عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المك نمر هل مات حقا ؟؟
نشر في الراكوبة يوم 21 - 04 - 2014

لم يشُذُ إسلاموييى السودان عن خطى أسلافهم الأتراك العثمانيين ،،، لا فى صغيرة ولا كبيرة ، ساروا على دربهم خطوة بخطوة ، وقدماً بقدم ، وحدثاً بحدث ، حتى تعذر التحقق ، من الفروق والخطوط الرفيعة المتعرجة ، التى تفصل ما بين غزاة اليوم من منتهكى السيادة والأعراض وسارقى الثروات وسافكى الدماء من عصبة المؤتمر الوطنى ،،، وما بين قادة جنجويد الباب العالى فى إستنبول !! ،،،
وبإستثناء أن الأقدمون كانوا أوربيون ،، واللاحقون محليون ، فقد تعذر علينا حقاً التمييز بينهم فى ظل التطابق فى كل من المناهج والوسائل والنتائج ،،، صعب علينا العثور على برهان يؤكد إدعاءنا أن المحليون منهم أكثر رحمة ، وأقل ظلماً وقسوة ،،، وفشلت مساعينا فى التنقيب عن أدلة تُبرأهم ، فخُذلنا ،،،، إذ تطفح إلى السطح كل مرة ، المزيد من الأدلة التى تصرخ فى وجهنا ،،، حسبكم ،، أنتم بذلك تتعقبون سيرة الشياطين !!!
تمكن أتراك اليوم من تمرير الخداع من خلال توظيف نفس التقنيات المجربة ، التى تضمن التمكن من رقاب المواطنين ، لينهبوا ثرواتهم ويهدروا كرامتهم ، فأوهنوهم حتى باتوا عاجزين حتى عن الدفاع عن أنفسهم ناهيكم عن أراضي نزعت عنهم كرهاً ، وإنفصلت أخرى طوعاً ،،، فإنفصلوا عن ذواتهم ، وإنفصل عنهم الإسلامويون ، ليبيتوا فى كفة وهم الكفة الأخرى ،،، وكذلك كان أسلافهم الأولون ،،،
هرّب القدماء ثرواتهم إلى القاهرة وإستنبول بعد نزعها ،، ولدى أتراك اليوم قاهرة أخرى وإستنبول جديدة تذهب إليها الأموال ولا تعود ،،،
وبمثلما أن أصواتاً على قلتها قالت لهم بالأمس ، لا للظلم ، ولا للنهب ، إذهبوا من حيث أتيتم !! ،، فاليوم أيضاً ، يقال لهم ما قيل لهم بالأمس ،، إرحلوا ، إذهبوا من حيث أتيتم !!
بمثل ما فشلوا ، بعد أن إستعصى عليهم الأمر عند نهايات عهدهم بالأمس ، فأضطروا إلى الإتيان بمن ينقذهم من تبعات ما كسبت أيديهم ،،، فها هم أحفادهم اليوم ، يلهثون بحثاً عمن ينقذهم من عواقب جرمهم ، عسى أن يصلح لهم من أمرهم ،،،
بالأمس رفع بعضهم سلاحه فى وجههم ، وحرر أراضى أتخذت منها منصات لإنطلاق النضال،،، واليوم ،، هناك من أعاد إنتاج التاريخ ، فحرر بقاع ينطلق منها لقيادة المواجهة والقتال ،،،
من القدماء من خرج إلى الغازين وإستقبلهم بجيشه ، ليس قتالاً ، بل ترجلاً من على الصهوات وإصطفافاً وجثواً على الركبتين وتنكيساً للحراب والهامات دلالة على الخضوع والإستسلام ،،، ومنا اليوم من ترجل من على سرج أوصله الشعب إليه ، فخر راكعاً ، وآثر الجثو على ركبتيه والإستسلام والخضوع ، بدلاً عن المواجهة والإستبسال !!
