ولاية تعيش في الأزمات، منذ انشائها في يناير العام 2012، حينما تمت اعادة ترسيم حدود ولايات دارفور وتقسيمها الى خمس ولايات عوضاً عن ثلاث. ولدت الولايتين الجديديتين في دارفور، شرق ووسط دارفور موبؤتين بالصراعات القبلية بين مكوناتها الاجتماعية، رغم ان الانشاء اصلاً جاء نتاج ارضاء لتلك المكونات الاجتماعية، فقد انشأت شرق دارفور وتمت تسمية حاضرة قبيلة الرزيقات الضعين عاصمة لها، واختير احد ابناء الرزيقات وهو عبد الحميد موسى كاشا والياً عليها. في المقابل اختير حيدر قالوكوما والياً لغرب دارفور بديلاً للشرتاي جعفر عبد الحكم، وقالوكوما هو احد ابناء المساليت في الولاية، وجيء به الى المنصب بناءاً على ما اقرته اتفاقية الدوحة لسلام دارفور الموقعة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة برئاسة التجاني السيسي، بينما عين يوسف تبن والياً لوسط دارفور. وانفجرت الصراعات القبلية في هاتين الولايتين منذ وقت باكر لانشاءهما، بيد ان الصراع في شرق دارفور كان اكثر دموية وعنفاً، فرغم ان الاقتتال بين المسيرية والسلامات يتجدد بين الفينة والاخرى في ولاية وسط دارفور، إلا ان القتال بين المعاليا والرزيقات في شرق دارفور كان هو الاعنف، حيث لم يشهد له نظير في تاريخ الاقليم الموبؤ بالصراعات، من حيث ضخامة الخسائر التي لحقت باطرافه.. تدفقت الدماء انهاراً بين القبيلتين في قتال يقول مراقبون ان لا لمبرر له، فتباعدت الشقة بين الطرفين، وغابت الحكمة من عقلاء القبيلتين، وتمكن الثار والانتقام من الجميع.. تحولت ارض الولاية الى ساحة حرب لا يأمن اي من سكانها على نفسه او ماله.. توسعت عملية الفرز الاجتماعي بين مكونات الولاية، وتم تهجير كل ابناء المعاليا من حاضرة الولاية الضعين، باعتبارها من مناطق الرزيقات، والعكس كذلك لم يبقى شخص ينتمي الى قبيلة الرزيقات في مناطق المعاليا. وبعد ان وصلت الاوضاع في شرق دارفور الى منحنى خطير قارب من الخروج عن طوع الدولة وايرادتها، تحركت اخيراً ممثلة في مجلس الولايات الى انقاذ ما يمكن انقاذه، وسارع مجلس الولايات باستدعاء وزير الدفاع لمعرفة الجهود المبذولة لملمة شمل القبيلتين الذي تفرق ايدا سبأ. وفي مجلس الولايات أمس حمل وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين غياب الجهاز التنفيذى بالولاية مسؤولية الصراع القبلي بين مكونات الولاية الاجتماعية. وكانت شرق دارفور في حالة فراغ دستوري منذ تعيين الوالي الحالي العقيد ركن الطيب عبد الكريم واليا على الولاية اواخر العام الماضي، حتي الاسبوع الاخير من اغسطس الماضي، حيث اعلن حكومتة ولايته. ولفت وزير الدفاع أمس الى ان غياب الجهاز التنفيذى بولاية شرق دارفور اسهم كثراً فى تاجيج الصراع بين المعاليا والرزيقات، وتساءل في إطار رده عن اتهامات نواب المجلس لوجود تقصير من القوات النظامية، تسأل عبد الرحيم عما يجب ان تفعله القوات المسلحة والشرطة حيال الصراع فى ظل غياب الجهاز التنفيذى للولاية. واضاف قائلاً "ولاية بها رجل واحد يدير كل المؤسسات لوحده". في وقت تعهد بدعم القوات المسحلة لقوات الشرطة حتى تتمكن من بسط هيبة الدولة وتفرض القانون فى تلك الانحاء. وفي ظل تنامي الاتهامات بوجود جهات تنفيذية متورطة في تأجيج الصراع بين المعاليا والرزيقات، توعد وزير الداخلية الفريق اول ركن عصمت عبد الرحمن خلال تقرير قدمه امام مجلس الولايات عن الجهود المبذولة لايقاف القتال بين المعاليا والرزيقات امس، بملاحقة ومحاكمة كل من يثبت تورطه في تاجيج الصراع بين القبيلتين، موكداً وقوفهم الى جانب تحقيق العدالة وبسط هبية الدولة، وكشف عن توجيه تهم بموجب المادة "130" القتل العمدة لعدد من جرحى القبيلتين تم التحفظ عليهم بالخرطوم. كما كشف وزير الدولة بالعدل مولانا محمد احمد ابوزيد عن تشكيل لجنة مشتركة بين العدل والدفاع والشرطة والامن للتحقيق فى ملابسات الصراع، موكداً عزم وزراة العدل اعمال القانون على كل من يثيت تورطه فى الاحداث. ونفى وزير الداخلية صحة الاتهامات الموجه لقوات