بعد خروجي من المطار وخلال سيري إلى البيت في الثورة كان أول ما لفت انتباهي مشهد تكرر أكثر من ثلاثة مرات وهو رؤية مجموعات من الشرطة بخوذها وهراواتها تمطي سياراتها الشبيهة بالدفار وتجوب الشوارع وعند سؤالي في شنو قالوا لي هذا من باب إرهاب الشارع. كذلك لفتت أنظاري وأنا خلال الطريق البقالات التي تمددت إلى داخل الشوارع محتلة أجزاء منها بسياج من الحديد واضعة فيها بعضاً من المواد الغذائية معظمها من المياه الغازية ولكن الذي لفت نظري إلى هذه الظاهرة هو تعرض هذه المواد إلى أشعة الشمس دون أن يحاول صاحب المتجر تغطيتها أو وضع ساتر لها مما يجعلها عرضة لتحلل المواد البلاستيكية في محتوى القوارير مشروبات كانت أو زيت، وبنفس القدر وأكثر رأيت طاولات الخبز أمام المحلات على عرض الطريق معرضة لأشعة الشمس والغبار ودخان عوادم العربات مما يعني أن المواطن يدفع كي يشتري الداء، أما أبو كأس (البرنجي) ومناديل الفاين وأدوات المكياج فلا بواكي عليها حيث مقرها على الطبليات في المواقف وعلى جانبي الشوارع تستحم بأشعة الشمس في وهج النهار أما صاحبها فتجده يضع على رأسه خرقة أو شمسية أو تجده جالساً على مقربة منها في ظل جدار أو كشك ولا تسأل أين ما يسمى بحماية المستهلك؟. أما بالأمس وخلال جولة قصيرة بسوق الشهداء بأم درمان وأثناء عبوري من بين الكافتيريات ومحلات التجميل والأكشاك ومحلات الكاسيت كدت أن أفقد سمعي من ضجيج الأموات الذي يعلو على كل شيء ففي هذا الكشك يرتفع صوت محمود عبد العزيز وفي تلك الكافتريا يعلو صوت نادر خضر وبجواره زيدان وفي واجهتهم وردي بالإضافة إلى بعض الأصوات التي لم استطع تمييزها وبعضها أجنبية وكم مرة كدت أن أسقط على الأرض بسبب أكوام القمامة التي لم تقم صحة المحلية أو الجهة المسئولة بنقلها بالرغم من أنها قبضت رسم النفايات، هذا إلى جانب عويل الركشات التي تنفث أبخرتها مضاعفة نسبة التلوث في جو غير معافى. أما أهلنا الطيبين فهم يسيرون مطأطئين الروس ينظرون إلى الأسفل كمن فقد إبرة في كومة قش ولا أدري عن ماذا يبحثون ولربما هم يبحثون عن كرامتهم التي أهدرت لتهاونهم وتفريطهم فيها، ومع ذلك لا يبخلون عليك بابتساماتهم التي تدل على نقاء سريرتهم وصفاء قلوبهم فإذا سألت أحدهم راجياً منه وصف طريق أو موقع لا يأبه أن يقف بعض الوقت ليدلك على ما تريد شافعاً ذلك بابتسامة ليس فيها أي تكلف أو مراء وهذا ما يجعلني ابتسم رغم مرارة الأوضاع. ميرغني النقي [email protected]