(1-2) تعريف الحكم الذاتي هو نظام سياسي وإداري واقتصادي يحصل فيه إقليم أو أقاليم من دولة على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الأقاليم على قدم المساواة. و الحكم الذاتي نقيض للمركزية، حيث تحتاج الدول التي تمارسه إلى أن تتخلى عن بعض سلطاتها المركزية لصالح الأقاليم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا لتتم ممارسته على المستوى المحلي. مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي الحكم الذاتي حسب وجهة نظر القانون الدولي، أن يحكم الإقليم نفسه، ويقصد به أيضًا " صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها".وقد يطلق عليه أيضاً الحكم الذاتي الدولي ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأممالمتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأممالمتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي. غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الاستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، بعض الشروط التي يجب توافرها في الاقليم للمطالبة بالحكم الذاتي حسب لجنة الاممالمتحدة للعام 1946م 1 – ضرورة توفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان. 2- سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب. 3- سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم. كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها. مفهوم الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي (القانون الدستوري قام مشرعو القانون العام الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري للحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ تقرير المصير القومي ، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساس لحل المسألة القومية ومشكلة التكامل ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والسودان والعراق. كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات، اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقًا من هذا التصور للحكم الذاتي اتجهت هذه الحركات إلى تبني هذا النظام، دون رفع شعار المطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها. ويمكن القول أن المقصود بالحكم الذاتي الداخلي " هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. كما أشارت بعض المواثيق الجهوية إلى مفهوم الحكم الذاتي، فقد عرف الميثاق الأوربي الحكم الذاتي المحلي)، في مادته الثالثة بأنه "قدرة الوحدات المحلية، والإقليمية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون" وأن هذا الحق "يمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات، مشكلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشرا أو عاما، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه". إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الحكم الذاتي في القانون الوضعي، هو حماية قومية أو حماية جماعة عرقية معينة، تقطن في إقليم (مميز تاريخيا وجغرافيا) ضمن أقاليم الدولة التي تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقي والجغرافي، وبالتالي يرتبط مفهوم الحكم الذاتي بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً. كما أن تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي لا تأخذ شكلاً واحداً، بل إن تطبيقاته تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والقانونية. العلاقة بين الحكم الذاتي والفدرالي الفدرالية شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) وووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية .الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا, وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة أما على المستوى العالمي فهي دولة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن خلال هذا التعريف للمفهومين نجد ان الفرق ضئيل ويكاد لايرى من حيث نظام الحكم والصلاحيات الممنوحة للاقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي او تلك التي تتخذ الحكم الفدرالي نظاما للحكم . فالقاسم المشترك هو تمتعمها بنظام اساسي ودستور يحدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واشتراكهما باعتماده بدستور الدولة وعدم خضوعه للتغيير او التعديل من الحكومة المركزية . وبالمرور على بعض تجارب الدول التي انتهجت الحكم الذاتي كالسودان بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا 1972 م التي وضعت حدا للحرب في الجنوب واستمر السلام احد عشر عاما ولم تفشل الا بعد ان خرق جعفر نميري الاتفاقية في 1983م ممهدا لاستئناف الحرب مجددا . وللتذكير بالاتفاقية نركز على بعض بنودها في الاتي 1- اصبحت المديريات الجنوبية تعرف بالاقليم الجنوبي، وستكون له اجهزته التشريعية والتنفيذية بالصورة التي نص عليها القانون.. وقد اشترط ان تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للسودان علي ان يسمح بأن تكون اللغة الانجليزية هي اللغة الاساسية في الاقليم الجنوبي.. واستعمال اللغة الرسمية واللغة الاساسية لا يؤثر علي استخدام لغة، او لغات اخري اذا دعت الضرورة.. 2) وضع القانون أسس الصلات بين الحكومة الاقليمية والحكومة المركزية وتقسيم السلطات بينهما.. فالمسائل التي تخرج عن سلطة الحكومة الاقليمية وتتبع للحكومة المركزية هي: الميزانية العامة، والسياسة الخارجية، وطبع وصك العملة، والنقل الجوي والنهري، والمواصلات والجمارك والتجارة الخارجية، والجنسية والجوازات وتخطيط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتخطيط التعليم.. 3) أجهزة الحكومة الاقليمية التي نص عليها القانون هي، مجلس الشعب الاقليمي والمجلس التنفيذي العالي.. ولمجلس الشعب الاقليمي، وبأغلبية ثلثيه، حق ايقاف تنفيذ اي تشريع صادر من الحكومة المركزية يعتبره الاعضاء مؤثرا بصورة سلبية علي مصالح الاقليم، ولكن رئيس الجمهورية ليس مقيدا بطلب المجلس القومي في هذه الحالة.. ولمجلس الشعب الاقليمي أن يطلب من رئيس الجمهورية سحب أي مشروع قانون يناقشه مجلس الشعب القومي اذا رأي ان اجازته تترتب عليها آثار سلبية بالنسبة للاقليم.. 4) المجلس التنفيذي العالي مسئول عن الحكومة الاقليمية، ولكن يعين رئيسه، رئيس الجمهورية بتوجيه من مجلس الشعب الاقليمي والذي يمكنه، باغلبية الثلثين، ان يطلب من رئيس الجمهورية اقالة رئيس المجلس التنفيذي أو أي أعضاء آخرين، وليس من حق رئيس الجمهورية رفض هذا الطلب.. 5) نص القانون علي أن يكون هنالك جهاز خدمة مدنية بالاقليم الجنوبي، وقبل انشائه يكون المجلس التنفيذي العالي مسئولا عن اعداد الميزانية وعن تقدير تكاليف قيام جهاز الخدمة المدنية، وعن الادارة والتنمية.. 6) وقد نص الفصل السادس من القانون علي ان عدد القوات الجنوبية في الجيش القومي يكون بنسبة عدد السكان في الاقليم وان استعمال القوات المسلحة في الاقليم يكون تحت سيطرة رئيس الجمهورية وبتوصية من المجلس التنفيذي العالي.. 7) وقانون الحكم الذاتي الاقليمي يضمن لكل مواطني الاقليم فرصا متساوية في التعليم والعمل وممارسة المهن المختلفة، وينص علي أن حقوق المواطنين لا يمكن ان تضار بسبب الجنس او العنصر او القبيلة أو الدين او مكان الميلاد. 8) القانون لا يمكن تعديله الا بواسطة 3/4 مجلس الشعب القومي، وموافقة ثلثي مواطني الاقليم في استفتاء شعبي للاقليم فما كان من نميري الاان استجاب لضغوط بعض الاستوائيين واصدر قرارا بموجبه تقسيم الاقليم الجنوبي الى ثلاث اقاليم ناسفا بذلك اول بنود الاتفاقية وكما ذكرت الشيء الذي مهد للحرب مجددا في مايو 1983م والتي انهتها اتفاقية نيفاشا 2005م والتي اعطت الجنوبيين حق تقرير المصير الذي بموجبه تم فصل الجنوب في يوليو 2010م . ولنا عودة في الجزء الثاني من الدراسة مصادر الجزء الاول :- 1- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلاقات الدولية تحت عنوان: "قضية الصحراء ومفهوم الاستقلال الذاتي". - وحدة: المغرب في النظام الدولي- جامعة محمد الخامس- أكدال- الرباط 2-نصوص اتفاقية اديس ابابا 1972م موقع الفكر الجمهوري الالكتروني ابو فاطمة ابراهيم [email protected]