لست علي يقين من قدرة الشريكين علي تجاوز ملفاتهما التفاوضية الشائكة ،وكلما قرأت خبرا عن فشلهما في التوصل الي حل او ارضية مشتركة في احدي القضايا ،انتابني قلق علي مصير الناس الذين ينتظرون ادارة فاعلة وذكية لعملية الانفصال القسري هذه . امس قابلت اكوت وهو شاب جنوبي كان يعمل ضمن بعثة حكومة الجنوب في كينيا ،وتبعا لهذه الوظيفة ظل اكوت يحمل جواز سفر دبلوماسي سوداني ،انتهت صلاحيته قبل شهرين من الان ،وتعطلت مصالح كثيرة لاكوت تبعا لانتهاء جوازه وصعوبات استخراج جواز سفر جديد "يكون صالحا لمدة ثلاثة اشهر فقط "،كان اكوت قلقا جدا لانه من المفترض ان يستلم تحويل بنكي في حسابه ويحتاج الي بطاقة هوية سارية المفعول .شدني هذا الموضوع لاستفسار عدد من الاصدقاء الجنوبيين الذين يحملون "هويات سودانية "صالحة الي وقت بعيد من يوليو المقبل ،ووجدت انهم ينتظرون اصدار بطاقات الهوية الجدية لدولة "الجنوب السوداني "وفي هذه الحالة فان الشمال والجنوب سيدخلان في اجراءات فنية معقدة لتعديل الاوراق الثبوتية ابتداءا من تاريخ اعلان الانفصال في التاسع من يوليو ،وطالما ان الطرفين لم يتوصلا حتي الان الي نقطة تفاهم في القضايا العالقة بينهما ،بل انهما يواجهان صعوبات جمة شغلتهما من التحضير لاجراءات الانفصال ليكون سلسا وسلميا ،مما يعني ان المواطن حقا في حالة اضطراب وتشويش كبيرين فيما يتعلق بتريبات اموره واوضاعه سواء كان يعيش في الشمال او الجنوب ،وحسب مسؤولين وقيادات في الجنوب فان وزارة الداخلية في جنوب السودان ترتيب لاصدار بطاقات الهوية بعد التاسع من يوليو القادم ،وقد اكد لي موظف في مكتب حكومة الجنوب انهم فعلا طبعوا النماذج الاولية لهذه الاوراق الثبوتية ،لكن ثمة سؤال مهم يتعلق بالاجراءات المرافقة لهذا الاستصدار مثل موضوع "الجنسية بين شمال وجنوب السودان ،وهو موضوع لم يتم البت فيه حتي الان لكن محرضين كثر في الشمال بالذات يقولون "بعد يوليو الشمالي شمالي والجنوبي جنوبي "ولم افهم هذا القول قط ،اذ كيف ستتحدد هوية الجنوبي والشمال ؟فخلال العام الماضي اعرف عدد كبير من السودانيين الجنوبيين في كينيا علي سبيل المثال استخرجوا اوراق هوية سودانية من السفارة وكنت قد سالت القنصل السوداني عن شروط استحقاق هذه الاوراق لمواطنين سودانيين ظلوا في كينيا لعشرات السنين اما كلاجئيين او مهاجرين منذ ايام الحرب فقال :"ان الشروط كانت ميسرة جدا حيث يتطلب الامر اثبات نسب عبر شيوخ القبائل او النظار "وهذا مفهوم لكن ماليس مفهوما ان هذه الهويات ستظل غير سارية بعد التاسع من يوليو حسب تشدد "القرار السيادي في مسالة هوية السوداني الشمالي والجنوبي هذه ،وغالبا ما ستكون اما علي اساس اللون او الثقافة وربما تتشدد الدولة في الشمال وتقول علي اساس الدين او اللغة ؟فتامل كيف يدفع القيادات في الشمال والجنوب الناس الي خيارات بدون اعداد وتجهيز ؟صحيح ان الجنوبيين اختاروا لاسباب كثيرة الانفصال بنسبة كبيرة ،لكن الصحيح ايضا انه يتوجب علي الدولتين في الشمال والجنوب ان يديروا امور الناس علي قدر من الكفاءة التي تتطلبها عملية الانفصال هذه .فاذا قررت القيادة انه بعد التاسع لا هوية مزودجة مثلا ،فان ذلك يعني ضرورة ان تشرح لنا وزارتي الداخلية في البلدين الاجراءات التي يجب ان نتبعها للحصول علي الاوراق الثبوتية الجديدة حسب الاستحقاق والشروط الجديدة .وليس من الحكمة في شئ اطلاقا ان يدخلوا موضوع هويتنا وتعايشنا الي مساومتهم الكبيرة في مجال البزنس ،فليس من تفويض لديهم للتلاعب بهذا الشأن شأن تلاعبهم بالنفط والموارد والقضايا الاخري اكثر من 70الف سوداني جنوبي يعيشون في كينيا ،سألنا عدد كبير منهم "ماذا هم فاعلون باوراق هويتهم "وكلهم قالوا:" سننتظر ما تقرره الحكومات " ونحن بدورنا نسأل وزارة الداخلية في الشمال والجنوب "كم ستكلف عملية تغيير اوراق الهوية هذه؟ اذا افترضنا ان عنادكم اوصلكم الي بناء جدار كجدار برلين في القرن الواحد وعشرين ؟وماهي شروط الجنسية في البلدين ؟نعلم ان وزير الداخلية قال انه قرار سيادي للدولة ،لكن هل تفكر الدولة في هذا الموضوع حقا ؟اعطونا دراسة تؤكد انكم درستم الامر وعلي استعداد لاجراء العملية ضمن جدول زمني متفق عليه ؟