بدأت قيادات المؤتمر الوطنى الحديث متزامنا مع تحركات على الارض ودمة الاحزاب للأشتراك فى الحياة السياسية (و السلطة) مما يعنى تطورا جديدا داخل الحزب الحاكم فيما يتعلق بالمستقبل السياسى و الاتجاه نحو التعدديه في الرؤى و الادارة السياسيه وتحكيم الصندوق للفوز بثقة هذا الشعب التوّاق للديمقراطيه كما يصفه الاخوه في دول الجوار ..ونعتبر مبادرة الحزب الحاكم فى الاتجاه الايجابى بعد تجربة حكم الحزب الواحد لأكثر من عقدين "ولو" بمشاركة مجموعات انشقت من الاحزاب الرئيسية و"كوفئت" بحقائب وزارية قبل أن تتغيّر استراتيجية المؤتمر الى ما يدور الان و تحوّلت الاحزاب ألى "شللية" اكثر من كونها أحزاب سياسية .. أجتهد المؤتمر الوطنى و نجح فى تحجيم كثير من القيادات الحزبية ربما بسياسة العصا و الجزرة مع الاعتذار"مسبقا" لمن يرى فى ذلك الطرح مساسا بحزبيتهم و رؤاهم السياسية..و الحقيقة التى لا يتناطح فيها "عنزان" ان الحزبية فى السودان مصالح و أختلافات داخلية .. أنشقاق.. حقائب وزارية حتى اصبح لدينا أكثر من عشرين حزب(كما يقال) فى الوقت الذى لا يتجاوز ثلاثة او اربعة بالكتير فى كل الانظمة الديمقراطية فى العالم.. كانت البلاد العربية و الاسلامية و الافريقية تنظر الى السودان و لبنان ( كأستثناء ) في المنطقة من زاوية الوعى و التحرك السياسى لأقامة نظم ديمقراطيه ألّا أنه و للاسف لم ينعم البلدين بالاستقرار الذي هو الطريق الي الديمقراطيه.. و معروف ما تعرض له لبنان من اضطرابات داخليه و ما ابتلي به السودان من عدم الاستقرار وفشل محاولات تبنى الديمقراطية بتعددية حزبية حتي قبيل الاستقلال حيث حدث التمرد الاول في جنوب البلاد فى فترة الحكم الذاتى.. وعاش الجنوب و ما زال حالة الفوضى و الربكة و الهرجلة السياسية بعد الانفصال و قيام الدولة , كما ان السودان الشمالى أبتلي أيضا بمشاكل كثيره و لاسباب لا استوعبها و لا افهمها حتي اليوم ..واين ؟؟و في اكثر المناطق التي عرفت بالامن واللامان فى ظل نظام قبلي "منضبط" في غرب البلاد وكلما اسمع عن ما يدور هناك بين الاخوه و العشائر و المجموعات المرتبطة ببعضها البعض اتذكر حكايه لا انساها: كنت و انا طالب في المرحلة الوسطي في زياره الي مدني و بالتحديد ( طيب الذكر:التجارب كما كانت تعرف انذاك) .. كان النقاش يدور بين بعض اساتذتنا الاجلاء في البحوث الزراعيه حول قضاء الاجازة بأسرهم و كانت المفاضلة بين الابيض و القاهره ..الابيض تنافس القاهرة.. و الاّن الاخوة يرفعون السلاح وغاب الامن و الاستقرار فى كردفان و دارفور ..كل ما اتذكر هذه الواقعه وأنظر صوب الغرب الحبيب وما يدور هناك (و الخطر القادم الى دارفور كما جاء فى احد أعمدة الرأى العام فى عدد السبت الماضى ) فى ارض الامن و الامان و ما شاء الله تبارك الله اشعر بالحزن وأسترجع الكثير من عقد سبعينات و ثمانينات القرن الماضى و البرامج الانمائية التى كانت على الطاولة أو على وشك حيث كنت قريبا من بعض مؤسسات العون الثنائى و المنظمات الاممية بحكم علاقة العمل و المشاريع المطروحة على الطاولة اّنذاك كانشاء مركز لانتاج تقاوى البطاطس فى جبل مرة وغيره و بالطبع فأنّ الاستقرار هوالشرط الاول فى العمل الزراعى كما هو معروف ........... و نعود للديمقراطيه و عشق الشعب السوداني لها.. مارسناها قبل الاستقلال في تقرير المصير و الحكم الزاتي قبل اكثر من ستة عقود و لكن و للاسف كانت الحقب الديمقراطية (أن جاز أن نسمّيها هكذا) أكثر الفترات التى شهدت عدم الاستقرار بسبب التدخلات من محتلف الجهات بما فيها الاحزاب نفسها التى كانت و راء الانقلابات العسكرية فى أطار التنافس(الغير نبيل) بين الزعامات الحزبية لعدم استقرار الاحزاب نفسها (و اليمقراطية كالسباحة لا يمكن تعلّمها و انت فى البر ).. و كما قلت في مقالات كثيره سابقه فلا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي في غياب احزاب سياسيه تحمل رؤي و برامج واضحه لادارة شؤون البلاد تتنافس مع بعضها و يختار الشعب من يراه (بشوية تدخلات فى خيارات الناس والتى كان الزمن كفيلا لطيها).. لم تقم الاحزاب علي اسس و برامج سياسية و اقتصادية محدده ليختار الشعب ما يتناسب وافكاره و تطلعاته لبناء هذا الوطن" الحدادى مدادى " و لادارة بلد المليون ميل مربع علي اسس بعيدة عن الطائفية و الجهوية والولاء للطائفه التي تنتمي اليها و ليس علي اساس برامج تتنافس فيها الاحزاب لادارة البلد بحكومه يختارها الشعب.