حال حملتك الضرورات على الاستعانة بأبناء جلدتك (السودانيين) للإدلاء بشهادة ذات طابع رسمي أو قانوني؛ فيستحسن أن تخطرهم قبيل فترة كافية ليتسنى لهم إجراء بحوثهم المضنية داخل بيوتهم وفي بطن (دواليبهم) عن وثيقة ثبوتية تخّول لهم نقل رغائبهم في مساعدتك من خانة (الشهامة) إلى خانة الوجود الفعلي داخل أوراق المحاكم ووثائق المحامين. أما وفي حال استدعى الأمر عجلة هي من الشيطان، فما عليك سوى تشمير ساعد الجد والتأهب لعمل مضنٍ كحال شحيح ضاع في الترب خاتمه، وبعد ذلك علَّك تجد سودانياً قادراً على إثبات جنسه عملاً وليس بمقتضى الأقوال. الذهنية السودانية التي ترفع شعار (سمحة المهلة)، ولا تنسى بأن العجلة من الشيطان؛ لا محالة تدفعك لتذكر أن جيب السوداني الذي تنوء بأحماله العصبة أولي القوة، ويحتوي عادة على (أقلام، هواتف، عملات ورقية ومعدنية، مفاتيح، لب، علب سجائر وأكياس (تمباك)، بجانب أشياء أخرى في الأعم غير مفيدة) يكون في الغالب خلواً من البطاقات، وهو أمر يشي بحالة ضيق كبيرة تنتاب السوداني من حمل الأوراق الثبوتية، الأوراق التي لا يخفي الأهالي تبرمهم من ثقلها و(ثقالتها). ويستشعرونها بذات شعور عامل اضطرته الظروف لحمل (أنبوبة) غاز مملوءة إلى الطابق العاشر في بناية تعطل مصعدها. ويعزو أستاذ علم الاجتماع خليل عبد الله المدني سر العداوة البائنة التي تربط السودانيين والأوراق الثبوتية؛ لتفشي الثقافة الرعوية، وتنامي الروح القبلية والمناطقية. فحين يسأل أحدهم عن جنسه يعود مباشرة لقبيلته. ويشير المدني إلى أن هاتيك الأسباب مضافاً إليها انتشار ثقافة الجودية الموجبة في حلحلة المشكلات؛ تجعل من السوداني على يقين بأن حاجته للأوراق الثبوتية محصورة في موضوعات معينة، حال نزلت بدياره فوقتئذٍ لكل حادث حديث. وفي استطلاع لعينة عشوائية (يمكن أن تجريه بنفسك قارئ الصيحة الكريم) وضم عشرة أشخاص لمعرفة ما إذا كانوا يحملون أوارقاً ثبوتية، وجدنا ثمانية منهم (بدون)، وتراوحت تبريراتهم بدون شك بين النسيان، وبين عدم الحصول على أوراق في الأصل، وبين متسائل عن الحاجة لحمل بطاقة. وفي محاولة لوضع إجابات للسؤال عاليه؛ نجد أن الأوراق الثبوتية تعتبر مفرزة لتفريق المواطن والأجنبي، ووسيلة رصد تساعد الدولة على دراسة الحراك الديمغرافي ومعالجة الاختلالات السكانية، ومدخل صحيح لوضع الموازنة العامة، وتقديم الخدمات، ومسح سوق العمل، ووسيلة أمنية لمعرفة الوجود الأجنبي والطرق المناسبة للتعاطي معه والاستفادة منه. كذلك فالأوراق الثبوتية (جواز مرور) لقضاء كثير من التعاملات الرسمية والبنكية، وهي سبب في إنجاز أمور تحتاج إلى التسجيل ابتداء، ومفتاح لدخول كثير من المرافق العامة والخاصة، ومنجاة من المشكلات التي تؤدي إلى أقسام الشرطة، ووسيلة لإثبات الشخصية حال التعرض للحوادث وأمراض النسيان وفقدان الذاكرة، وفوق ذلك كله هي منقذة للحياة في حال التعرض للإصابات والحوادث التي تتطلب إسعافاً عاجلا لاحتوائها على زمرة الدم. وتثبت وقائع الحال، أن أكثر الناس التزاماً بحمل الأوراق الثبوتية هم الناشطون في فضاء الأجهزة الشرطية والقضائية، تليهم فئة "المغتربين" الذين تشربوا بخوف يحملهم على تحسس جيوبهم مرة ومرتين للتأكد من احتوائه على بطاقة سارية المفعول، فالسائقون الذين لا تكاد تفارقهم رخص القيادة، يليهم الموظفون الذين تتطلب أعمالهم إبراز بطاقة العمل بشكل مستمر سيما العاملون في المنظمات الدولية، ومنسوبو كبريات الشركات، والعاملون في مجالات التسويق، فالطلاب الذين لا تسمح جامعاتهم بالدخول دون البطاقة الجامعية، وأخيراً تأتي عينة متحركة ولا يمكن قياسها وتتمثل في المحتاجين إلى إنجاز معاملات رسمية. وفي الصدد، نجد المرأة أكثر التزامًا من الرجل في حمل الورق الثبوتي لخصائص تعود إلى الحرص والالتزام فضلاً عن الخوف. وتتعدد وسائل إثبات الهوية في البلاد، آخرها الرقم الوطني الذي تقول الشرطة إنها منحته أكثر من 13 مليون سوداني (مجاناً)، وهناك البطاقة الشخصية، أما الوثيقة الأشهر في السودان فهي الجنسية التي تعتبر مدخل وصول إلى باقي الأوراق الشخصية، بجانب جواز السفر ورخصة القيادة التي لا تتوافر للجميع، علاوة على ذلك تنتشر بطاقات العمل في يد عدد كبير من الأهالي. وبناء على ما سقناه، فإن نشر ثقافة حمل الأوراق الثبوتية في المجتمع السوداني بحاجة إلى كثير من الجهد، حيث لا تكفي المجانية، ولنبدأ بالتذكير أن البطاقة مجرد ورقة، صحيح حجماً لا وزن لها، ولكنها في القيمة لربما تساوي حياة. صحيفة الصيحة [email protected]