عندما يغيب الموت نجماً ساطعاً في بلادي فإن كل السماوات تبكيه وتلبس الدنيا السواد حداداً عليه ويعلو نحيب العصافير فما بالكم إن كان ذاك النجم هو المخرج الرقم في تلفزيون السودان والممثل الإنسان والأديب الفذ والكاتب الصحفي المهتم بالتراث السوداني الاب والصديق والأستاذ محمد سليمان دخيل الله صاحب البصمات الإنسانية والإبداعية علي جداران الحيشان التلاتة (التلفزيون،الاذاعة والمسرح) ،فكواليس استديوهات التلفزيون تتذكر إطلالته من خلف ديسك الاخراج ليقدم للمشاهدين اروع البرامج وخشبة المسرح القومي وكل زواياه شهدت تألقه في الندوات والاطروحات الثقافية والفنية ،كما ان الإذاعة القومية بكل شموخها تترقب إطلالته وسير خطواته وهو يعبر الطريق نحو كافتريا (ادروب) التي كان فيها مثاقفاً ومحاوراً يجيد الكلام في شتي الاشياء وكذا هنا ام درمان بدهاليزها واستديوهاتها العتيقة تتذكر خطوه برقة وإبداع وكذا الصحافة السودانية تتذكر توثيقه للمبدعين من ابناء بلادي في قالب كتابي انيق وسلس عبر صفحة (ونسة) الاسبوعية بصحيفة الصحافة ومابين عبور وعبور يهفو الكل في الحيشان لمصافحة روحه الطاهرة ونفسه المرحه وطهر لسانه فدخيل الله رجل عتقته التجارب ومنحته الدنيا اقل من ما كان يتمني ووهبه الخالق حب الناس الذي لايقدر بثمن،نعم رحل دخيل الله عقب عودته من عاصمة الجزيرة ود مدني حيث كان يقوم بأخر واجب خارج الخرطوم نقل من خلاله للمشاهدين مباراة الاتحاد والهلال في الدوري السوداني الممتاز،نعم غادر دخيل الله تاركاً امسيات الخرطوم توزع الاحزان حزناً بعد حزن . ويعد الراحل من جيل المخرجين الذين رفدو مكتبة التلفزيون القومي بأروع البرامج في شتي ضروب الإبداع البرامجي وهو من مواليد الدامر وخريج معهد الموسيقي والمسرح وحائز علي درجة الماجستير في الاخراج الدرامي وكان يعد لمناقشة رسالة الدكتوراه الا ان الاجل عجل بروحه قبل ان يعجل بنهايتها ،وبرغم من انه في العام الماضي ترقي الي درجة مدير لوحدة البث التلفزيوني الا ان الراحل من الزاهدين في الدنيا مما جعله يأبي ان يجلس علي مكتبه الوثير بالقناة القومية وفضل الجلوس في كرسي تحت شجرة قبالة مكتب مدير التلفزيون (بين الناس والبسطاء من العاملين) كان يتخذه مكتباً وشهد هذا المكان بيعه لجميع نسخ كتابه (أروع المغنيين) الذي وثق فيه لعدد كبير من الشعراء والفنانين وصدر في العام 2013 وكان ايضاً متكأ لغلابة الابداع في التلفزيون القومي ،وابدع دخيل الله من خلال الشاشة في اخراجه لعدد من المباريات علي مدي اكثر من اثنين وعشرين عاماً ومن ابرز البرامج التي وضع بصمته الإخراجيه عليها برنامج (الصلات الطيبة) مع الراحلين محجوب عبد اللحفيظ والبروفيسور فيصل محمد مكي و(بين الفن والسياسة) مع الراحلة ليلي المغربي و (خد وهات) مع الفنان ادمن منير، وبرامج (حقيبة الفن وصدر المحافل) مع الباحث والموثق عوض بابكر و(نسايم الليل) مع الفنان الراحل المقيم إبراهيم أحمدعبد الكريم إضافة الي برنامج الفتاوي (إفادة السائلين). ودخيل الله كانت له إطلالة خاصة وروحاً مرحة وخفيفة ما زلت اتذكرها حينما كان يصل التلفزيون في الصباح الباكر ويقلب معنا الصحف يومياً في (المركز الصحفي لتلفزيون السودان) وكان يجعل الوقت قصيراً جداً بوجوده قدم لي شخصياً الكثير من النصائح والدروس مما جعلني اخطو بثقة في مجال الإعلام والصحافة خصوصاً وبفقده تفقد الحيشان التلاتة زهرة يا نعة وسط بستان من الاشواك ومبدع فذ وسط ركام نفوس لايعي بعضها كهن الابداع،والراحل غادر قبل ان يعي من حوله قيمته ويدركون مواهبه ويضعونه في مكانه المناسب كحال كل مبدعي بلادي الذين عشقو السودان وحملوه في حدقات العيون . والراحل رغم انه احمر الهوي الا إنه عند إنطلاقة صافرة الحكم ينسي عشقه للمريخ وينقل الصورة بمهنية وحيادية فكان حقاً من اروع المبدعين في حوش التلفزيون وفي اخر حوار لي معه كان (دخيل الله ) يتمني ان يعم السلام ربوع البلاد كافة وان تقف النيران المستعره في الحدود وان يجنح الجميع للسلم وان تجمع كرة القدم السودانيين وتتحقق بها وحدتهم فكرة القدم سفارة شعبية... الارحم الله دخيل الله بقدر ما اعطي لوطنه من حب وعمل والزمنا وذويه الصبر والسلوان .. د. صبوح بشير [email protected]