بسم الله الرحمن الرحيم حب مصر بين الوحدة تحت التاج أو الكاب وإحتلال الطفيلي الدخيل إضاءة : (دنيا صفا .. دنيا إنتباه ) البروفسور :عبد الله علي إبراهيم المخرج : أسامه سالم اليوم هنا بالخرطوم هلل بخفة البعض منا (للكاب) والإنقلاب العسكري على الثورة الشعبية المصرية في 25 يناير 2011م والشرعية الإنتخابية ونظام الحكم الديمقراطي الذي أفرزته الثورة بعد عصور من الإستبداد والطغيان ، كما هلل بعض أسلافهم من أباء الحركة الوطنية من على منابر القاهرة لعبد الهادي الأمين والنقراشي والنحاس باشا في أربعينيات القرن العشرين وقد تناسوا أن استقلال السودان معقود لوائه على الجماهير الشعبية السودانية التي أودعتهم أمانته وودعتهم بالخرطوم ، أو فيما قال الزعيم عبد الخالق محجوب ، أعيد قراءة إبداعات الخليل والعباسي والحسن والعبادي في فجيعته بهذا الشأن وتاريخنا الوطني برمته . يدرس لأطفالنا التاريخ المدرسي كحكايات وقصص تدهشهم وتثير إعجابهم بحوادثه الأسطورية ووقائعه الملتبسة في أذهانهم ولا يتم تنمية مهاراتهم وقدراتهم المحدودة بتوسيع المدارك وتمليكهم الأدوات اللازمة لاستكشاف الحقائق التاريخية المضمرة التي تخفي أكثر مما تجلي المعاني والرموز المبهمة ولا تفصح عن مضامينها ولا تكشف الغطاء عن الدلالات المعرفية والقيمية التي تستبطنها ، إذ إن منهج التدريس يقوم على التلقين والحفظ وليس التمرن على التحليل والتفكير الحر لذلك يتم حشو عقول الأطفال وتغذية أرواحهم بالأشواق والعواطف التي تأجج وتلهب المشاعر الدينية ، وعلى سمو ورفعة تلك المشاعر إلا أنها تساهم بقدر وافر في تغيب العقل والوعي الوطني والإستهانة بالإرادة والسيادة الوطنية وتفتيت عضدها ، حيث يغدو الدين في ظن البعض هو (الوطن) الحصري للمتدينين المسلمين من كل جنس وبلد وما عداهم فهم مؤلفة قلوبهم أو في منزلة الموالي أو في الرقاب أو أهل ذمة يؤتمن على أنفسهم بل أن بعض المسلمين في ذلك (الوطن الدين ) تصبح حقوقهم الطبيعية تحت التهديد ويصبح حقهم في الحياة على المحك بين الشك واليقين لمجرد الشك في أن سلوكهم قد يكون مخالفاً ومفارقاً (الجماعة المسلمة) . ومع ذلك فأن ( وحدة الأمة الإسلامية والعقيدة وأخوة الإسلام ، لم تحول دون أن يغزو الحكام المسلمين أوطان بعضهم البعض أو أن يحتل حاكم مسلم أراضي دولة مسلمة عربية شقيقة وجارة لدولته بذرائع ومبررات أوهى من خيط العنكبوت منها السيادة على كامل التراب الوطني حفاظاً على الحدود والأرض الوطنية (الموروثة ) .؟! ويتضح تماماً تهافت تلك الحجج والمبررات حينما تشهر في وجههم شعاراتهم الداوية حول (وحدة اللغة والقومية والدين والتاريخ والكفاح والمصير المشترك ) ولا سيما وصايا نبينا الكريم محمد حول مراعاة حقوق الجار والإخاء الإسلامي فالمسلم أخ المسلم وهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً وحرمة دماء المسلم على المسلم وقتل النفس المؤمنة بغير حق إلى أخر الوصايا والتعاليم والقيم الإسلامية التي تحض على المحبة والسلام والعدل والإيثار ونكران الذات ، فصفحات التاريخ العربي والإسلامي الحديث والمعاصر تذخر بالأمثلة والنماذج الفاجعة بهذا الصدد . الكثير من السرديات التاريخية التي تسربت لمناهجنا الدراسية تستخف بأبطالنا وتصورهم كدراويش خارج نطاق المدنية والحضارة الإنسانية بينما تصور أعداءنا رسلاً للتحضر والمدنية فمثلاً المملوك العثماني الأرناؤوطي الألباني محمد علي باشا تصوره السرديات المصرية كبطل قومي مؤسساً لمصر الحديثة – هذا شانهم . لكن يجب أن نطلع أطفالنا على حقيقته بأنه مجرد مملوك يعمل في رتبة باشبذق بجيش خليفة المسلمين العثماني في أحدى أمصار الخلافة الإمبراطورية (مصر) وقد قفز- في غفلة من نواطير مصر عن ثعالبها – لسدة الحكم بمؤازرة البعض من نخبة مصر المدنيين ودعم من شيوخ الأزهر الشريف في لحظة من اللحظات الفارقة والحُبلى بالأحداث لتتمخض( المحروسة) مصر لتلد فرعوناً جديداً في قائمة سلسلة الفراعين الذين تعاقبوا على حكمها من لدن الغزاة الطغاة الفاتحين – الملوك الهكسوس ، الأباطرة الإغريق ، القياصرة الروم ، الأكاسرة الفرس مروراً بخلفاء المسلمين العرب والفاطميين والعثمانيين ومماليكهم . وفي تقديري ترجع جذور الأزمات الراهنة التي تطحن المجتمعات والشعوب العربية وعلى وجه الخصوص أزمة نخب المجتمع المدني السياسية والإجتماعية العربية على مختلف الإنتماءات السياسية