يصرخ الأطفال (عمر دقيقة ) جميعاً عند خروجهم من بطون أمهاتهم ، سواء ولدوا في مستوصفات خمس نجوم أو مركز صحي بائس أو في راكوبة لا تحجب أشعة الشمس . ولكن المولود في المستوصف، يلقي الرعاية الطبية الفائقة بما فيها التطعيم والتغذية الجيدة ، ثم التعليم في مدارس خمس نجوم ، ولو لم يدخل الجامعة بالنسبة المطلوبة دخل بقروش ( أبوه) ، ثم حصل علي الماجستير والدكتوراه من جامعات أجنبية . وعندما ينتهي مسلسل التعليم ، يتولي هذا المولود سابقاً المناصب الكبيرة في مؤسسات أسرته الميسورة ، وإذا كان خاله سادناً حكومياً فإنه سينال منصباً دستورياً رفيعاً . ويتنقل هذا المولود ( سابقاً) من مكان لآخر بالعربات الفارهة أو الطائرات ، ويلبس في حياته أفخر الثياب ، ثم يأكل ما يحلو له ، وإن عطس فإنه يتعالج في ( أجعص) مستشفي بالولايات المتحدة . وإن دخل إلي صالة عرس فإنهم يحتفون به ، وتتابعه الكاميرات أينما حل ، ويطلق عليه لقب الوجيه وينال الأوسمة والنياشين أما المولود في الراكوبة ، فإنه يصل سن الخامسة بمجازفة بعد أن يتغلب جهازه المناعي علي الشلل والدفتريا دون أي مساعدة طبية ، وإن كان محظوظاً سيفك ( الحرف) حتي سنة ثالثة ثم ( يسرح) مع البهايم ، وعندما يصل سن ال 15 سيركب أقرب لوري إلي أقرب مدينة حيث تبتلعه طبلية أو درداقة أو عربة نفايات . ولن يحلم بأي وظيفة في تربيزة فوقها مروحة ، وسيطلق عليه المثقفون لقب فاقد تربوي . وسيتنقل من مكان لآخر ( كدّاري) ، وسيلبس الثياب البالية ، وسيأكل أرخص الأطعمة المصنوعة من الزيوت المضروبة وإن مرض فليس له دواء غير القرض والحرجل . وإن مر علي صيوان عرس بالصدفة طرده الحرس الموجود شر طردة ، ولا تقلده الدولة الأوسمة والنياشين بل تسوقه الكشة للحراسات والزنازين . المدهش في أمر هذين المولودين سابقاً ، أن كل ما يتمتع به المولود الأول هو نتاج ثروات طبيعية وفوائض قيمة كان مصدرها الإقليم الذي ينتمي له المولود الثاني . ليس القدر وحده من يحدد مصائر الناس ، بقدر ما يحددها الطريق الذي يسلكه المواليد علي شاكلة المولود الثاني . إن اختاروا طريق الثورة لقلب المعادلة ولاسترجاع أموالهم المنهوبة وإشاعة الاشتراكية ، فإن مصائرهم بأيديهم. وإن اختاروا الاستسلام فهم حتماً مغادرون الدنيا سريعاً بالسل وسوء التغذية ، ومرض الاسقربوط تلك هي جدلية الفقر والثورة يا سكان الطابق الرابع ، ياشركات وورش ومصانع الميدان