ظل العالم منذ العام ( 1993) يحتفل سنوياً في الثالث من مايو باليوم العالمي لحرية الصحافة ويقدم امين الاممالمتحدة خطاباً فيه بذات نكهة العام السابق له وتقدم الحكومات في العالم وخصوصاً العربي منها عربونها للاحتفالية بمزيد من التضييق علي تلك الحرية ومزيداً من الكبت للصوت الاخر وكبح للجام الرأي الاخر وفي كل عام حسب تقارير المنظمات النشطة في الدفاع عن الحريات الصحفية يشهد العالم العربي تراجعاً كبيراً في تلك الحريات ليس لشئ إلا إنه من باب ان الإعلام المهني والشفاف والمحايد يحرج تلك الحكومات التي تتمرغ في نعيم الفساد المادي والأخلاقي وتواري سواتها وتستتر بورق التوت . نعم التدهور الذي تشهده الصحافة وضعف دورها الرقابي في كشف الحقائق وتمليكها للرأي العام دليل علي تخلف الدولة وميلها الي الديكتاتورية التي تبني احلام صمودها كسلطة علي إسكات الرأي الاخر والتنكيل بالصحفيين،ووطننا السودان ليس ببعيد عن ذلك التدهور حيث شهدت الصحافة تراجعاً كبيراً في الدور الرقابي وفقدت بريقها كسلطة رابعة ضد القهر والصلف والجبروت برغم ان الدستور كفل للصحفي حرية نقل وتبادل المعلومات الا ان الدولة ظلت تسلط علي هذا الحق سيف قانون اخر هو (قانون الامن العام) الذي سحب من الصحفيين ما اعطاه لهم الدستور فصار الصحفيين يعتقلون او يجرمون في قضايا بواسطة ضعاف نفوس من المنتفعين او الراضين بنظرية دعوني اعيش وكم من صحفي مورس ضده العنف من متنفذين في الجهاز التنفيذي للدولة من اصحاب السطوة والحظوة الذين يظنون ان الكرسي يدوم بعد ان كشف فسادهم وإفسادهم في الارض وصارت الصحف تصادر بعد طباعتها من المطبعة او تحذف منها العديد من المقالات والأخبار والتقارير التي تمس الامن وفق تقديرات غالبيتها يكون خطأ ، والأمثلة كثيرة علي تلك الحوادث ومن ابرزها في الثلاث اعوام اعتقال عدد من الصحفيين وإيقاف البعض الاخر عن الكتابة كحيدر المكاشفي والنور احمد النور،إضافة الي قضية الصحفي النشيط وصاحب العمود القوي الصديق عثمان شبونة والتي مازالت تراوح مكانها وذاق بسببها شبونة المرين ولجم قلمه عن الكتابة وضيق عليه في معاشه وظل من المترددين دوماً علي المحاكم ليس بجرم ارتكبه ولكن لانه صدح بالحقيقة في زمن يسعى فيه كثر غيره من المحسوبين علي الصحافة الي التزام الصمت تجاه الحقائق وهذين النموذجين يعبران عن التحدي السافر للحرية التي كفلها القانون ومواثيق الاممالمتحدة فالمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن " لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية تبني الآراء دون مضايقة ، وكذلك الحرية في التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلام ، و بغض النظر عن الحدود". و قد دعى إعلان صنعاء لعام 1996 الذي اعتمده المؤتمر العام لليونيسكو إلى وجود إعلام حر ومستقل ويتسم بالتعددية في العالم العربي . والصحافة في السودان تعاني القوانين المقيدة لها والتي فصلت في الحقب السياسية المختلفة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال وحتى الان علي هواء ومزاج المشرع السياسي الذي اجتهد في تكييفها بحيث تخضع لسلطته ولا تملك الجرأة علي التغريد خارج سربه او القدرة علي تمليك الحقائق للرأي العام وخير دليل علي ان الصحافة لها القدرة علي لعب دور كبير في مسار الحفاظ علي هيبة الدولة والقانون وحماية المجتمع من الاخطار ما شهدته الساحة السياسية في البلاد في فترة الانفراج الاخيرة وفك القيود عن الحريات الصحفية وإتاحة الفرصة للصحفيين للكشف عن مكامن الخلل فقامت الصحافة بدورها بحرفيه وتميز مهني فظهرت بفضلها جملة من المسكوت عنه من القضايا كقضايا الفساد التي راحت ضحيتها في الرجلين صحيفة (التيار ) التي ابتدرت فتح ملفات الفساد في شركة الاقطان التي يستند المتهمون فيها علي متنفذين في النظام الحاكم في الخرطوم يوفرون لهم السند والعون الي ان إنكشفوا للملا بعد فضيحة المليار الاخيرة وما تبعها لفضيحة فساد مكتب والي الخرطوم د.عبدالرحمن الخضر والتي خرجت من دائرة القضاء الي رحاب لجنة تحقيق اصدرت حكم ينبئ عن نية مبطنة بالتستر علي المجرمين ولكن في القضيتين نجحت الصحافة السودانية في العبور بهما الي منصة القضاء حتي تأخذ العدالة مجراها وتوفي كل نفس بما كسبت فكان ان عادت القضيتين الي اضابير القضاء ليقول كلمته وإستطاعت هنا الصحافة ان تلعب دور كبير في خدمة قضايا الوطن وهو الدور الذي يغيب في وجود الرقيب الامني والقوانين المقيدة للحريات وبلاشك ان حرية الراي والتعبير حق يجب ان يكفل للجميع وهو ليس بمنحة تعطيها الحكومات متي شأت وانأ ارتضت ويجب ان تعي السلطات ان للصحافة دور كبير في تقديم العون لها. والبلاد تعبر نحو مرحلة جديدة وحوار وطني لتحقيق التوافق والتراضي حول اليات وكيفية حكم البلاد ودستور يتواضع له الجميع ويحتكمون اليه يجب ان تعطي قوانين العمل الصحفي مزيداً من المراجعة والتدقيق في مواده بحيث يضمن سهولة الحصول علي المعلومة وحماية الصحفي ومصادره وتنظيم العلاقة بينه وبين الناشر وكذا النظر في القوانين المقيدة للحريات الصحفية كقانون الامن الوطني وحذف مواده التي تتعارض مع تلك الحريات ،كما يجب إشراك كافة الوان الطيف الصحفي في ورش صناعة قانون الصحافة وان لايقتصر الامر علي شخصيات بعينها مل منها الناس وتربعت علي عرش الصحافة لقرون عدة دون ان تقدم للمهنة أي شئ وللأسف ان تلك الشخصيات تعرف هذا الامر جيداً ولكنها تكابر في الغلط وتتمادي فيه وكذا يجب إشراك الصحفيين الشباب في صياغة القانون لأنهم يمثلون نسبة كبيرة من العاملين في مجال الصحافة ولهم رؤيتهم وخبرتهم وتجربتهم . [email protected]