عزيزي القارئ كتبت بحث تخرجي بجامعة الخرطوم تحت عنوان ( التحالفات السياسية السودانية .. التجمع الوطني الديمقراطي 89 نموذجاً ) ودون الخوض في تفاصيل البحث، اذكر ما يتعلق بما أود التطرق اليه في مقالي هذا فقد افترضت أن التجمع الوطني الديمقراطي 89 قادر علي انجاز التغيير السياسي بازاحة السلطة الحاكمة وعاجز عن احداث التغيير الاجتماعي لان ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية 1995 والذي وقع عليه المنضوين تحت لواء التجمع الوطني لو انزل هذا الميثاق الي ارض الواقع فستفقد الاحزاب اليمينية الكبيرة حتي اسباب وجودها ، لذا فهو مجرد توقيع منها والسلام فاحد بنود الاتفاق تنص ان لا يقوم اي حزب سياسي علي اساس ديني وفي ذات الوقت تنادي الاحزاب اليمنية الكبيرة ببرامج الجمهورية الاسلامية والصحوة الاسلامية . لذا كتبت حينها ان صراع هذه الاحزاب مع الجبهة الاسلامية منفذة الانقلاب في89 هو صراع علي السلطة وليس علي البرامج فكل احزاب اليمين السوداني تنادي بقيام دولة دينية تحت اسماء مختلفة منها المشروع الحضاري ، الجمهورية الاسلامية والصحوة الاسلامية وفات علي ان عدد من هذه الاحزاب قد يقبل بجزء من كعكة السلطة ان تعزر عليه الحصول عليها كاملة . عموما المراقب لتطورات المشهد السياسي هذه الايام بالسودان يلاحظ دونما عناء اقتراب الاحزاب ذات الجزور الاسلامية من تكوين وفاق وترتيبات لاقتسام السلطة مع حزب المؤتمر الوطني وبدأت المسألة بخطاب الوثبة فقد ظهر في قاعة الصداقة اثناء القاء الخطاب كل من الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي ، حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي ومن المؤكد ان هذا الظهور سبقه ترتيب لزمن طويل . بالنسبة لي كفرد سعدت جدا بتصريحات الاستاذ كمال عمر التي توضح مدي تقارب حزبه ( المؤتمر الشعبي ) مع المؤتمر الوطني وتحذيره من مغبة العمل علي اسقاط السلطة الحاكمة ، سعدت لان هذه الخطوة تصب في فرز الصفوف بشكل أوضح ولك عزيزي القارئ ان تري من هم مع السلطة الحاكمة أو لا يفضلون ذهابها ومن ضدها ويعمل لأجل ذهابها . الحزب الاتحادي مشارك في السلطة وقائد حزب الأمة صرح كثيراً بأنه ضد اسقاط النظام الحاكم وبالامس صرح الاستاذ كمال عمر ما يفيد بانهم قريبون من السلطة الحاكمة وحذر من محاولة اسقاطها ، كل هذه الاحزاب ومعها حزب المؤتمر الوطني يجمعها انها قامت علي اساس ديني وتدعو الي تطبيق الدولة الدينية في السودان اذا ما تلا هذا التقارب من تصريحات مولانا عبد الرحمن شرفي ( نائب رئيس القضاء ) بتلقي بعض الجهات السياسية دعم المعونة الامريكية ورعاية المكتب الاقليمي للجندرة لاعداد مسودة دستور علماني مبدياً استغرابه من عودة نشاط الحزب الشيوعي والجمهوري بكثافة وذلك بعد حل الاول واعدام زعيم الثاني ( مولانا دا كان وين بصراحة ؟ ) ودعوة مولانا المكاشفي طه الكباشي بمنع قيام الاحزاب العلمانية والملحدة ( طبعاً تعريف العلمانية والالحاد لهم فيه حق ازلي لا يتنازلون عنه ) هذه التصريحات ليست معزولة من التقارب السياسي بين حزب المؤتمر الوطني وبقية الاحزاب ذات الطابع الديني ، بناء علي ما تقدم اتوقع هجمة شرسة جدا علي احزاب اليسار السوداني وقد لا تقل عن ما حدث للحزب الشيوعي السودان في الستينات بحله وطرد نوابه من البرلمان في اختراق صريح للدستور و تجدر الاشارة الي ان عدد كبير من الشخصيات التي اجتهدت في حل الحزب الشيوعي حينها هي ذات الشخصيات التي تتقارب اليوم مع حزب المؤتمر الوطني كما أن عدد منهم يعتبر من مهندسي قوانين سبتمبر 83 المعيبة والتي اعدم بموجبها الاستاذ الشهيد محمود محمد طه زعيم الجمهوريين – ومن لم يكن من مهندسيها رفض طلب الجماهير بالغائها عندما كان في قمة هرم السلطة . بقراءة المتوقع وما سيحدث في مقبل الايام هل تبقي احزاب اليسار السوداني مكتوفة الايدي وفي انتظار الحدث ؟ اري ان الفرصة مؤاتية جدا لخلق تحالف من كل دعاة الدولة المدنية في السودان من احزاب وجماعات مسلحة وحركات شبابية ضد تحالف قوي اليمين الرجعية التي ستحاول بعد اقتسامها السلطة الفتك بالمعارضة وقد بدأت الخطة بتصريحات رجال الدين لتعبئة الرأي العام ضدها . [email protected]