تلكم الأيام السوداء ، التى دون تاريخها بأيدى إسلاموية قذرة ، إلا أن تزييف المسلمات خلف ظهر الآلاف من الشهود والملايين من الألسن التى تنقل الحقائق وتتداولها كان أمراً عصياً ،، فإقتصر التحريف على تمجيد أئمة الشر وتفريخ الفبركات التى تستهدف النيل من سمعة الأبطال ، من خلال رميهم بالصفات المنفرة التى لم تكن فيهم ، عسى أن يحولوا دون إيقاظ الغافلين ، ويجهضوا ميلاد رأى عام معاد يفضى إلى التحرر ،،،
لقد أسموا الغزوات من أجل نهب الثروات ونقلها إلى بلاد أخرى ، بالفتوحات ، والغزاة بالفاتحين ، وأنهم بفتوحاتهم لم يظلموا أحداً فى شيئ ، بل أن الله هو من فتح عليهم لإستباحة وتغنم هذه البلدان والشعوب!!
وفى ظاهرة تنم عن ضرورة تعلم التعايش مع المتناقضات ،، ورغم إستنكار تعاليم الإسلام لإستعباد الناس ( متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً !؟ ) ، إلا أنهم يجدون طريقة للإلتفاف حولها لممارسة الإضطهاد والإستعباد ، بالقدر الذى لم يُستعبدوه من قبل ، ولا من بعد ،،،
(ألا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تقتلوا وليداً ، أو إمرأة ، ولا كبيراً فانياً ، ولا معتصماً بصومعة ، ولا تقربوا نخلاً ، ولا تقطعوا شجراً ، ولا تهدموا بناءً) ، فيفعلون كل ما نهوا عنه ، فيحرقون المدن والقرى ويقتلون الآلاف من المدافعين عن بلدانهم وثرواتهم وأعراضهم ،،، ورجاءاً ،،، لا تقولوا شيئاً عن الأشجار ،،،،،
تعاليم الإسلام تنص على أخذ بعض الأموال من الأغنياء لمصلحة الفقراء ،، لكن تعاليم الإسلاموية تحث على قتل الفقراء وتجريدهم من أموالهم وأطفالهم ونسائهم ، لمصلحة بلاد أكثر غنىً ، وشعوب أكثر رفاهاً !!
ليست المتناقضات وحدها ، بل فإن إرتكاب الكبائر فى ظل الإسلام السياسى تعد ضرورة ،،، ضرورة لا يقوم إلا به ،،،
القليلون للغاية ،، هم من قالوا لهذا الخراب ،،، لا ،، والقليلون وحدهم ،، هم من واجهوا صلف الغزاة بالفعل ، لا بالقول ، ولا بالقلب ،،، ومنهم المك نمر !!
لقد نما إلى علم دولة الخلافة الإسلاموية التركية المسماة بالعثمانية ، أن فى أرض السودان مال غزير ، وخير وفير ، وذهب كثير ،، حتى أن الصغار يلهون بحجارته ،، وأن رجاله يتسمون بالقوة والبأس الشديد ، وقد عرفوا بذلك منذ أيام الفراعنة ، وسيكونون خير عون لهم على المزيد من الغزو ، والمزيد من الإستيلاء على ثروات الأمم ، والمزيد من الخراب ،،، فعقد العزم على الوصول إلى هناك ،،، فأسندت المهمة إلى إسماعيل ،، إبن أمير المؤمنين ، محمد على باشا ،،
وبينما يعد جيشا قوامه الأتراك والأرناؤوط والمغاربة والعبابدة ، وإضفاءاً للمسة الإسلاموية المفضلة ، وإمداداً له بالسلاح السحرى الفتاك الصالح لكل العصور ، الذى لم يخب يوماً ،،،، ضموا إليه نخبة من علماء السلطان ، فإستلم كل منهم خلعة سنية ، و15 كيساً ، فأصبحوا جزءاً من الحملة ، بل جوهرتها ، ومهمتهم الأساسية هى تخذيل الناس ، وحث أهل البلاد على تقديم الطاعة بلا حرب ، بحجة أنهم مسلمون ، وأن الخضوع لجلالة السلطان أمير المؤمنين وخليفة رسول الله ، يعد واجب دينى !!
