لن نقول جديداً اذا قلنا بان حكومتنا تعمل ليل نهار، وبنشاط يحسده عليها الشيطان، لتجهيل شعبها، وتضليله، بنشر المعلومات الخاطئة، حتى تستطيع الاستمرار فى السلطة، والاستمرار فى النهب دون حسيب او رقيب موجة التجهيل والتضليل الجديدة التى تقودها الحكومة هذه الايام، ضمن حملاتها الاخرى، متعلقة بموضوع سد النهضة فى اثيوبيا، وهو سد مقترح منذ خمسينيات القرن الماضى، يعنى انه قد كان مقترحاً قبل انشاء السد العالى بمصر. وكان منذ ذلك التاريخ يٌنظر اليه باعتباره افضل من السد العالى، الا ان مصر تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر أصرت على انشاء السد العالى، وأصرت ايضا على افشال كل محاولات اثيوبيا لانشاء سد يساعدها فى التنمية والانتاج. الآن وبعد مضى نصف قرن عرفت مصر مدى الخراب الناتج عن الآثار السلبية لانشاء السد العالى، مما جعلها تنشط فى مشاريع السدود فى شمال السودان، مستغلة ضعف وسوء أخلاق المسئولين فى حكومتنا، وخوفهم ايضا، ومصر تحلم بان السدود فى شمال السودان يمكن ان تكون تحت سيطرتها، وتخشى من ان تعتمد على اثيوبيا فيما يتعلق بالأمن المائى. ولكن اثيوبيا استطاعت ان تقنع العالم، حاليا، وبعد ظهور الاثار السيئة للسد العالى، بان موقع سد النهضة داخل الاراضى الاثيوبية، هو الموقع الافضل لانشاء خزان يحقق كل متطلبات اثيوبيا ومصر والسودان من مياه النيل الأزرق. خاصة ان موقع السد سوف يوفر كمية كبيرة من المياه التى كانت تذهب هدرا نتيجة التبخر من سطح بحيرة السد العالى التى تقع فى منطقة جافة وصحراوية بينما تضاعف سطحها بدرجة كبيرة نتيجة لنقص عمقها بسبب ترسب كميات كبيرة من الطمى خلال الخمسين سنة الماضية. خبراء مصر، ومعهم المسئولين فى حكومتها، يعرفون هذه الحقيقة، ويعرفون مدى جدية اثيوبيا فى انشاء سد النهضة، من جانب، ومن الجانب الآخر يعرفون مدى جدية اثيوبيا، والعالم اجمع فى المحافظة على نصيب مصر من المياه التى تصلها سنويا. وبطبيعة الحال ليس هناك انسان عاقل يمكن ان يشرع فى انشاء مشروع ليمنع به الماء من عشرات الملايين من البشر، او ليعرضهم للعطش. ولقد تأكد لمصر بان نصيبها من الماء لن يتأثر، ثم ان عالم اليوم، وحكومات الدول المسئولة، وخبراء المياه فى الاممالمتحدة، كل هؤلاء، يدعمون حقوق الناس فى المياه، ولا يمكن ان يقفوا موقف المتفرج فى نزاع حول مصدر رئيسى للمياه، دع عنك ان يكون ذلك المصدر هو المصدر الوحيد للمياه لمئة مليون انسان. اذن يمكننا ان نقول بان الخلاف الظاهر الآن بين مصر واثيوبيا حول سد النهضة ليس خلافا حول حصة مصر، وانما هو خلافا حول تفاصيل اخرى، وحول الضمانات، وبصورة اكبر حول التعويضات والترضيات. مصر تطمع فى كثير من المكاسب لتعلن رضاها التام عن سد النهضة، وهذا امر يمكن ان يكون مفهوما، فى السياسة، ولكن يبدو ان كل حججها قد نفدت. فماذا تفعل؟ رجعت مصر لعادتها القديمة، (ولحيطتها القصيرة)، المسئولين فى حكومة الانقاذ، واتبعت معهم سياسة الجزرة والعصا، لينشطوا فى معاكسة اثيوبيا، باسم السودان، بعد ان نفدت حجج مصر، ويبدو ان حكومتنا، والمسئولين فيها، مثل الاطرش فى الزفة، اذ انهم لم يجدوا حجة غير ان يقولوا (ماذا لو انهار سد النهضة!!!) ولقد سمعنا منهم من قال بان السودان سوف يختفى من الوجود فى حالة انهيار سد النهضة. كلام يضحك (ولكنه ضحك كالبكاء) كما قال المتنبى. من المعلوم انه ليس هناك مشروع هندسى يتم تصميمه دون دراسة اثر انهياره، فالكبارى المعلقة، والعمارات الشاهقة، والطائرات، لا يتم بناءها الا بعد دراسة احتمالات تحطمها وانهيارها. والسدود، خاصة، يكون سيناريو انهيار السد جزء مهم من دراسة التصميم، ويحدد فى التصميم الخسائر المتوقعة، ونطاقها، وهو امر ميسور، وهناك الكثير من المعادلات الرياضية التى تحدد مدى اندفاع المياه، وقوتها، بعد انهيار السد، ويمكن معرفة ارتفاع المياه، وقوتها التدميرية، فى كل منطقة، كما يمكن تحديد الزمن التى تصل فيه هذه المياه المندفعة. وبناء على ذلك يتم تصميم المنطقة القريبة من السد. ونظرا لوجود هذه المعادلات، فى علوم الهندسة، فانه من غير المتوقع ان يلتفت المهندسون، بعد اكتمال الدراسات واعتماد التصميم، الى رجل ساذج ينظر الى كبرى ليقول (ماذا لو انهار هذا الكبرى) او الى ساذج آخر ينظر الى عمارة شاهقة ليقول (ماذا لو انكسر هذا العمود الكبير). وعلى كل حال يمكن ان يٌقال لمثل هؤلاء لا تقلقوا لن ينهار الكبرى، ولن ينكسر العمود، ولن ينهار السد، ولكن، ونظرا لحملة التجهيل التى تقودها حكومتنا هذه الايام بخصوص سد النهضة، يجب ان نقول انه حتى اذا انهار هذا السد فان السودان لن يختفى من الوجود كما تقول اجهزة اعلامنا، فان اثر انهيار السد سوف يكون متفاوتا، وسوف يكون اسوا الاثار دمارا شاملا فى المنطقة التى تقع قريبة من السد، مثل دائرة قطرها عشرة الى عشرين كيلومترا، ثم يقل مستوى الدمار ليكون مثل اثار الفيضانات والسيول الكبيرة على ضفاف النهر لمسافة عشرة الى عشرين كيلوتر على جانب الضفتين، ثم تقل الاثار كلما ابتعدنا عن منطقة السد، وقد لا يشعر سكان الخرطوم الا بفيضان كبير فى النيل الازرق وزيادة فى سرعة المياه. اما ان نسمع من بعض المسئولين بان السودان سوف يختفى من الوجود فى حالة انهيار سد النهضة فان مثل هذ التصريحات ليست اكثر من نشر للجهل فى شعب السودان لتمرير حملة معاكسة اثيوبيا فى موضوع السد حتى تتمكن مصر من قبض سعر أعلى، وترضيات أكثر، بعد ان نفدت حججها امام اثيوبيا وامام العالم. ومن البديهى ان من يقوم بهذا الدور من المسئولين السودانيين، لا يمكن ان ننظر اليه الا كرجل فقد عقله اما بسبب الخوف من حكومة مصر او بسبب الجشع والطمع فى قبض الرشاوى منها. أبوبكر بشير الخليفة [email protected] 25 مايو 2014