إحتفاء الافراد والمجتمعات بكل ماهو مميز وجميل أمر رائع بل هو مطلوب لتحفيز النفوس على التمسك بالفضائل والقيم لخلق مثال يحتذى ونموذج يقتدى ,لكن الاحتفاء الغير مسبوق بمقطع فديو الراعى السودانى فى كل مواقع التواصل الاجتماعى كتابة وتعليقآ يعكس حجمآ أخر لكارثة بلغت منتهاها . على مدى أزمان مضت وعقود خلت كانت مكارم الأخلاق بكل تفاصيلها من أمانة وشجاعة وكرم وحسن سلوك بلغت مبلغآ فى سلوك الافراد لا يلتفت إليه أحد ... قد يلفت إليه إعجاب شعوب أخرى تحكى عنه بكل إعجاب لكننا كنا نعيشه كفعل عادى تعودنا عليه وعشناه كانه الاصل وما عداه طارى لا يحسب له حساب ... كانت مجتمعاتنا مجتمعات خير محض ليس للشر إليها من سبيل ... يتساوى الجميع فى ذلك غنيننا وفقيرنا رجالنا ونساءنا صغارنا وكبارنا... كان الناس يعيشون كمالات أخلاقهم دون أن يحسوا بانهم قد أدوا عملا عظيمآ عندما كنت أتأمل سيرة الصحابى الزاهد أبو ذر الغفارى وفى بدايات الدعوة النبوية عندما غادر اخاه متاجرآ الى مكة وعاد ليساله أباذر عن أخبار مكة وأهلها ... فقال له : لقد ظهر رجلآ يقال له الصابىء محمد ... رجل على دينك يا أباذر . ماذا كان دين أباذر حينها غير مكارم الاخلاق . هل لوكانت رحلة تجارته متيسرة فى تلك الأزمنة البعيدة إلى أرض أجدادى فى السودان وتاجر وعاش بين أهله ماذا كان سيكون قوله غير : (لقد وجدت أقوامآ على دينك يا اباذر )...وهل عاش اجدادنا غير كمالات اخلاقهم ومكارمها إيمانآ وسلوكآ ... عاشوها وتوارثوها جيل بعد جيل كمروءة ( ورجالة ) دون ان يفد عليهم وافد أو حتى تنزلت عليهم نصوص مقدسة تخوفهم من مآلاتهم ومصائرهم بعد حياتهم .ثم ماذا حل بنا ؟ كل هذى المرايا التى تعكس صورتنا الحقيقية تهشمت واصبح وجودنا وكياننا وهويتنا مشوهة ومشوشة.. إنقلب المفاهيم والمعاير والقيم وطفت كل اعراض أمراض المجتمعات التى تسير بخطى ثابتة نحو الكارثة . كل ذلك برغم من مشاريع ماسمى بإعادة صياغة الانسان السودانى برغم ايدلوجية التوجه الحضارى والتأصيل الدينى برغم من فيضان المظاهر الدينية التى ملأت كل تفاصيل حياتنا ... برغم ذلك ضاع منا الطريق إلى أفق الخلاص وجلسنا كمجتمع على أرصفة الملل والإنتظار نرنو إلى أفاق بعيدة فى إنتظار شىء لا نعرفه ... وفى لحظة يجىء مقطع الفديو ليوكد بان بذرة الخير مازالت حية برغم ما طمر عليها من الوحل والتراب .. لكن أيضآ جاء ليؤكد بأننا كمجتمع فى قلب الكارثة .. كارثة أن أصبح السلوك العادى فى حفظ الامانات من مستوى المال العام إلى أغنام يرعاها راعى فى الفيافى أمر يستحق كل هذا الإحتفاء ... قطعآ ليس على مستوى بلادى بل حتى على مستوى بلد الجوار التى أجريت فيها مقابلات وأعلن فيها عن رصد جائزة لهذا الراعى الامين . لقد دمعت عيناى وانا اشاهد مقطع الفديو ليس بسبب تعفف الراعى وامانته وقناعته وثقته فى نفسه وربه ... فهذا ما كان فعلا عاديآ توارثناه كسودانين رجالآ ونساء ... لكن إنما دمعت عيناى على تاريخ صنعناه سويآ ثم ضاع . [email protected]