الحوار قيمة أساسية سامية في العمل السياسي الديمقراطي الحر وهو النهج المتبع في حل كل القضايا السياسية ، محلية قطرية أو إقليمية كانت او دولية. وعليه لا يختلف أثنان في ان الحوار هو الوسيلة النهائية والناجعة لحلحلة اﻹشكالات السياسية مهما تشعبت ومهما أريقت دماءا بسببها .الساحة السياسية وبل المجتمع السوداني بأسره ومنذ خطاب الرئيس السوداني الذي دعا فيه للحوار بات منشغلا بهذا الحوار وفي النوايا ومآلات هذا الحوار ولكل اسبابه الداعية للقبول او الرفض او بين مصدق ومكذب له. السؤال المنطقي الذي يجب ان نسأله، أولا ماهي دواعي هذه الدعوة للحوار في هذا الوقت من نظام يحكم البلاد ما يزيد على ربع قرن من الزمان ظل خلالها متمترسا بأجهزته الأمنية القمعية رافضا أي نوع من الحوار مع معارضيه إلا وفق أجندته والتي كانت دائما تهدف الى إنتزاع شرعية للنظام القائم وﻹبطال المعارضة له ولسياساته مقابل فتات من السلطة والمال للمحاورين، بغض النظر عن الوزن السياسي والشعبي للطرف المحاور ما دام أنهم يتقون شره وهذا ما حدث فعلا من خلال عشرات الإتفاقيات التي أبرمت ولم يتمخض عنها أي تغيير في النظام او نهجه مما حدى بالحادبين علي التغيير ان ينسحبو من هذه الإتفاقيات عندما تبين لهم مراميها الأساسية وذلك كما جاء في الاتفاق مع مبارك المهدي ومني إركو مناوي مثالا . ما لا يخفى على أي مراقب ان الحوارات التي سلفت وسودت بعدها إتفاقيات مرماها كان ضمان استقرار النظام وإطالة عمره ولو كان لسنة واحده، وهذا ما كان فعلا حصاد إتفاقية ما سمي بالسلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي اصبغت على النظام شرعية دولية وقبول داخلي إبان فترة اﻹتفاقية مع خطلها والعيوب التي في متونها وكانت كالسم في الدسم والذي أفضي الى ما هو معلوم للجميع، تفتيت وحدة السودان وميلاد دولتين فاشلتين في ما تبقى من السودان وفي ما كان جنوبه والذي يعاني اﻵن من الحرب الأهلية ويعاني مواطنوه من المجاعة والفقر والمرض رغم ملايين البترول التي وعدو بانها كفيلة بخلق جنة في جنوب السودان. نعود لسؤالنا عن ما هي المستجدات او الدواعي للحوار الان،وما الفرق بين حوار اليوم وحوارات الأمس. ربما يقول قائل ان حوار اليوم يراد له ان يكون شاملا وحوارات الامس كانت جزئية وثنائية محدودة ولكن لماذا كانت كذلك، الم يكن الهدف من ذلك شق وتمزيق اجسام القوى السياسية المعارضة وإضعافها وشغلها بقضاياها التنظيمية عن قضية الوطن الاساسية والتي هي خلاصه من عصبة جيرت كل شيء في الوطن لحسابها واصبح المواطن هو الضحية، دوره فقط ان يمول فقره وإقصائه وقمعه، ولا يستطيع ان يقول شيئا او ينتقد أمرا. لقد خبرنا هذا النظام وخبرنا اساليبه وسياساته فما الذي يدعونا اليوم لنصدق أنه تغير وان حواره الذي يدعو له يختلف عن حوارات الماضي التي لم تقدم جديدا للوطن، حوار اليوم المنشود ﻻ يعدو أنه حلقة من حلقات الحوارات السابقة لا يقود الا الى نهاياتها ذاتها.