في شأن من نسي الله فأنساه نفسه أضاع الإخوان المسلمون وصنيعتهم الإنقاذ على أنفسهم وعلى السودان فرصة لم ولن تتوفر لهم لا لغيرهم من الأنظمة الشمولية والأحزاب الحالمة بالانفراد بالسلطة ، فرصة بل فرصا لو علموا قدرها لظلوا بقية أيامهم يعضون أصابع الندم عليها ولبكوا كما تبكي النساء على سلطة لم يستطيعوا أن يحسنوها أو يحافظوا عليها كالرجال . فليس من الرجولة في شيء أن بقوا في السلطة خمس وعشرين سنة أو حتى مائة ، متمرسين خلف السلاح وينهبون في مال من يجلسون على جماجمهم ويمشون خيلاء وهم يدوسون على بطونهم الخاوية ويصمون آذانكم عن كل نصيحة ويعذبون كل من رفع صوته بالشكوى ، ولا يتورعون في أن يسموا أفعالهم هذه بأنها لله . فيكذبون ليس فقط على أهلهم بل على من لا تخفى عليه خافية . حين وقع انقلاب الإخوان المسلمين في مثل هذا الشهر من ربع قرن مضى بالتمام والكمال كانت لتنظيمهم فرصة جاءتهم على طبق من ذهب لتنزيل شعاراتهم وتطبيقها على أرض الواقع ، فلم تكن هناك معارضة يمكن أن تعرقل خططهم كما لم يواجه الانقلاب بأي مقاومة تذكر لا من الداخل ولا في الاعتراف من الخارج . كأنما سهل الله عليهم الأمر ليحاسبهم فيما لم يحسنوا التعامل معه مستقبلا . فتلك نعمة أساءوا الأدب مع مانحها ولم يؤدوا حقها بما يجب . ماذا فعل الانقاذيون كم سموا أنفسهم في هذا التسهيل ونيل السلطة بلا ثمن يذكر ؟ كان الواجب أن يشكروا الله بتطبيق نهجه كما يجب تربية للناس وتعليما لهم و أن يردوا لهذا الشعب التحية بأحسن منها وأن يسرعوا بإنقاذ البلاد كما أدعوا أن يكونوا أول المبادرين للعمل وآخر المستفيدين منه . وما دامت هي لله فقد كان الأولى أن ينتظروا الجزاء منه في الآخرة ويزهدوا في دنيا لم يعملوا لها (لا لدنيا قد عملنا ) . ما الحصاد بعد كل هذا الزمن ؟ فلو تركنا أحدهم ليقول لنا ماذا أنجزوا من أعمال خلال هذا الفترة الطويلة ، فمهما ذكروا من انجازات فهل يمكن أن تكون في مستوى طموح الأمة أو حتى طموحمهم هم أنفسهم ؟ فلوا سلمنا جدلا بكل ما يتشدقون به من انجازات ونجاحات ، فماذا عن الاخفاقات ؟ ماذا عن أكبر فشل في الحفاظ على وحدة البلد ؟ هل بعد هذا الفشل يمكن لأحد منهم أن تواتيه الشجاعة للحديث عن أي نجاح ؟ ثم ماذا عن الحرب الدائرة الآن في معظم البلاد ؟ لماذا أطفأتم حربا بهذا الثمن الباهظ لتشعلوها في دارفور وجنوب النيل الأزرق ؟ لماذا ارتضيتم اتفاقية نفاتشا مع قوم مشبوهين ولم ترضوا أي اتفاق مع إخوان الوطن والدين ؟ لماذا التغطية على الفساد الذي يعلمه القاصي قبل الداني ؟ لماذا نرى هذا الثراء الفاحش عند منسوبيكم بينما الناس لا يجدون قوتا ولا علاجا ولا أمنا ؟ لماذا لا نرى ولو حكما واحدا ينفذ في سارقي قوت الضعفاء والمسترزقون من دمائهم ؟ لن يسمعوا ولن يعوا هذه سنة الله في القوم الظالمين ، ذلك أن الله علم أن لا خير فيهم ولا فائدة ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، وهي من علامات انصراف الله تعالى عنهم وتركهم في ظلمهم لا يسمعون وإن سمعوا لا يفقهون وإن فقهوا لا يعملون بما فقهوا . نصائح المشفقين لهم يحسبونها عليهم والقول الحق عندهم باطل ولا يقريون إلا من ينافقهم ويحابيهم ويناصرهم على ظلمهم . وكما اقتضت سنة الله في الظالمين أن يمدهم في طغيانهم ،ولكن النهاية معلومة ومصيرهم لا شك فيه . ومن يشكك في النهاية العادلة لكل ظالم فكأنه يشكك في انبلاج الفجر بعد الظلام فقد قالها الشاعر : أن الشعوب وإن تطاول ليلها فكالشمس تسري في الظلام فتشرق د.زاهد زيد [email protected]