الواضح أن محور الصراع ما بين (خارطة الطريق) التي رسمتها آلية الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وما بين (إعلان باريس) الذي يتزعمه الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، هو صراع محوره الأساسي..- (استقطاب) الحركات المسلحة والقوى السياسية الرافضة للحوار. المهدي نجح في أول مناورة لاستقطاب الحركات المسلحة عبر التوقيع المشترك بينه وبين الجبهة الثورية على وثيقة (إعلان باريس)، بيد أن المؤتمر الوطني يحرك الآن كل أدواته السياسية الممكنة لجذب الحركات المسلحة نحو (خارطة الطريق) بديلاً عن (إعلان باريس). وأدوات الحزب الحاكم تتمثل في حراكه الدبلوماسي مع المحيط الأفريقي عبر لقائه مع الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي، والمحيط العربي عبر تحييد دور الجامعة العربية ومن ثم مصر، والمحيط الأوروبي عبر ابتعاث مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور إلى ألمانيا بغية شرح خارطة الطريق ومن ثم دعم الحوار الوطني بالداخل. الإمام المهدي يتخذ من القاهرة محطة لتسويق (إعلان باريس) وذلك من خلال المقابلات الرسمية التي يعكف عليها، سواء مع الأمين العام للجامعة العربية، أو سفراء الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، بعدما ضمن ترحيب مباشر من قبل غالبية القوى السياسية بالداخل، مع بعض التحفظات المُعلنة. لقاء الحكومة مع أمبيكي الحكومة رغم تحفظاتها المستترة والواضحة تجاه قدرات الوسيط الأفريقي، ورئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي، في حل القضايا السودانية محل الخلاف بين الحكومة وخصومها، إلا أنها تدرك وبنظرة واقعية مدى أهمية تأييد ومباركة الإتحاد الأفريقي لمنهج الحكومة المتمثل في الدعوة للحوار الوطني الداخلي، تجنباً لأي وصايا دولية أو تدخلات أجنبية قد تفرض واقعاً جديداً عبر (إختطاف) الحوار الوطني. ولذلك اتجهت الحكومة لإشراك أمبيكي في ملف الحوار الوطني بصفته (شاهداً) ومراقباً لا وصياً ولا مشرفاً. والحكومة قطعاً تدرك أن أمبيكي بحكم إشرافه المباشر على المفاوضات المشتركة بين الحكومة وقطاع الشمال- أحد أهم فصائل الجبهة الثورية- عجز عن إحداث أي تقدم إيجابي في ملف المفاوضات مع قطاع الشمال بحسبان أن قطاع الشمال كان يصر دائماً على إدخال رفقاء الجبهة الثورية (الفصائل الدارفورية) كجزء أصيل في أي تسوية شاملة يهدف إليها منبر أديس أبابا. ولهذا تدفعه الحكومة الآن – أي أمبيكي- لتكثيف جهوده مع الوساطة القطرية بغية نفخ الروح في منبر الدوحة ولو بحيثيات جديدة أهمها عدم ممانعة الحكومة من انضمام الحركات المسلحة للحوار الوطني وتوفير كل الضمانات الممكنة لذلك. بالمقابل تكون الحكومة وأمبيكي – إن أثمرت الجهود مع الوساطة القطرية- قد نجحا في (فك الارتباط) ما بين قطاع الشمال والفصائل الدارفورية، هذا الارتباط الذي استفاد منه المهدي الآن ويوظفه جيداً لصالح تسويق (إعلان باريس). وهو ذات الارتباط الذي ظل يقف عائقاً أمام إحراز أي تقدم في المحادثات المشتركة ما بين الحكومة والحركة شعبية شمال. سباق التأييد الأوروبي الحكومة تدرك أن الاتحاد الأوروبي ظل ولفترات طويلة يلعب دور الوسيط لتجميع أطراف المعارضة السودانية بغية توحيد رؤاها ومن ثم دفعها في إتجاه التقارب مع الحكومة عبر حوار وطني جامع. ولكن المحطة الأخيرة التي تمثلت في (إعلان باريس) ما بين المهدي والجبهة الثورية في العاصمة الفرنسية، هي محطة بالغة الأهمية وقد تُحظى بتأييد أوروبي ودولي إن تجاهلتها الحكومة ولم تقم بعمل مواز