعمل لصالحهم ولسان حاله يقول (كفى بعض الناس تمكيناً)!! بالطبع من المستحيل تعويض "الناس" عن خسائرهم المادية والمعنوية سواء على صعيد الوظائف التي ارغموا على تركها لصالح بعض الناس ضمن سياسة التمكين(الصالح العام)، أو تعويضهم على صعيد الحقوق ومنها حق التعليم والعلاج والعمل. وهذا الواقع يكذب زعم النظام بأن واقع حياة الناس أفضل اليوم بالمقارنة بما سبق وأسوأ بالمقارنة للحياة المعاصرة. ويبدو أن الحكومة تتحدث عن ذلك في محاولة يائسة للالتفاف على واقع تداعيات الأزمة الاقتصادية وتبعاتها من الجوع والفقر اللذان يعاني منهما كل الناس عدا بعض الناس من المنتفعين والمستفيدين من انحياز السلطة لها. إذا عرفنا ذلك وبافتراض أن النظام يريد أن يعود لكل الناس فان السؤال هو كيف بالامكان إعادة ميزان العدل للمجتمع ليتقاسم أفراده الفقر والجوع عوض حرمان بعضهم من كل شئ ومنح القليل منهم كل شئ؟.. أما الحضور من الساسة وعلى رأسهم السيد الامام الصادق المهدي وعراب النظام حسن الترابي وغيرهم فلديهم ما تبقى من غنائم معنوية ومادية ولا يهمهم ما حدث او يحدث للشعب المسكين!! ومع ذلك ننتظر لنرى إلى أي مدى ينغمسون مع الحزب الحاكم لترويج برنامجه لتثبيت أركان حكمه للبلاد إلى الأبد.. ولا ندري إذا كان يعلمون حقيقة أن المؤتمر الوطني يسعى من خلال الترويج لما يسميه بالاصلاح الشامل إلى خلط الأوراق المخلوطة أصلاً ومنع أدنى احتمال لزحزحته عن السلطة. لقد حصلوا على الدعم الأمريكي من خلال كارتر وسيتواصل هذا الدعم الغربي إلى حين استكمال الأجندة الأمريكية وفي مقدمتها تقسيم المقسم في السودان وتفتيته إلى خمس دويلات. وفي نفس الوقت ليس لدينا احزاب او قيادات سياسية في مستوى المخاطر التي تواجه البلاد وها هم قادة هذه الأحزاب يقدمون الحزب الحاكم ويرضخون لبرنامجه أساساً للحوار المزعوم وبالتالي منطلقاً لموجهات المرحلة القادة!! وهكذا يمكننا القول ان الناس كل الناس مصدومة من هذه الأحزاب وقياداتها أكثر من صدمتهم في خطاب الرئيس.. [email protected]