والأيدلوجية لفكرة البحث عن الخلاص من وراء الغيب أو لفرد ( التاج أو الكاب ) المنقذ المستبد العادل أو الظالم لا فرق وبالتالي فلا ينبغي أن نستغرب ونستهجن خفة النخبة المصرية بإهدارها ( الفرصة الذهبية التاريخية ) – بعد عصور من الإستبداد على العباد بعدم الحفاظ على ثورة الشعب المصري البطل في 25 يناير 2011م – والعمل على إستدامة تجربة ( الحكم الديمقراطي) الممهورة والمدشنة بدم الشعب المصري . بتداول السلطة بالإحتكام للشعب وإرادته الحرة في إختيار وإنتخاب حكامه أو تغييرهم عبر صندوق الإنتخابات وبالتالي تقديم نموذج بالخروج مرة واحدة والى الأبد من قمقم المستبد العادل أو الظالم (ويا فرحة ما تمت ) وللأسف فقد فرطت تلك النخبة في الفرصة النادرة بعدم الإلتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية وبرد الأمر للشعب لسحب الثقة ديمقراطياً عن الحاكم غير المرغوب فيه وبدل عن ذلك لجأت تلك النخبة المدنية كعادتها الرذيلة كأخواتها العربيات للمستبد ( الكاب ) والإنقلاب العسكري على نظام الحكم الديمقراطي وعلى الشعب المصري ذات نفسه . الإضطراب السياسي وعدم الإستقرار وتردي الأوضاع الإقتصادية المعيشية والإنقسام المجتمعي في مصر دائماً ما يسهل مهمة الغزاة الطامعين في الإستيلاء عليها وعبرها يتم غزو السودان لتوفر ذات الظروف المضطربة والإنقسام المجتمعي والحروبات الداخلية وتختلف وتتعدد الأسباب ولكن الغزو واحد .فالبعض من نخبة شمال الوادي تروقهم فكرة الإمبراطورية المصرية في دعاوي أولئك الغزاة وخداعهم عند عزمهم لغزو جنوب الوادي كما فعل الباشا الطموح وذريته فيما بعد مع الإنجليز وأن مصر المحروسة هي قاعدة لتلك الإمبراطورية سواء أطلق عليها (السودان العثماني المصري ) أو (السودان المصري الإنجليزي) كما وقد تجد تلك النخبة المقهورة في تلك المزاعم عزاءً لها خاصة إذا ما تم تدعيم تلك الأوهام بالسيادة على أراضي جديدة بأهداف من نوع توفير المياه وتأمين منابع النيل فمصر (هبة) النيل وبالتالي فإن الغزو يحقق تفويت الفرصة على المتربصين للنيل من مصر بعدم تمكينهم من إغلاق (الحنفية ) حتى لا تنساب مياه النيل للري وتعريض أرضها للجفاف وأهلها للعطش . وما محمد علي باشا إلا حلقة في سلسلة حلقات غزو مصر وعبر بوابتها يتواصل الغزو لبلاد السودان تحت أي لافتة من لافتات أولئك الغزاة الفاتحين تحت أي مبرر أو هدف من الأهداف . وتبلغ دراما النخبة المصرية قمة ذروتها المأساوية عندما تطالع يوميات صراعاتها ضد الإحتلال البريطاني لبلدها ويتملكك العجب عندما تجد أن محور ذلك النزاع يدور حصرياً حول حق السيادة على السودان هل هو للتاج البريطاني أم التاج المصري ؟!! ولا عزاء لإستقلال مصر من الإحتلال البريطاني. واليوم حينما يعلن الكاب مرشح الضرورة – بعد إنقلابه العسكري على الشرعية الإنتخابية – أن خيانة الرئيس المعزول تتمثل في التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) والتنازل عن (حلايب المصرية ) السودانية التي دشن فيها حملته الإنتخابية للرئاسة المصرية (والتي دون شك ستكون صورة طبق الأصل لاستفتاءات وإنتخابات الوطن العربي ونسبتها المقررة التي تبلغ أقل بقليل من ال 100٪ ) ذلك تأكيداً منه وإصراراً على إحتلال الأرض السودانية وحينما يأتيك الصوت الإسرائيلي طالباً من الولاياتالمتحدةالأمريكية بتسليح جيش مصر ومد سلاح الطيران بقطع غيار طائرات الأباتشي المصرية ، وعندما لا يستنكر أي أحد من الأشقاء العرب ضرب مصنع الشفاء بالصواريخ الأمريكية أو الغارات الإسرائيلية على مدن شرق السودان وقصف مصنع اليرموك بالخرطوم ويصمت المجتمع الدولي إزاء هذه العربدة الإسرائيلية في السودان وفي غزة ولبنان وسوريا عليك أن تعلم عزيزي القارئ إن هذه نذر لغزو محتمل للسودان تحت ذرائع إيقاف سد النهضة الأثيوبي ومطاردة عناصر الإرهاب الإسلامي الهاربة والمندسة بالسودان ، كما فعل الباشا بالمماليك في السابق ومع الحاجة الماسة للذهب فهنالك الآن البترول والمعادن زائداً الأراضي الزراعية الشاسعة والمياه والثروة الحيوانية كل ذلك سيجعل إعادة الإحتلال بحق الفتح جاذباً في إطار السودان المصري الإسرائيلي الأمريكي – فانتبهوا أيها السادة المتشاكسون بالوطن وعلينا إدراك ضرورة وأهمية السلام والوفاق الوطني والتحول الديمقراطي ونزع السلاح والدين معاً عن السياسة .. عماد الدين موسى جبارة - سنجه [email protected]