أيها الباسط كفاً للوداع أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل ما لعينيك تداري أدمعاً تهمي على روحك بالهمّ الثقيل فاضرب إلى قلبك أكباد الليالي وتوشح...ببريق القمر الفاضح والوجد النبيل ثم أمعن في الهجيرة لا تدر رأساً إلى ظلٍ ظليل فإذا ما نامت الشمس على صدر الأفول فترنم بحداء العاشقين دع الدوبيت يسري في الفلاة بلا دليل وإذا أبصرت في العتمة لهباً يتمطى بين جفنيك وبين الرمل في الدرب البعيد لا تخف..إنهن بنات الجن في ثوبٍ من النار يرتلن تباريح القصيد قل لهن.. يا بنات الجن أوقدن بخور المسك والصندل جمراً في الوريد ثم أرقصن قليلاً علّ بعض الحزن ينزاح عن القلب العليل أيها الباسط كفاً للوداع .....أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل *** فإذا جئت إلى وادٍ غريب ورأيت الأرض تزهو بخيوطٍ من نضارٍ تتدلى من سموات المغيب ورأيت الأزرق الفتّان والأبيض في سحر الغروب ينسجان من السنى درباً....هوالأجمل في كل الدروب طاطئ الرأس...فأنت بحضرة النيل الحبيب أغرف من الماء الزلال بكفك الواهن قطرة وأروِ ظمأ العاشقين خذ من تراب الشاطئ الحالم زهرة لقلوب الحالمين ثم أجلس مطمئناً بجوار المقرن الخالد وابعد عن فؤادك مُر الذكريات وهمّ قال وقيل أدر الطرف وأشهد..مولد الروح..عناق الكائنات وموكب السحر الجميل فإذا ما رنّ صوتٌ وسمعت قافيةً تنداح بالنشوة والعشق وتشدو بين أحضان الأصيل قف وأنصت !! إنها امدرمان تدعوك إلى عرس الملاحم بين عزة والخليل أيها الباسط كفاً للوداع....أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل *** عرّج على بعض الذين توسدوا الأحلام أعواماً وذابوا في الزحام سلْهم..أكان خيارهم أحلام أهل الصفوة المتنعمين أم صفوة الأحلام ! وإذا مررت بآخرين يصادرون من الشفاه اليابسات حلاوة الدنيا وطعم الابتسام فاسكب على اذانهم مرّ الكلام وقل لهم ... إن الحياة قصيرةٌ ومريرةٌ....شيئاً من الرحمة بالقوم الكرام يا من أضعتم لذة الفرحة في القلب...ولحظات التمني دعوا امدرمان للحب تغني "أحرموني ولا تحرموني سنة الاسلام السلام" دعوها تشرئب لمطلع النور وترنو..... لشعاع الضوء في الليل الطويل أيها الباسط كفاً للوداع......أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل *** قد تلتقي بضريح المجد درويشاً في الجبة المنسوجة الأطراف من قوس قُزح وعلى الجبين مرارة الأعوام في كفه السيف الذي دانت لسطوته جباه الغاصبين فابدأ بالسلام....واهمس بما تخفيه في أدبٍ وقلْ يا من سموت إلى العلا والمجد في درب الإمام أيا درويش في سحّارة الجدة لم نجد الوصايا بعد ان بتنا نلوم ولا نُلام يا من قهرت ذوي العيون الخضر عذراً إننا صرنا حمامات سلام ذوو العيون الخضر جاءوا في غيابك وكنا قد نسينا كيف كان السيف يعمل في يديك وكيف كان الحق يشرق من عذابك جاءوا ثم ولوا في الظلام لم يقنعوا في هذه المرة بالذهب المكدّس في ذرى شنقول أو ريش النعام دسوا في الحقائب سيرة الوطن العزيز بسهله وجباله بشمسه وهلاله ....ومجده في غابر الأيام تركوا لنا شيئاً من الكلمات عن قهر الشعوب وعن أنموذج النظام فأمضينا السنين لا نقتات إلا إرث الساد العظام وحينما تدافع الأنين في البطون الخاويات لجأنا للسيوف المرهفات وجاد ذوو العيون الخضر ما بخلوا بالقاذفات الراجمات الهالكات ودخلنا بشعار الاخوة الأعداء معركةً توارى في رحاها النصر لا تنتج إلا كل منهزمٍ وخاسر بعدها صرنا كأشباحٍ تدب على الثرى أو عند أهل العالم العلوي "سكان مقابر" كلما ننجب طفلاً عبقريَ النزعة تكمن في عينيه أسرار المفاخر تلفّت...لم يجد اسماً ولا وطناً تلفّت لم يجد ....غير عيونٍ بائساتٍ.....وحناجر تصرخ...يا شريد....إن شئت أن تحيا...فهاجرْ واكتشفنا آخر الأمر بأنّا قد نقلنا مِحَن البؤس والفاقة من جيلٍ لجيل أيها الباسط كفاً للوداع....أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل *** قد أطال الشوق سهدٌ بعد بيْن وتمطى الليل لكن مضجعي ما زال يستجدي الكرى من فرقدين قلت للطيف الذي يحبو على كتفيَ آونةً واونةً ينساب من عينٍ لِعيْن دعني فلا فرحٌ أبعثره عليك وليس عندي غير قافيةٍ من الحزن المقيم ودمعتين ليس عندي غير همسٍ من صدى ماضٍ تمرّغ في ترابك يا امدرمان فاقتربي !!! الشعر يهتف للهوى! إن يسفر الحسن وضّاحاً فما أربي أو يسجع الطير صدّاحاً فما طربي جاءتك أم در في مثواك باكيةً فامسح دموع الأسى عن خدها الترِب حوت شوارد افكارٍ فهل كانت جلّابة السعد أم جلّابة الكُرًب ومضيت يا امدرمان أكمل حول كعبة حسنك الطاغي طوافي أحذو.....وقلبي مترعٌ بالشوق حذو فتاك في الزمن الخرافي أطوف على الديار وألثم الأشجار والأحجار في ولهٍ كمشغوفٍ حليق الرأس حافي هل تبت يا مسكين عن هجرٍ أقام بمقلتيك أم هل تدثر نجمك القطبيُ فاستمرأت إدمان المنافي فيا امدرمان في عينيَ أنتِ في حلمي....وفي كبدي.....وفي وجع القوافي أتعلم من سمائك سيرة الماضي ومن عينيك...........قهر المستحيل أيها الباسط كفاً للوداع.......أسرج مطاياك وعجّل بالرحيل مأمون الرشيد نايل [email protected]