أجل ،، ليس لنشر الدين الإسلامى ، ولا تعليم القرآن ولا شيئا من هذا القبيل ، ولكن لتحليل السرقة ، والتشجيع على النهب والقبض على آلاف الشباب ، لمساعدتهم لاحقا على ممارسة المزيد من النهب ،، والمزيد من القتل والمزيد من العبث ،،،
نحن مسلمون ،، وأنتم مسلمون ،، إذن دعونا نستولى على بلدكم وعلى أموالكم ، ونغتصب نساءكم ونقبض على أطفالكم لبيعهم عبيداً وجوارى فى إستنبول ، وفى ذلك طاعة لله !!!
وقبل تحركه ،، أرسل إسماعيل باشا فريقاً إستخبارياً إلى سنار 1812م ، لتسليم هدايا لملكها ، وللتباحث فى كيفية تنشيط التجارة وتوثيق العلاقات بين المسلمين ظاهراً ، ولإستكشاف نقاط الضعف وتمرين الأقدام قبل المجيئ ، فإنطبقت عليه أهم خصائص الإسلامويين ، كالكذب والغدر والخداع ،،، فحفظ له أحفاده من الترك السودانيين وصيته ، وأبقوا على عهده ، فساروا علي دربه وما زالوا عليه إلى اليوم ،،، إذن ،، فبما أن إسماعيل باشا ، فى حقيقته يعد أباهم وأمهم وإمامهم ،،، فدعنا نتعقب مسيرته الشخصية ، هو ،، والنسخة القديمة من هيئة علماء السودان ، التى جاء بهم منذ أن بدأت رحلته ، حتى مقتله ،،
دخل بجيشه الغازى بلاد النوبة عام 1820 م ، فجمع حسين كاشف رجاله ففر بهم عبر الصحراء الى كردفان ،،، وإستسلم له الكاشف حسين وردى وجيشه فى منطقة السكوت ، فاقره فى مكانه ولكنه ،، أرسل له من مصر من يتولى قتله من أجل تنصيب حاكم جديد ،،
بسبب تاخر باقى جيشه لما واجهته من مصاعب أثناء عبور الشلال ، لم تكن قوته كافية لضمان تحقيق النصر ، فأرسل إلى الشايقية رسلاً فى نوفمبر 1820 م ، يدعوهم إلى الطاعة على صيغة : ( إن أبى يرغب إليكم أن تسلموا سلاحكم وخيولكم ، وتتركوا الحرب ،،، وتؤدوا الجزية !! ) فتقلى منهم رداً صعقه : ( فإما الجزية ، فيمكن أن نؤديها بلاحرب ، وأما خيولنا وسلاحنا ، فلن نسلمها الا بحرب) ،،، فكانت الحرب ، والإستبسال ، والكر ، والفر ، والإختراق ، فالهزيمة ،، ومن بعد ذلك مطاردة الرجال ، والقبض عليهم وتقطيع آذانهم تشويها لهم ،، ورجال الدين ،،، العلماء ،،، يشاهدون ويباركون ،،،
كانت هى الواقعة الاقوى والاشهر ، فتسبب هذا الإنكسار فى إضعاف روح المقاومة ، لتتوالى الإستسلامات المتبوعة بالجزية ، فى كل من بربر وشندى ، ومن قبائل البادية ، الكبابيش والحسانية والبشاريين ،،، لكنه بالمقابل وجزاءاً لهم ،،، إتخذ منهم ومن غيرهم مصدر تمويل ، فجردهم من الجمال بالقوة ،، فأخذت حملته فى التوسع والتنامى عملاً بفكرة (من دقنو أفتلو)، فعبرت بالمتمة ،، ثم الحلفاية ،، فالخرطوم ،، ثم مدنى دون مقاومة تذكر ،،،
بالإستعراض العسكرى ،، دخل إسماعيل مدينة سنار فى يونيو 1821م ، بعد أن قابله ملكها بادى خارجها مقدماً له الطاعة ، والفاخرة من الهدايا ،، فتسلم رآيته ، وألغى دوره كملك ، فأعلن فى الناس أن جميع القضايا التى سبقت دخوله ، تعد ملغاة ولن يسمع فيها شكوى ،،، إنما ينظر فقط ،،، فى أمور ما بعد الفتح ،، حسناً ،، لكنه ولقضية قديمة ، قبض على رجلين ، فأمر برفعهما فى خازوق ، والتمثيل بهما ، فبقيا معلقين كالطيور المعدة للشواء ، لمدة يومين فى سوق المدينة ،،،