يعلم الجميع ان الانتخابات القادمة قد حان أجلها ومنذ إنفصال الجنوب ظل استحقاق الدستورالجديد قائما ورفضت كل القوى السياسية المشاركة في كتابة دستور تحت رعاية هذا النظام . وفي غياب دستور يصبح موضوع الانتخابات غير ذي أهمية ومما لاشك فيه ،اذا قامت، ان تكون كسابقتها كما سميت مخجوجة ورايقه على المؤتمر الوطني. مدعاة الحوار الان، في تقديري المتواضع، لها صلة وثيقة بالدستور والإنتخابات ليس إلا، خم القوى السياسية لكتابة دستور وإجراء إنتخابات يجوز للرئيس البشير ان ينافس فيها ويكسبها كما كسب قبلها في انتخابات نيفاشا المخجوجة. كما هو معروف، ان الدستور الحالي – دستور 2005 – هو دستور بذل فيه جهدا كبيرا وربما هو الوثيقة الوحيدة التي شاركت في إنجازها أعداد مقدره من القوى السياسية السودانية الفاعلة وفيه ما يكفل المنشود من حقوق وحربات وعلته الوحيدة هي أن نصوصه بقيت حبرا على ورق و تم تقييدها بقوانين لا صلة لها بروح نصوص الدستور، بل ان الحكم باكمله استمر على النهج الديكتاتوري السلطوي الشمولي الذي لا يعرف النظام نهجا غيره ، واصبح الدستور وثيقة صورية لا وجود لها في واقع الحكم وأفرغت حتى من كل محتواها شكلا ومضمونا. يريدون حوارا لكتابة دستور يكرس السلطة في أيديهم دون ان ينازعهم في الحكم أحدا، وكأنما الدستور الحالي تجاوزه الزمان واصبحت نصوصه لا تتماشى مع رغبات وأمنيات الشعب السوداني ولإيهام الناس إن الدستور الجديد وليد الحوار الوطني المزعوم وبداية عهد جديد لكن سيكون بنفس محركات النظام القديم مع إضفاء سمكرة وبوهية للتجديد وإضافة بعض الركاب الجدد لزوم وجاهة التمثيل والمشاركة الصورية فقط.وفي هذا السياق لا أجد أبلغ تعبيرا عن وصف الحوار المزعوم غيرما جاء في تعليق أحد قراء الراكوبة علي مقال للأستاذ سيف حمدنا الله قائلا: ( كمان ما تنسى أن الجماعة ديل عايزين يصفرو العداد ويلغو دستور نيفاشا "البخنق النظام " إذا تم تفعيله ويستبدلونه بدستور جديد بتاع ترزية ساكت يمررو بيهو كل المخازي الدايرنها بما فيها تجديد ولاية جديدة للرئيس الذي بسبب هؤلاء المنافقين أضحى لا يطيق فراق كرسي الرئاسة في آخر مراحل الطغيان الفردي)، ولعمري هذا هو تلخيص وإجابة شافية لسؤالنا، لماذا الحوار اﻵن. أمر آخر جدير بالملاحظة ، وهو هرولة الشيخ الترابي لهذا الحوار وتبنيه له وكأنه من بنات أفكاره وليس مدعوا له مثل الآخرين – ولا أقول هرولة حزبه المؤتمر الشعبي _لان اقطاب حزبه وحتى آخر لحظة كانت لهم لهجة ولغة أخرى ولكن حين نطق شيخهم صار لهم صوت غير الذي عهدنا.من دواعي دعوة الحوار اﻵن هو إشهار العلاقة الوطيدة والتي أصلا ما إنقطعت بين المؤتمرين الوطني والشعبي والذان هما وجهان لعملة واحدة لم تتغير يوما وما كان من مفاصلة لا يعدو أنه فصل من فصول الإلهاء والخداع وتبادل أدوار من شاكلة (أذهب للقصر رئيسا وأذهب للسجن حبيسا) وفقا لمقتضى الحال تؤطر لإستمرارية النظام وحمايته، وهذا أمر ظللت أحمله يقينا دائما وابدا. مهما كانت المعارضة ضعيفة وعاجزة عن إسقاط هذا النظام فهذا ليس مدعاة للقنوط من ان ذلك سيحدث وبإرادة الجماهير التى رصيدها ثورتين عظيمتين لم تقودهما الاحزاب كما يدعى البعض وإنما تبنتها بعد ان قصمت الجماهير ظهر الانظمة الديكتاتورية وسيعيد التاريخ نفسه، حاور من حاور وابى من أبى، والشعب السوداني هو الذي يحدد متى ينتفض ويستعيد سلطته على وطنه ومقدراته . سودانيا محمد عبدالرحمن [email protected]