الغنيمة..رغيف الاسبتالية تغمرنا السعادة، حين نسمع كبارنا يقولون: - فلان الليلة رقدوه اسبتالية (مستشفى)، أو استبالية كما تقول جدتي. وكلمة اسبتالية، كلمة انجليزية استخدمها أهلنا كما هي، ولمدة من الزمن صعُبت عليهم كلمة مستشفى، فأمعنوا فيها تقديماً للحروف وتأخيرا، وأعلمهم كان ينطقها ( مشتشفى). مبعث سعادتنا لا يعني فرحنا بما أصاب قريبنا من داء, فهذا لا يعنينا في شيء حتى أننا لا نهتم بالسؤال عن نوعية مرضه. مايعنينا هو أن هذا الحدث سيتيح لنا غنيمة معتبرة، من رغيف الاسبتالية الذي يتحفنا به المريض عند انتهاء زيارتنا له. كنا نركض ساعة الزيارة، صوب الاسبتالية، حاملين سلة الزيارة، بمحتوياتها من حافظات الشاي والقهوة، ذات الغطاء الفليني. حين نصل، تتركز نظراتنا على صندوق حفظ الطعام، بجوانبه المصنوعة من السلك الناعم، والموضوع على الطاولة بجانب المريض، لنطمئن على وجود الرغيف بداخله، رغيف الاسبتالية، وما أدراك ما رغيف الاسبتالية، مدور، مكور، مقمر، منتفخ، تشوب حمرته الخارجية بياض خفيف. يزهو بداخله الأبيض، الناصع البياض كالدبلان. وكيف لا يزهو، وهو صناعة خاصة بالاسبتالية. لا يُستلَم إلا بعد فحصٍ وتدقيق ووزن. يُوزع على المرضى مع الوجبات المقررة لكل مريض على حده، حسب أوامر الطبيب، وبمتابعة دقيقة من المشرفين على التغذية، وعلى مطبخ الاسبتالية، الذي إن دخلته، فكأنك داخل مطبخ لفندقٍ من فئة (الخمسة نجوم). النظافة هي السمة الغالبة علي المكان والمعدات والعاملين.تخرج منه الوجبات في مواعيدها المحددة، وتوضع لكل مريض وجبته المخصصة، داخل صندوق حفظ الطعام ( النملية)، تحسباً من الحشرات الطائرة، والتي أجزم بأنه لا سبيل لها، مع كل هذه النظافة والعناية والمبيدات والمنظفات التي تُستخدم على مدار اليوم . كانت غرف الاسبتالية مقسمة إلى ثلاثة درجات, الثالثة, الثانية,, الأولى. ولافرق بينها في النظافة والعناية والاهتمام والتغذية, عدا الخصوصية التي تتوفر لمريض الدرجتين الثانية والأولى. إذ أن غُرف الدرجة الثالثة تتسع لما يقارب الثمانية من المرضى, والثانية لمريضين والأولى لمريض واحد. الساحات الخارجية بين الأجنحة، مغطاة بمربعات النجيلة الخضراء، تحفها الورود من كل جانب، تتخلها الممرات المرصوفة وشجيرات الفل. ولا تسأل عن التمرجية( الممرضين )، بملابسهم البيضاء، ناصعة البياض، والكاب، والشرائط الحمراء، التي تحدد رتبة وخبرة التمرجي الذي تقصده للعلاج. بجانب الدقة والانضباط في العناية بالمرضى .حتى بلغ صيت التمرجي الذرى، وتردد ذكره في أغاني البنات: البنسلين يا تمرجي نادوا الحكيم يا تمرجي سيب الهظار يا تمرجي دا البنج حار يا تمرجي دكتور لؤي يا تمرجي ما حاسي بي يا تمرجي دكتور صلاح يا تمرجي ضرب السلاح يا تمرجي تاح تاح تراح جوه فلبي يا تمرجي ... حين تنتهي الزيارة، نملأ سلة الحافظات بعدد من رغيف الاسبتالية الذي يهدينا إياه قريبنا المريض. ليلتها، يكون للعشاء نكهة مختلفة، مع رغيف الاسبتالية المغمور بلبن البقر، نأكل منه حتى ما بعد الامتلاء . نبتئس حين يتعافى مريضنا ويفارق الاسبتالية، ثم نظل نتنصت على أحاديث الكبار علنا نسمع خبراً عن قريب آخر على حافة الدخول إلي الاسبتالية. [email protected]