لقد توسلا إسماعيل باشا ، أن يسلم كل منهما سيفاً ، ليتولى الإجهاز على نفسه بنفسه ،، فرفض طلبهما وطلب سكان المدينة ،، ولم ينطق العلماء من رجال الدين ، الذين يقفون إلى الجوار بكلمة تبرئ ذمتهم ،،، إذ هم فى لهفة لبناء مساجدهم ، وفى شغل عن كل هؤلاء ، ،، فما شأنهم بتوسلات الأهالى ؟؟
يحبها الإسلامويون ، وهى أشنع وسائل الإعدام ، وآلة قتل تمنع الموت الفورى ، وتمدد من فترة التعذيب ، حيث يتم إختراق جسد الضحية بعصا طويلة حادة من ناحية ، وإخراجها من الناحية الأخرى ، بعدها يتم تثبيتها رأسيا على الأرض ، فيترك القتيل معلقاً للموت المؤلم البطيئ ، وهى ما تعرف بالخوزقة ، وإعلموا أننا نتفادى الخوض فى وصف طريقة عملها الحقيقية ،،
خرج إسماعيل من سنار مواصلاً رحلته إلى فازوغلى عام 1822 م ، فقابله ملكها بجيشه خارج المدينة ، فلما رأوه ،، ترجلوا جميعاً عن صهواتهم ، فإنتظموا فى صف واحد ، ثم جثوا على ركبهم ، ونكسوا حرابهم علامة للخضوع ،،، وبينما يرسمون هذا المشهد ، ضُربت عليهم جزية مقدارها ألف أوقية ذهب ،، وألف عبدٍ ذكر،،، أما أهل سنار الذين غادرهم للتو ، ولحين عودته ، فقد خلّف فيهم من يتولى خوزقتهم مرة أخرى ، بفرض ضرائب تطال الفقير والغنى ،،، خمسة ريالات على كل رأس رقيق ،،، نصف ريال على رأس كل بقرة ،، ربع ريال على رأس كل شاة ، ربع ريال على رأس كل حمار ،،، فإما السداد ،، وإما المصادرة !!
ومن هذه الأموال ، كانوا يبنون المساجد ويزينون المنابر ،، لتبدأ مهمة النسخة القديمة من هيئة علماء السودان ، فى تحليل الكبائر وتمجيد الغزاة والقتلة والسفاحين ، وإلباسهم لبوس الإيمان والتقوى والرحمة ، وإظهارهم بالمظهر الملائكى الذى يوجب تقديم الطاعة والإستسلام بين يديهم ،،
كل هذه الإستسلامات المتبوعة بالإنتهاكات الصارخة ،، لم تعجب المك نمر،، فبدأ فى تهيئة قبيلته حتى تتمكن من تفادى ما حدث مستقبلاً ، ونمت خبر ترتيباته ، ربما مع بعض التوابل والإضافات التراجيدية ، إلى مسامع الإسلامويين فى سنار ،،، فعقد إسماعيل العزم على العودة إليه ، ليقتله بالتأكيد ،، وربما التمثيل به ،،، فوصله فى ديسمبر 1823م بعد أن أرسل جيشه أولاً ، ترقباً لأدنى إشارة مقاومة أوعصيان منه ، فقابله زعيم الجعليين دون إظهار نية قتال ،، فتعمد إثارته بأن هدده بالقتل ،، ثم ضرب عليه وعلى قومه جزية تنم عن الترصد للإنتقال إلى ما بعدها مقدارها 1000 أوقية ذهب ، 1000 جمل أصهب ، 1000ناقة منتجة ، 1000 بقرة ، 1000 شاه ، 1000عبد ، 1000 جارية ، فإلتفت الملك نمر إلى من كان معه من قومه ، فحدثهم ربما إستشارة ، ثم رد على الإسلاموى ،،، ان هذه جزية