الشرطة بالاشتراك فى الصراع الدائر بين القبيلتين، وقال ان وزراته سعت منذ اشتعال الصراع الى الحد منه بالفصل بين الطرفين. من خلال تحريكها لاكثر من 6 سرايا الى مناطق النزاع، فضلاً عن نشر اكثر من 646 جندى موجودين اصلاً بالمنطقة. ورغم ان وزير الدفاع اقر بوجود صعوبات تحول دون جمع السلاح من القبائل المتقالتة بدارفور، على راسها اتساع حدود البلاد وعدم استقرار الكثير من الدولة التى تحيط بالبلاد. إلا ان وزير الداخلية اكد ان قوات الشرطة لديها خطة شاملة لجمع السلاح فى تلك المناطق، مقراً بامتلاك البعض لسيارات تحمل مدافع وسلاح ثقيلة على ظهرورها. وبعد ان تمكنت روح الحرب من الجميع في الولاية، وادت الى وقوع احداث دامية، ابرزها ما وقع في ادارية ام راكوبة التابعة لمحلية ابكارنكا، في الثاني والعشرين من اغسطس الماضي وراح ما يقرب الاربعمائة شخص ما بين قتيل وجريح، فضلاً عن احراق اجزاء واسعة من المنطقة. بعد كل هذا انتقلت المعارك الى ابناء القبيلتين بالخرطوم، حيث تباروا في اقامة التظاهرات الاحتجاجية كل ضد الطرف الاخر، وشهد البرلمان والقصر الجمهوري وقفات احتجاجية لابناء المعاليا تطالب بما اعتبرته حربا يتعرضون لها. وفي المقابل تظاهر ابناء الرزيقات كذلك امام البرلمان رافعين لافتات لا تعترف بوجود المعاليا في الولاية، ورسمت على لافتاتهم خريطة تبين حدود اراضيهم من كل الاتجاهات حيث لا وجود للمعاليا في تلك الخرائط. تتابعت بعدها الاحداث في اتجاه التصعيد دون ان يتدخل حكيم يعيد الامور الى نصابها وينزع فتيل الفتنة المستعرة بين القبيلتين، وفي مطلع سبتمبر الجاري قاد ابناء المعاليا في محليات عديلة وابوكارنكا ومناطق اخرى، تظاهرات احتجاجية ضد حكومة شرق دارفور، واغلقوا الدواوين الحكومية بمحليتي "ابو كارنكا" و"عديلة" واستولوا علي عربة احد المسؤولين احتجاجا على إعلان تشكيل حكومة شرق دارفور، ومشاركة أبناء المعاليا في المناصب الدستورية، وامهل المحتجون قياداتهم التي اختيرت في حكومة شرق دارفور (24) ساعة لتقديم استقالاتهم من حكومة الولاية، ولم يذهب هؤلاء الى اداء القسم. وبعد مرور اكثر من عشرين يوماً على تلك التظاهرات الاحتجاجية، وفي غياب الاجاويد والدولة والجهات المنوط بها تعجيل قيام مؤتمر الصلح بين القبيلتين، ووضع حد للشقاق المتزايد، اقدم جميع الدستوري من ابناء المعاليا على مقاطعة ولاية شرق دارفور فعلياً، بجانب تقديم الثمانية من وزراء ومعتمدين ومستشارين، الذين تم اختيارهم في حكومة شرق دارفور استقالاتهم من مناصبهم. فضلاً عن (12) أخرين من أعضاء المجلس التشريعي بالولاية. وعقد ابناء القبيلة السبت الماضي مؤتمراً صحفياً بالخرطوم اكدوا فيه أن جميع الدستوريين وأعضاء المجلس التشريعي من أبناء المعاليا قدموا استقالاتهم وسلموها الى الإدارة الأهلية ممثلة في ناظرها محمد أحمد الصافي كما تقرر تشكيل لجنة لتسليمها إلى الجهات الرسمية في الدولة والحزب الحاكم. وأعلنوا مقاطعتهم لولاية شرق دارفور "سياسيا وإداريا" وأن جميع قواعد القبيلة وقطاعاتها المختلفة ملتزمة بقرار المقاطعة. ووضعت القبيلة امام الدولة ثلاث خيارات لتوفيق الأوضاع، أولها قيام ولاية خاصة بهم في المنطقة، وثانيها التبعية لولاية شمال دارفور، وثالثها قيام وضع إداري شبيه بوضع منطقة (أبيي) تتبع فيه منطقتهم الى رئاسة الجمهورية مباشرة. واستبعدوا تماماً البقاء في شرق دارفور. لكن في المقابل نفى وزير الحكم اللامركزى فرح مصطفي أمس تسلم الحكومة المركزية استقالات من دستوريين بولاية شرق دارفور، وقال ان الامر يراد به احدث نوع من البلبة. وكان نائب رئيس مجلس الولايات بدوى الخير ادريس طالب خلال جلسة المجلس أمس، بالوصول الى اطراف النزاع الحقيقين عند عقد مؤتمرات الصلح، وقال ان الحكومة ظلت تقيم مؤتمرات الصلح باستمرار لكنها تنهار بعد شهر من توقيعها، لجهة ان الحكومة اهملت التوصل الى من يأججون الصراع. داعياً الى اعمال القانون وفرض هبية الدولة على الجميع دون مرعاة لقبيلة او جنس. [email protected]