خطاب البشير للناس كل الناس،حمال اوجه، ومخادع ومنتحل ،أوقع السامعين في مصيدة مفرداته بغرابتها ، واستخدامه لغة مهجورة غير مفهومة،وآثار السخرية،لأنه لم يتحدث بلسانه،ولم يفكر بعقله،ولم يحسن قراءته ،لعقدة في لسانه، ولذا لم يفقه الناس قوله،لغته تدل على صاحبه، كما تدل البعرة على البعير،تتبدى فيه شخصيه من برز يوما بثياب الواعظين، وما هو بواعظ. اظهر الخطاب،مفردات لم نعهدها من قبل، لدى من تعودنا منه خطل المنطق،ولغة الوعيد والتهديد،والحماقة ومنطق الجزمة لا الحكمة، والخطاب، أحبولة من أحابيل، تلاميذ كبيرهم الذي علمهم السحر،ومصيدة نصبت بامتياز،مهد لها بالبشرى والمفاجاة ،ما رفع سقف التوقعات، إلى حدد "تنحي"من كان لسان حاله، أريكم ما أرى، وأنا رئيسكم الأعلى، فالمسرح اعد لصاحبه ،ودمى السياسة أجلست بعناية،ومن يرى الوجوه يسترجع تاريخ فشل النخب السياسية،وانسداد الأفق،فلا ضوء آخر النفق. الخطاب يورث كلالة،فلا أصل ولا فرع له، وهو تعبير عن إعياء، وقلة حيلة،يورث سوء المقصد، فمن كتبه، لشيء في نفسه،اظهر عوار فكره، ولم يتحدث حتى نراه،وتعلق بمفردات مهجورة، تمتحن فطنة السودانيين،الذين ردوا بدهاء وذكاء، وسخرية لم يتعلموها ممن اشتهروا بها،وإنما صنعها الواقع المرير حينما جاعوا "أولاد ..". وفي تفكيك لغة الخطاب،أراد كاتبه إدخال مفردات جديدة في القاموس السياسي،وما هي بجديدة،فإدالة السلطة، قصد بها "تداول السلطة"،وفي السياق " الفَعَلة السياسيين" يقصد بها "الفاعلين السياسيين". واذا كان الشي بالشئ يذكر،فان لفظة"الترتيب السياسي" جاءت مجارة لمصطلح "التوالي السياسي" الذي نحته الترابي في دستوره للعام 1998،فصرف الناس عن مضمون الدستور ومواده الى جدل حول المصطلح ذاته. للطغاة عبارة لا ينساها التاريخ، وتظل باقية حتى بعد رحيلهم، من بن علي الذي لم "يفهم" شعبه إلا ضحى ثورة الياسمين،او صالح اليمن الذي لم يتسلهم الحكمة اليمانية، ولم يصلح او مبارك الذي طغى وتجبر ونجاه ربه ليكون "آية" او القذافي، الذي استفز شعبه ،ووصفهم ب"الجرذان" فكانت نهايته في "مجرى" أما "نذيرنا "فبشرنا باجتراح " وثبة سودانية كاملة "تضع أهدافها عند منتهى نظرها ، لا تحت الأقدام،وبذلك يضع "الناس كل الناس" في حالة تهيؤ، إلى أن يحقق تلك الوثبة وكان لسان حاله يقول أنا رئيسكم إلى يوم القيامة.فبخاطبه يطرح برنامجه الانتخابي بركائز أربع سماها امهات القضايا:"السلام ،المجتمع السياسي الحر ،فقر المعيشة ،إنعاش الهوية السودانية"وذلك ضمن دعوته الى حوار وطني لا يستثني حتى الجماعات المسلحة، وتعهده بقبول اي "رأي مسؤول" يتضمن سبيلا للنهضة وصلة الرحم وتوثيق العروة الوطنية،ويقبل على الحوار بمسؤولية وجدية. إذن في "الخطاب المتاهة" ما هو جديد وخطير،وسيكون له مابعده، ووقتها ستظهر "المفاجاة الكبرى"،جديد الخطاب لغته ومفرداته ،وخطورته ان امهات القضايا خلت من"الشريعة الاسلامية"،واسقط المشروع الحضاري الى غير رجعة،ولعلها المرة الاولى ،التي لا يسمع فيها الشعب الصابر،الهتافات اياها،قصد من الخطاب اشاعة حالة الغموض المتعمد، وارباك الساحة السياسية،واثارة غبار كثيف يحجب الرؤية والفهم الصحيح لمقاصده،وصرف الانظار تماما عما يجري وسط الاسلاميين في سبيل استعادة اشواقهم القديمة،فترميم الجسور بين القصر والمنشية، قطع شوطا ، والترتيب السياسي يجري على قدم وساق،فالمصالحة بين الشيخ وحواره تمهد لعودة "العراب" الذي ذهب الى السجن حبيسا. الوحيد الذي يفهم هذه اللغة،بابتسامته المعهودة، هو المقصود بهذا الخطاب،بعد ان ضمن تهئية الملعب للعودة بطلة جديدة،وباتت تنازلات القصر تترى عليه،منذ ازاحة من تامروا عليه، الى اطلاق سراح اقوى كوادره، الى فك "لسان حاله" صحيفة "رأي الشعب"،فهو اختار كيف يدخل القاعة بطريقته،وجذب اليه الاضواء،حتى تكاكا حوله الصحافيون وشهقت الفلاشات.إذ عد هذا الخطاب "وثيقة" اصلاح شامل بركائز اربع ،وما احتواه من "امهات القضايا" مبادرة للحوار الوطني،يكون ذلك خطوة تنقصها الاليات والضمانات ، وهنالك "نموذج اليمن"،و"نموذج تونس"،اما اذا كان وسيلة للبقاء في السلطة ، بعد ربع قرن من الاخفاقات،فهو ما يرفض جملة وتفصيلا، وستبدي لنا الايام ما كنا نجهله،وفي المؤشرات الاولية تعبير الرضا عن الخطاب يتبدى لدى الحزبين الكبيرين، ومن قبلهما المؤتمر الشعبي إذ ان مفردات الخطاب من بنات افكار اثنان من ابنائه العاقين ممن كانا كتابين لوحي السياسة لشيخهم .التقدير عندي ان ازاحة الكبار وسدنة الحركة الاسلامية والدفاع بالشباب متفق حوله ويمهد بعودة الشيخ ، وهي عودة تحكمها ارادة خارجية بعد ازاحة التنظيم الامر في مصر والشرخ الذي ضرب "الخلافة" في تركيا. اثنان كانا رأيهما اقرب الى ما ذهبنا اليه ،فاخر الليل يتحدث- قبل الخطاب - عن العودة التي اشرنا اليها "وحكومة العام الواحد.. بمهمتها الواحدة.. تنظيف الركام.. حكومة لا يلتفت إليها أحد الآن..!!. والعيون تبقى عند الحكومة الماضية التي تصنع الحكومة القادمة"..والاخر- وهو الاكاديمي -فقال " الخطاب سيكون محبطا" وهو المقصود بحد ذاته. [email protected]