باهظة جداً ، وأنه وقومه لا يقدرون عليها ،، فصعد الإسلاموى من الموقف بأضافة المزيد من الإثارة ، فلطم كبير القوم بغليونه أمام عشيرته وفى عقر دارها ، فغضب نمر فإستل سيفه وهمّ بقتله فتدخل من كان حوله لإثنائه (ويكيبيديا) ،، وبعدها كانت قصة تلكم الوليمة الجهنمية ، التى قضت عليه وعلى جيشه حرقاً بالنار فى أكتوبر 1823 م ،،، فإختار المؤرخون الإسلامويون أن يسموها غدراً ، وهجرة نمر هروباً ، فتجاهلوا تماما حقيقة ترصده ،، فأسموا إسماعيل باشا بطلاً ،،،
أى غدر ؟ وسيرة القتيل كلها غدر فى غدر؟؟
أى غدر ؟ وقد أرسل من يتسلل ليقتل له رجب ود عدلان فى سنار ، وفى سريره ؟؟
أى غدر ؟ وقد أرسل إسماعيل من يقتل له ملك الجموعيه فى داره ؟؟
أى غدر ؟ وقد إختار المك نمر أن يجرعه نفس السم الذى يسقيه أهل السودان ؟؟
أى غدر ؟ وقد إجتمع نمر بقومه وشاورهم فأصدروا ما يشبه حكماً يقضى بقتل الغازى والقضاء على جيشه؟
أى غدر ؟ وهو من خصص 20 من صفوة العسكريين مهمتهم توفير الحماية الشخصية له فى حله وترحاله ؟؟
أى غدر ؟ وقد قال أباه محمد على فى شأنه (إن هذا فتح ، فلا غرو إذا حصل ما حصل من الجعليين) ؟
قوانين اليوم تتولى حمايتكم ، إن أغفلتم وقتلتم من تسلل إلى بيتكم شاهراً سلاحه فى وجهكم ، غض النظر عن نواياه ،، وقوانين بعض الولايات الأمريكية ، تحميكم إن أطلقتم رصاصتين إلى صدر المتسلل حتى وإن كان شاهراً فى وجهك موزة ، أو مسدساً مزيفاً حسبتموه سلاحاً حقيقياً ،، فما بال من يدخل بلداً بحالها فيهدد ويفسد ويغدر ويقتل ويمثل بالجثث وينهب ويقتاد النساء والأطفال ؟؟
هاجر نمر وغادرالمتمة متجها إلى مكان أفضل تحصناً ، عاقداً العزم على أن لا يدع مجالاً للإستسلام ، ترك مدينته التى يعيبها الإنكشاف وغياب الحصون ، إلى حيث يمكنه من الإستعداد جيداً للإنطلاق والمواجهة ، فارسلوا إليه جيشا للقضاء عليه فى قرية النصوب بالبطانة ، فحدثت المواجهة الأولى وسقط على إثرها الكثير من الجانبين ، ومن ثم واصل هجرته بمن معه الى حدود الحبشة ، ومرة أخرى لم يسعفه الوقت ، فتوفى بعد عامين ، ربما إحتلت منهما فترة مرضه (ربما ضغط الدم) شهوراً عديدة ،،،
وبما أن مثل هؤلاء الأبطال لايمكن أن يموت دون ترك وصية ، وحتى وإن أمسك أهله عن كشفها ، إلا أن سلوك إبنيه (عمر وأبوبكر ) من بعده ، لا بد أنه كشف جزءاً من وصيته الضائعة ،،
لقد بنيا جيشاً لإستهداف المراكز الحكومية فى شرق السودان ، وسجلا ،، هما وباقى أبنائه حضوراً دائما فى مناطق القلابات ، متحدثين بنفس اللغة التى تفهمها التركية جيداً ، ومرة أخرى جيشت الحكومة قوة قوامها التكارنة ، فتمت إستدراجها الى حصون ميقبة ، فإشتعل القتال ، وذكرت المصادر أن الفارس الواحد من عائلة نمر كان يفتك بجمع يواجههم فى الوقت نفسه (نعوم شقير) ، فضيق عليهم بالعطش والقتل والنبابيت حتى غروب الشمس ، وكانت الحصيلة 600 قتيل ،، وغنائم لا تحصى ، وهذا حدث واحد من جملة أحداث أخرى ،،،
