الرئيس البشير في زمان ما من تاريخ حكمة الطويلة تقدم بإستقالته من المؤسسة العسكرية كما نصحه بذلك مستشاريه آنذاك وكان التقدم بالإستقالة ضرورة إقتضتها تقدم البشير للترشح للإنتخابات الرئاسية كما إقتضتها ضرورة التمكين كمشروع إستراتيجي من مشروعات الإسلام السياسي ..وحدث الأمر وإستقال الرئيس من المؤسسة العسكرية وأصبح كما يقولون رئيساً منتخباً وغلبت علي الرئيس نزعته للإنتماء الأيدولوجي والسياسي توقه لشرف الإنتماء لمؤسسته العسكرية وإستنفذ جهوده في تقطيع أوصال المؤسسة العسكرية وتشريد كفاءاتها تحت مسمي الصالح العام وبدأت اسوأ المشروعات غير الممنهجة لإستبدال الكفاءة بالولاء وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك لإنهيار المؤسسة العسكرية وتسلسلها الهرمي وضعف ادائها في ميادين القتال وفشلها في رد العدوان الإسرائيلي الذي تطاول حتي بضع كيلومترات من قيادة المدرعات بالشجرة في ذات الوقت الذي كانت تفصل بينه بضع أميال من بيت الرئيس وبذات المستوي الذي أخفقت فيه في تحقيق إنتصارٍ في جبهات القتال الداخلية بالولايات المتمردة. وربما كان شعور البشير وهو يتملكه إحساس السيطرة علي البلاد بحكمه الشمولي الذي دثره بغياً وإفتراءاً وكذباً بعبارة (الحكم الديمقراطي) ووطد لأركانه بالقتل والتشريد والإبادة أنه لا غالب له اليوم من الناس حتي صدمته في العام 2009م مذكرة القبض عليه والمطالبة بسحبه لمحكمة الجنايات الدولية سحباً ومحاكمته لإتهامه بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهو الذي ظن أنه سيأوي إلي نظامه فيحميه ولات ساعة مناص.والحق أن تعقيدات الموقف الذي لا يحسد عليه البشير كانت بداياته منذ ذلك التوقيت عندما تخلي عنه المجتمع الدولي كنظام غير شرعي يمارس يومياً حروب الإبادة ضد شعبه وناصبته العداء الدول العربية ودولته من اعضائها تضامناً مع المجتمع الدولي وإحتجاجاً علي سياسته الإقصائية وحكمه غير الرشيد . والحق يقال أن الرئيس البشير لم يكن غير واجهة لحكم المتأسلمين في الخرطوم وهو يضمن حمايتهم وقت فسادهم وولوغهم في المال العام مقابل إحجامهم عن التكالب عليه أو تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية حتي قويت شوكة عدداً لايستهان بهم من رموز حزبه وطفت إلي السطح أسماء وشخوص تتحدث بإسمه وبإسم حكومته وهو ينظر ويري وتنامي ذلك الإحساس في داخله سيما وقد وهن عظمه وإشتعل رأسه شيباً وكان لا بد من وثبة آخيرة وخطوات عملاقة تعيد الأمور إلي نصابها ووفقاً لمخططات تلك الوثبة كان لا بد أن يعود البشير مرة أخري لإرتداء بزته العسكرية بعد الإستقالة السابقة وكان يعلم أنه بذلك القرار سيكون ضابطاً بالجيش ويشغل منصباً سياسياً بالمخالفة لقانون قوات الشعب المسلحة وهو تعدي علي القانون الذي يحكم المؤسسة التي ينتمي إليها مثل التعدي علي ذات القانون والقانون الجنائي للعام 1983م عند قيامه بالإنقلاب العسكري ضد حكومة ديمقراطية وإنتهاك الدستور وتقويض النظام الشرعي ورغم أن إنقلاب العام 1990م والذي عرف بحركة رمضان والذي كان علي دولة غير شرعية ولم يخالف اي قانون إلا أن ذلك لم يمنع البشير من التوقيع علي الحكم بإعدامهم قادة تلك الحركة الإنقلابية دون أن يرف له جفن أو تصاب يديه بالإرتعاش. والواقع أن هرطقات النظام وخطله بالصراخ حول الشرعية الثورية والتحول إلي الشرعية الدستورية أمر يقتقر للمنطق والقانون فالشرعية الثورية تصنعها الشعوب بإرادتها الحرة غذا إنتفضت وثارت وثورة أكتوبر المجيدة 1964م ورجب شعبان المباركة 1985م هي مثال يحتذي لثورات الشعوب علي حكامها إذا جنحوا للطلم أو إستكانوا للفساد ولا تعدوا شرعية الإنقلاب العسكري الذي قاده البشير بمباركة افخوان المتاسلمين عن كونه تاسس علي شرعية باطلة إستندت إلي دبابة وبندقية وقفل للكباري والسيطرة علي مبني الإذاعة والتلفزيون دون اي تاييد شعبي أو قوة ثورية . ثم تلي ذلك خطوة هامة تمثلت في إستبعاد كل رموز الحكم من السياسيين المتاسلمين من سدة الحكم والمشهد السياسي وتحديد إقامتهم توطئة لصعود العسكر لتقلد كل الوزارات الأمنية والدفاعية والتي شملت الدفاع والداخلية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني والنائب الأول ومساعد رئيس الجمهورية وكان الهدف إضافة لحفظ وجود البشير علي راس الدولة كرمز للنظام نقل رسالة للعالم تشير إلي تخلي نظام الخرطوم عن مشروع التمكين الإسلامي ودولة الخلافة وطلاق فكرة الإسلام السياسي إلي غير رجعة بعد فشل أي خطوة للتقارب مع رموز المعارضة والقوي السياسية المدنية التي خبرت كذب ونفاق هذه العصبة الحاكمة . ورغم أن التكهنات تشير إلي إعادة إنتخاب البشير في العام 3015م تحت دعوي عدم وجود بديل لقيادة البلاد رغم تقدمه في السن وخضوعه للعديد من العمليات الجراحية في داخل البلاد بعد رفض دول عديدة من بينها السعودية مبدأ علاجه فإن قراءة الأحداث تشير أن البشير سيخالف الدستور ويرشح نفسه لولاية رابعة أو خامسة لتمتعه بالحصانة المطلقة ضد القانون والدستور وتألهه عليهما وحتي القانون الدولي ولن يجد حرجاً في تولي الرئاسة حتي وإن أحالت سنون حكمه العجاف البلاد إلي صقيع بلقع أو أطلال تنعق بين جدرانها البوم والغربان ذلك حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً أو يعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ سيتقلبون. عمر موسي عمر - المحامي [email protected]