ربما هي ملحمة جديدة تتشكل في افق السياسة السودانية من خلال الاتفاق الذي ابرم أمس الأول بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين أحزاب آلية الحوار الوطني والجبهة الثورية واحزاب اتفاق باريس تحت رعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي يقودها ثامبو أمبيكي، وتعد الخطوة مؤشرا جيدا لدى كثير من المراقبين لأنها استطاعت أن تجمع العديد من فرقاء السياسة في السودان سواء أن كان على المسرح الداخلي أو الخارجي، كما ان الترحيب الذي وجده الاتفاق من مختلف القوى السياسية وما خرج به من بنود يمثل تقدما على مستوى الحوار بين الساسة في السودان ويكرس لمبدأ التداول في الفكر والنقاش وصولا الى التداول في السلطة عبر الحوار والديمقراطية كغاية ينشدها الجميع . وقد ابرم ممثلو آلية الحوار الوطني د. غازي صلاح الدين العتباني (الإصلاح الآن) وسعد أحمد عمر (الاتحاد الديمقراطي) على وثيقتين تحمل كل منهما ذات البنود والمضامين مع مجموعة إعلان باريس بشهادة رئيس الآلية ثامبو أمبيكي، واتفاق آخر يقوم على الحوار الوطني والبناء الدستوري وقعه كل من الإمام الصادق المهدي (حزب الأمة) والفريق مالك عقار (الجبهة الثورية) نيابة عن مجموعة إعلان باريس وبشهادة رئيس الوساطة ثامبو أمبيكي. ويتضمن الاتفاق ثماني بنود هي ترتكز على أن الحل السياسي الشامل كخيار امثل لحل كافة مشاكل السودان ووقف الحرب وإعلان وقف إطلاق النار ومعالجة الأوضاع الإنسانية التي يجب أن تكون لها الأولوية القصوى في عمليات إعادة بناء الثقة، مع ضمان الحريات وحقوق الإنسان الأساسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعتقلين المحكومين كأولوية لبناء الثقة وخلق التواصل، ثم البدء في الحوار والعملية الدستورية بعد وضع الأسس والقواعد والإجراءات التي سوف يتم بموجبها الحوار، وأكد الاتفاق أن يكون لجميع المشاركين في الحوار الحق في حرية التعبير عن مواقفهم وآرائهم، كما اتفق الطرفان أن الحوار يجب أن يكون حسب جدول زمني يتفق عليه، يجب أن تتوفر الضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار والبناء الدستوري مع ضرورة مشاركة كل الأطراف لضمان التوصل لتوافق وطني. وقال صالح محمود مسؤول ملف دارفور بالحزب الشيوعي في تصريح له إن الاتفاق يفتح الباب واسعاً للآخرين للانضمام لعملية الحوار، وأكد ترحيبه بالاتفاق مطالبا بضرورة النظر إليه بعين المصلحة الوطنية العليا التي تتطلب تقديم تنازلات حقيقية تسهم في حل مشكلات البلاد مطالباً الجميع بصدق النوايا. ويرى مراقبون أن اتفاق أديس محطة مهمة من عمر الصراع السياسي في البلاد تتطلب توافر عامل الثقة بين الفرقاء السياسيين وتعزيز قيمة الحوار لتفادي الاخطاء التى تلامس اوجه التطبيق، ويخشى كثير من المراقبين أن تعود الامور الى المربع الأول حال حدوث اي تطور ميداني بين الجانبين، مؤكدين أن المؤتمر الوطني الحزب الحاكم يتحمل العبء الاكبر في انجاح هذا الاتفاق من عدمه، وان قضية المعتقلين في رأس النقاط التى تدفع في تعزيز المضى قدما لتحقيق هذا الاتفاق وبدء الحوار الشامل. وقال الأمين السياسي لحزب العدالة والتنمية بشارة جمعة في حديث ل(المستقلة) إن اتفاق أديس ايجابي فى تقديرنا، ويرمي الى تعزيز مسيرة الحوار من خلال ابداء حسن النوايا وجدية الجلوس للحوار، وأكد أن بنود الاتفاق الثمان مستخلصة من خارطة الطريق وإعلان باريس وهى اشبه بالنسخ، وبالتالي فإن إعلان باريس اصبح من البنود الثمانية المتفق عليها، ونفى أن يكون المؤتمر الوطني يجري بالونة اختبار من خلال هذا الاتفاق، مؤكدا أن اختيار ممثلي الآلية يأتي من خلال التكليف الهيكلي لهذه الاحزاب داخل الآلية والمؤتمر الوطني هو ليس إلا حزب بها، وقال من المتوقع ان يستمر اللقاء بين الطرفين لتوحيد الرؤى اكثر في اطار خطة مشتركة برعاية الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي. ويرى محللون سياسيون أن اتفاق أديس ليس فيه جديد وانه معالجة لما تم في إعلان باريس حتى تقبل الحكومة به، ولم يخفوا من أن التفاف الحكومة عن الاتفاق امر وارد طالما انها تتحكم في كل شئ وتحكم على المواقف من نظر واحدة، مشيرين الى أن الرهان لصدق الحكومة في المضي قدما في عملية الحوار مرهون باطلاق المعتقلين ووقف الحرب وإطلاق النار، مع إتاحة الحريات للقوى السياسية كافة بذات القدر الذي يتمتع به المؤتمر الوطني. [email protected]