لقد أصبحوا معارضة حقيقية ، وقبلة لمن يواجهون المتاعب ويتعرضون للذل ومنهم العسكريين والتجار والفرسان ، فقويت شوكتهم وتنامت ، فإضطر الإسلامويين إلى إصدار فرمانات سلطانية ، تعفوا عنهم وتعيد إليهم أراضيهم وأموالهم المصادرة عام 1855 م ،، وهؤلاء وغيرهم ،، هم من أصبحوا فيما بعد عماداً للثورة المهدية ،،،
وللعلم فأن القوة الدافعة وراءها لم تكن إيماناً بالإسلاموية ، ولا بمهدية المهدى وطموحاته ، بل ثأرات وتصفية حسابات وتنفيس عن غبائن ، كما أن إستدعاء شخص لم يكن إسلاموياً ولا مسلماً ، لم يكن إلا إقرار بالفشل ، ومحاولة إنقاذ الإسلامويين من تبعات فوضاهم ، وتنجيتهم من إنفجار القوة الكامنة فى براكين الغضب التى شيدوها ،،،
كانوا فى حاجة لمن يجد لهم مخرجاً ، فكان إنتداب غردون باشا من بريطانيا ، الذى سيواجه الفشل ويدفع الثمن وينحر ككبش فداء فقط لأنه جاء متأخراً ،،، هذا رغم أن نجاح الحلف تحت راية المهدية ، قد كرس لنشوء نسخة فاشلة أخرى من الإسلاموية ، لتتصل حلقاتها (إسلاموية السلطنة الزرقاء ، إسلاموية الأتراك ، إسلاموية المهدية) ، مبددة للسودان من عمرها ، أربعة قرون بالتمام والكمال والإتصال ،،، فما أشبه الليلة بالبارحة ؟؟
إذن ،، فهو بطل سودانى يستحق التمجيد والتعظيم ، وقد عرفت الدوافع التى وقفت وراء الحط من شأنه أيام الإسلامويين الترك ،، فما دوافع التقليل من قيمة نضاله اليوم ؟؟
نقولها لكم ،، لأن أتراك اليوم قد إستولوا على تاريخه ، وأعادوا إخراجه وإعلانه كأنه حقهم الحصرى ، فأظهروه بمظهر الإسلاموى الذى يشبههم ، وإدعوا أنهم أحفاده وخاصته ، وذلك ترفيعاً لمكانتهم أمام حفدة قادة رافعى شعار الإستقلال الأول (المهدية) ، ورافعى علم الإستقلال الثانى 1956 م ،، وهذه حسابات الفاشلين ، العاجزين عن الإبتكار والإضافة ، وهى تعريفات تخصهم وحدهم ولا تعنينا فى شيئ ،،،
أجواء اليوم تتطابق مع الأجواء التى مهدت للثورة المهدية ،، فبينما لعبت الحركة الشعبية دور أولاد المك نمر ،، ومثلت إتفاقية السلام الشامل 2005 م ، الفرمانات السلطانية التى عفت عن عائلة نمر عام 1855م ، فإن المناطق المحررة فى كل من (دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة) ، تتخذ أوضاع مناطق ميقبة والمتمة الحبشية والقلابات وأجزاء أخرى من البطانة فى فترة ما قبل المهدية ،،، وفى كل الأحوال فقد بات واضحاً أن الجبهة الثورية التى فيها من يشبهون المك نمر ،،، وأولاد المك نمر ، وأولاد المهدى ، تسير على درب الثورة المهدية وإن إختلفت الشعارات ،،، ويصبح التساؤل الآن ،، من هو ذلكم الإصلاحى الضعيف ، الذى سيمثل دور غردون باشا ، شخصاً كان أم حزباً ، ليقضى عليه فى 2014 م ، وينحر ، ويُحملُ رأسهُ ، قبل أن يكمل عمله ؟؟؟؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.