لئن كانت الإتفاقيات الموقعة في مطلع سبتمبر الجاري بالعاصمة الأثيوبية بين (مجموعتي 7+7 ومجموعة باريس) تهدف للدفع بعملية الحوار الوطني والبناء الدستوري ، فإنها تؤكد علي جدية الأحزاب السودانية والحركات المسلحة على الدخول في حوار وطني شفاف،ولعل هذه الخطوة قد وضعت الكرة في وسط الملعب فقد أعطت الجبهة الثورية إعترافا ضمنيا كما أنها أعطت الحكومة تطمينات فلا تفكيك للنظام ولا إزالة له بالقوة ،ولكن هنالك أسئلة تدور في الذهن والخاطر لا بدّ من الاجابة عليها هل الصراع بين القوي الوطنية والاحزاب السياسية والنظام هو مجرد صراع علي الكرسي؟ أم هنالك فعلا أزمة بالبلاد وتحتاج أن يقف الكل بتجرد لصالح الوطن؟ وماذا عن المواطن الكادح الذي يمضي كل نهاره ونصف ليله في العمل ولا يستطيع توفير قيمة(قفة الملاح)؟ المواطن الذي أضحت علاقته بالدولة علاقة جباية وقهر وإستعلاء هل يقبل بهذه التسوية البائسة علي حساب صحته وتعليمه وغذاء ابنائه؟ إن المتأمل لمواقف الأحزاب السياسية السودانية يلحظ بصورة واضحة جلية أنها تفتقر لمقومات الحزب الأساسية وتنعدم عندها الرؤية العلمية الثاقبة والتخطيط السليم للمستقبل وتنشط عندما تقترب من النظام ثم تهمد وتكاد تتلاشي عندما تبتعد عنه ، وكأنها تستمد أسباب وجودها وبقاءها من رضي النظام عليها ،كما أنها تعاني من إنقسانات حادة في صفوفها تجعلها غير قادرة علي إنشاء نظام ديمقراطي يرضي طموح الملايين من أبناء شعبنا ويخرج البلاد من محنتها وُيمكن من بناء دولة مدنية تحفظ وحدة وسلامة أرض الوطن، لذلك تلجأ دوما للتصالح مع النظام أو التحالف معه لتبقي علي السطح، غير ان النظام الذي جاء ليخرج الناس من ظلمات الأمس لا يتختلف عنها كثيرا فقد اثبتت تجربة الحكم أنه لا يمتلك رؤية متكاملة لمشروع الدولة السودانية وظلّ يتخبط يمنة ويسرة في قراراته وفي سياساته مما أورد البلاد موارد الهلاك وزاد من طول ليل العتمة والألم، فالحزب الحاكم الذي يزعم أن الحوار الوطني طريق لا بدّ من المرور عبره لإحداث التغيير المنشود لصالح السلام والتنمية والبناء الدستوري يضع العقبات والعراقيل أمام من إرتضوا هذا الخيار، بل يذهب لأبعد من ذلك بشروعه في مقاضاة السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وإمام طائفة الأنصار بشأن إتفاق باريس والذي قبلت به مجموعة الحوار الوطني المفوّضة من قبل الحكومة ، وهذا الأمر يجعلنا نتعجب كثيرا من حالة الإرتباك والإضطراب التي تسيطر علي صانعي القرار في الحزب الحاكم...! ، فالمؤتمر الوطني الذي أسرع باخراج بيان يؤيد ما تم التوقيع عليه بين موفدا لجنة الحوار الداخلي (غازي صلاح الدين وأحمد سعد عمر) مع الحركات المسلحة هو نفسه الذي يسعي لمحاكمة السيد الإمام ، مما يجعلنا علي ثقة ويقين أن كل الذي يجري هو صراع حول الكرسي ليس إلا... , وان الوطن والمواطن لم يعودا في معية وهمموم المتصارعين وإن علا صراخهم وطال البكاء. غير أن الذي يتعامل معه سادة الحكم وقادة الأحزاب بجهالة ولا يكترسون له هو صوت الأغلبية الصامتة والتي يئست من حدوث أي إصلاح في ظل هيمنة وسيطرة النظام الحالي علي مفاصل السلطة ، وقد تولدت لديها إرادة غالبة للتغيير فلم يعد في الأفق ما يدعو للصبر أو التصبر وهي تشاهد أهل الحكم يتجاهلون همومها وقضاياها الأساسية وهم يهرعون لحوار الساسة وحملة السلاح حوارا تتناقض فيه الأفعال مع الأقوال ويظهر من خلاله قبح المتحاوريين وأطماعهم في إقتسام كيكة السلطة والثروة التي لم يبزلوا مجهودا يسيرا لإستغلالها وتسخيرها لرفاهية الشعب وإيقاف معاناته ،وهي معاناة مصنوعة بفعل السياسي الفاشل الذي يكنز الثروات لصالح رهطه وعشيرته وعصبته وحزبه وكل هذا يحدث بإسم المواطن الكادح والوطن الجريح، لذلك لا يمكن إحداث أي تسوية سياسية دون النظر بعين الإعتبار للواقع المعيشي المزري الذي تتسع فيه دائرة الفقر يوما بعد يوم. الشعب السوداني الذي عُرف بعِشقِه للحرية والسلام صبر كثيرا علي الفشل الزريع والواقع المرير الذي لازم أنظمة الحكم منذ مطلع فجر الإستقلال وحتي يومنا هذا ولم يعد في إمكانه تحمل المزيد من الرهق وحصاد السراب وهو اليوم يتطلع بإرادة غالبة وبصيرة نافذة لمستقبل مشرق لا يقبل فيه أنصاف الحلول ولن يثنيه عن عزمه إدعاء كازب أو يمين حانث أو كيد خائن فقد إستوي علي صعيد واحد شطر الحرية والتحول الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات وسيبلغ بغيته ما تعاقب الليل بثبات بنيه وعزمهم علي ضرورة التغيير وإدراكهم أن الأماني لا تبلغ بالتمني وإنما بأيام يشبن النواصيا يخلدن كل من خط علي التاريخ سطرا من دماء. ختما إن الخرطة السياسية وحقبة الحكم القادمة في البلاد سيشكلها الشعب بوعيه وقهره لكل ظروف القعود والإنكسار فعلي القوى الوطنية اللحاق بقطاره وأخذ أماكنها حتي لا تلفظ وتكون خارج اللعبة أما أهل الحكم إن لم تكن لهم يدا فاعلة في التغيير لصالح الوطن فإن مستقبلا مظلما ينتظرهم ومصيرا منكرا. أحمد بطران عبد القادر [email protected]