يعيد (خارطة الطريق) التي طرحتها آلية الحوار الوطني للواجهة ومن ثم يتم لها حشد التأييد الدولي، خصوصاً وأن الحزب الحاكم أعلن على الملأ عدم تنازله عن قيام الانتخابات في موعدها في 2015م. قام الحزب الحاكم بإبتعاث مساعد الرئيس ونائبه في شؤون الحزب إبراهيم غندور إلى ألمانيا بغية التبشير بخارطة الطريق ومقابلة بعض من قوى المعارضة الموجودة في ألمانيا. وبالفعل التقى غندور بوزير الخارجية الألماني في مباحثات تهدف إلى تناول العلاقات الثنائية بين البلدين. وقدم له تنويراً حول الجهود المبذولة من الحكومة لإنجاح الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عمر البشير، مطالباً ألمانيا بلعب دور بناء في دعم قضايا السودان أبرزها الديون الخارجية. وأكد غندور لوزير خارجية ألمانيا على التزام الحكومة بتقديم الضمانات الكافية للمتمردين والمعارضين السياسيين للمشاركة في الحوار بالداخل. من جانبه، أكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر دعم الحكومة الألمانية لعملية الحوار الوطني، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في السودان، مؤكداً أهمية المرحلة المقبلة في تاريخ السودان والدور الذي يمكن أن يضطلع به السودان في المنطقة. والجدير بالذكر، أن الدكتور علي الحاج، أبرز قيادات المؤتمر الشعبي يوجد في ألمانيا وهو من ضمن جدول لقاءات غندور. وعلي الحاج يعتبر من الرموز السياسية المؤثرة في علاقاتها بالفصائل الدارفورية المتمردة على وجه التحديد. المهدي وسفراء الإتحاد الأوربي من جانبه، نشط الصادق المهدي الموجود حالياً في القاهرة في إتجاه تسويق (إعلان باريس) الذي وقع عليه مع الجبهة الثورية، إنطلاقاً من افتراض المهدي بأن إعلان باريس هو البديل الموضوعي عن الحوار الوطني الذي وصفه بأنه مات ( موتاً سريرياً). وفي إطار تبشير المهدي بإعلان باريس، خاطب المهدي سفراء دول الإتحاد الأوروبي بمقر الإتحاد الأوروبي بالقاهرة، الخميس الماضي، وقال المهدي بحسب (سودان تربيون)، إن حزب الأمة القومي والجبهة الثورية يمثلان قاعدة أساسية عريضة جداً، كما يمثل إعلان باريس اختراقاً تاريخياً لأنه نادى بأهم تطلعات الشعب السوداني. وأضاف أنه منذ ابرام اعلان باريس حظي بتأييد ضخم من الشعب السوداني، وتابع "أدرك البعض داخل الحزب الحاكم وحلفائه هذه الحقائق، ولكن رفض النظام رسمياً إعلان باريس، في الغالب لأن الإعلان احتل موقعاً معنوياً وأخلاقياً عالياً وأمسك بزمام المبادرة القومية من النظام الواقع تحت حصار متعدد الجوانب". وأوضح المهدي أن وسائل تحقيق تطلعات السودانيين التي نص عليها إعلان باريس هي وسائل سياسية سلمية، "إما حوار شامل ذو مصداقية على غرار الكوديسا تحت رئاسة محايدة بمؤهلات موثوقة أو تحريك الشعب لانتفاضة سلمية في وجه عناد النظام". ونبه رئيس حزب الأمة القومي السفراء الأوروبيين بالقاهرة إلى فشل الحكومة في تحقيق السلام بدارفور والمنطقتين "جنوب كردفان والنيل الأزرق" عبر منبري التفاوض مع الحركة الشعبية شمال بأديس أبابا، ومع حركات دارفور المسلحة في الدوحة. وأشار إلى أنه بحلول منتصف العام 2014 أصبح جلياً أن الحوار الوطني الذي تبناه النظام لحل أزمة الحكم "مات موتاً سريرياً" وبنفس القدر تجمدت محادثات السلام. ترى من يكسب تأييد المجتمع الأوروبي ومن ثم المجتمع الدولي في نهاية المطاف؟ المؤتمر الوطني عبر وثيقة (خارطة الطريق) التي أقرتها آلية الحوار الوطني بالداخل؟ أم المهدي والجبهة الثورية وحلفائهم في الداخل عبر وثيقة (إعلان باريس)؟؟. [email protected] الجريدة