و اعتقد لم نمارس فضيلة أختيار البرنامج السياسى المناسب من بين البرامج المطروحة الا فى حالة تقرير المصير.......... تناولت هذا الامر كثيرا خلال السنوات الماضيه و كانت كل اطروحاتي تدور حول ( لا يمكن الحديث عن نظام تعددي ديمقراطي في غياب احزاب ببرامج واضحه ) البلد سياسيا , اقتصاديا , اجتماعيا و تنميتها فى وضع و ظروف قامت الاحزاب علي اساس الطوائف و البيوتات و بالتالي فهي احزاب لا تملك و لا تقدم برامج علميه محدده للتنمية.. احزاب تعتمد علي الولاء الطائفي و القبلي مع ضعف دور طبقة المتعليمن خاصه الذين ياتون من خارج دائره القبليه و الطائفيه..ونشط بعضهم في الحركات اليساريه بهدف تغيير تركيبة المجتمع التقليدي و رفع شعار العداله الاجتماعيه ثم ظهرت التظيمات الاسلامية رفضا لما يجري باسم الدين ليقود في النهايه الي دوله مرجعيتها الاسلام و انتهت بالنظام الموجود الان و الذي بدوره لم يستطيع استيعاب كل المجموعات من داخل المجموعات الاسلامية و حصل الانقسام الذي امامنا بين الاسلاميين و كانت الساحه تعج بكل انواع الايدلوجيات و الاحزاب او بالاحري المجموعات السياسيه .. تقريبا كل اسماء الاحزاب المتداوله في العالم الاسلامى و العربي . و حتي لا نظلم العمل الحزبي او الاحزاب لا بد ان نثبت غياب التطور الطبيعى للاحزاب السياسيه في السودان للاسباب المعروفه و علي راسها ان الاحزاب لم تتطور من خلال الممارسه لتصحيح و تنقيح المسار لغياب الاستمرارية و التجويد أضافة الى طبيعة نشأة الحزبية و نخلص هنا لنقول بان الاحزاب الفعاله التي تتبنى وتقدم برامجا محددة هو الشرط الاساسي لنجاح الديمقراطيه... و ناتي الي واقع اليوم حيث يحاول المؤتمر الوطني و السيد الرئيس لاطلاق مبادره ( نتمني لها النجاح ) لقيام نظام ديمقراطي يعتمد علي الاحزاب التي بدورها تقدم برامج محدده لنهضة البلاد.. ان العمل الحزبي في السودان و مع تقديرنا للظروف التي احاطت به اقل ما يمكن ان نصفه به هو انه احزاب مجموعات " و شلل" فكل الاحزاب فى الساحة تكاثرت " بالانشطار الميوسى MEIOTIC DIVISION و اصبحت كل مجموعه داخل الحزب الواحد ينشىء حزبا يحمل الاسم الاصلى مع أضافة مصطلح يميّزه عن باقى المجموعات داخل الحزب الاصل ..الحزب ....... الاصل , حزب ال......جناح..... اعتقد ان لدينا في السودان حوالي عشرين حزب علي اقل تقدير وتسعين حزب..ماشاء الله تبارك الله (أكثر من احزاب الدول الاوربية و الاسيوية بأكملها ) او فلنقل مجموعه او" شله" من داخل الحزب الكبير وفى تقديرى لقد أخطأ المؤتمر الوطنى حين مارس "فكفكة" الاحزاب بتقديم حوافز "لدرجة الاشتراك فى الحكومة" وكان الافضل في تقديرى أن لا يقع الاسلاميون فى مثل هذه المواقف ..... . .. اقترح على المؤتمر الوطني و القائمين بترتيب اللقاء المزمع بدعوة الاحزاب الي اعادة ترتيب نفسها بمعني ان التفاوض يتم بين المؤتمر الوطني و الاتحاد الديمقراطي, حزب الامة . الحزب الشيوعي, البعث العربي و القطري ألخ ألخ على أساس أجندة محددة متفق عليها للوصول الي رؤيه للعمل الحزبي بالسودان لاني اعتقد و اتمني ان اكون مخطئا بان المشكله ليست الاتفاق بين المؤتمر الوطني و الاحزاب السياسيه التي كانت في الساحه عند مجىء الانقاذ و لكن فى كيف نوحد الانشطارات و التفرعات داخل الحزب الواحد وفى تقديرى هذا أمر بالغ الاهمية...المؤتمر الوطني في السلطة و بادر بطرح مبادرات للتفاكر مع الزعامات الحزبية على مستوى "الاصل" و ليس من المنطق ان نطالبه بالتفاهم و التفاكر للوصول الي نقطة التقاء مع احزاب تفرعت من الحزب الكبير و عليها تسوية الامور داخليا قبل اللقاءات المقترحة مع الحزب الحاكم الذى نتوقع منه أن لايحدد الاجندة فذاك أفضل أن يتم بالتفاكر و التفاهم مع ممثلى الاحزاب (فى السلطة وخارجها)بشرط الاتفاق على برامج محدده( أجندة).. و كما قلنا مرارا و تكرارا فان الاحزاب ذات البرنامج هو الاساس في النظام الديمقراطي التعددي و نكرر ( الاحزاب الفعاله ذات البرنامج شرط لنجاح الديمقراطيه ) و التعدد السياسى يعنى أن تتصارع الاحزاب بمبادئها و برامجها ففى السياسة كما فى الرياضة لا بد أن تتعدد الفرق و تتنافس وهذا هو الطريق الامثل للجودة و الاتقان .......مع التمنيات بأخبار سارة من لقاء الاحد .. البروفسور عبدالفتاح عبدالله طه [email protected]