بسم الله الرحمن الرحيم الحوار المثمر .. البعيد المنال بقلم السفير / الأمين عبدالطيف يقال أن سفينة محملة بالهروات وصلت ميناء بورتسودان من الصين (لزوم الحوار الوطني ... حوار صيني مشهود (لها به). الرئيس في مؤتمر القمة العربي الأخير ... يوصي القادة العرب بتلبية مطالب شعوبهم ... اسوة بشعب السودان !؟ الرئيس يقول في بورتسودان ... ( أن كل من يفكر في تفكيك الانقاذ وأهم ) ... نفكر في تفكيك دولة الحزب ... وسوف تتفكك الانقاذ تلقائياً. ظل نظام الانقاذ منذ استيلائه على السلطة في 30/6/1989م وحتى أخر خطاب الوثبة في 23/3/2014م وتجمع الحوار الوطني 6/4/2014م يدغدغ مشاعر الشعب بالوحدة الوطنية والحوار الوطني والوفاق الوطني ولكن كان في واقع الأمر يفعل لكما من شأنه اطاله عمره وتقوية قبضته وسيطرته على مقاليد الحكم والدولة وتقوية نفوذه حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تمزيق لوحدة الوطن بفصل الجنوب واتساع بؤر الحرب في كل أطراف الوطن وانهيار الاقتصاد وتفكك النسيج الاجتماعي وكادت الدولة ان تنهار اذا لم تنهار بالفعل دون محاولة جادة من قبله لتطبيق وتنفيذ شعاراته التي ظل يرددها دون كلل أو ملل والشعب يتفرج بكل سخرية. عقدت المؤتمرات والندوات للحوار وقامت لجان للحوار (الجزولي – دفع الله الحاج يوسف – المرحوم فتح الرحمن البشير) والمشير سوار الذهب عقد مؤتمرين وكلها بايعاز وتشجيع من النظام ... فماذا كانت نتائج توصيات تلك الحوارات والمؤتمرات خاصة مؤتمري المشير سوار الذهب والتي كانت توصياتها لا تختلف عما وصف الآن بخطاب الرئيس بتاريخ 23/3 بخطة الاصلاح وان السودان يهئ لوثبة وطنية للاصلاح الشامل من بناء دستوري لنظام حكم يرتضيه كل أهل السودان عبر دستور غير محاصر بالانتماءات الحزبية وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ كلام جميل يتمناه كل حادب على هذا الوطن وللأسف هذه هي نفس التوصيات التي خرج بها مؤتمر المشير سوار الذهب في اكتوبر 2000م ويبقى السؤال اذا كان النظام جاداً وحريصاً على كل ذلك لماذا انتظر 14 عاماً ثم يخرج بنا الآن بنفس الشعارات. لماذا قبل بتلك التوصيات ولماذا لم ينفذها خاصة اذا قرأنا ما قاله السيد النائب الأول أنذاك حينما سلمت له تلك التوصيات ... فماذا قال ( أن الدولة عند وعدها وكلمتها باستصحاب هذه التوصيات والعمل على انفاذها والسعي لتجسيدها في واقع حياتنا السياسية في مستقبل الأيام زاداً تتقوى به على العزم الأكيد الذي يجمع كلمة أهل السودان وبسط الأمن والسلام بين ربوعه واقامة ميزان العدل والمساواة بين شعبه ومواطنيه) ثم وصف المؤتمر بالشهد قائلاً (أن أهل السودان سيتذوقون طعمه في مقبل الأيام مسيرة وعزماً دافعاً لوحدة الصف التي لن تغيب عنا ولن نتوانى في بلوغها). لكن الشعب تذوق العلقم خلال 14 عاماً للأسف وماذا قال الرئيس حينما) سلمت التوصيات: ( نعهد بالعمل خلال المرحلة المقبلة على مكافحة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية وارساء دعائم السلام والوحدة الوطنية). ما بلغ الحديث وما اعجز الفعل !! فماذا بعد هذا ... وكيف نثق الآن ما نسمع وأننا على أعتاب وثبة تكرر فيها القول والوعود والأمنيات ... ولماذا انتظرنا 14 عاماً لينفذ ما قبلناه أنذاك ونقوله الآن ... أي مصداقية... لماذا لم تتخذ قرارات اتخذها تجمع جمع كل فصائل الشعب ولم يكن روشتة نظام كانها هبة للشعب , الحوار الوطني الحقيقي والجاد ليس منحة أو هبة من حاكم والا يصبح ومناورة سياسية لا قيمة له... الحوار الوطني يكون نتيجة حس وطني صادق وامين يقدر الظروف التي يمر بها الوطن لاخراجه من الهاوية التي ينزلق إليها بسرعة وما لم يتوفر ذلك الحس والرغبة الأكيدة والإرادة السياسية القومية والحقيقة التي تعلو فوق المصالح الحزبية الضيقة والفئوية الضحلة لن ينجح أي حوار ويصبح عبثاً وتضليلاً ... فهل النظام الآن حقيقة جاد ام ان الصراعات الداخلية تجعله يناور أم ان الأزمة الاقتصادية والحصار الذي نواجه والحروب التي استفحلت نفرض عليه مؤقتاً هذا الحوار حتى تنجلي الأمور كالعهد به دائماً خاصة اذا وضعنا في الاعتبار تلك التصريحات المتضاربة والمتناقضة والأفعال التي تناقض ما قبل ... السيد الرئيس يقول أنه وجه الولاه بتنفيذ ما جاء بخطابه فوراً ... وزير الدولة بالاعلام يقول ان القرارات تحتاج إلى وقت للتنفيذ ... وزير العدل يقول انه وجه باطلاق سراح المعتقلين فوراً ... المسئول السياسي بالحزب يقول ان الحزب سيكون على قدم المساواة مع بقية الأحزاب بينما الممارسة تكون عكس ذلك ... يتحدث 18 من الحزب وانصاره و 7 فقط من المعارضة باختيار دقيق لهم. ثم اعتقال قادة حزب الاصلاح الآن ومنعهم من اقامة ندوة ثم مصادرة جريدة الميدان وغير ذلك في أقل من 24 ساعة من خطاب الرئيس وعقد مؤتمر الحوار والكل ينكر مسئوليته في ذلك... من المسئول ؟ أين الدولة ؟ اذا كان الحزب جاداً وصادقاً بحق لتحقيق ما طرحه فهو سوف يحتاج إلى جهد كبير لسد الفجوة (الهوه) في الثقة بينه والشعب اولاً والمعارضة ثانياً بربط الأفعال بالأقوال لأن تجربة 25 عاماً من الكذب والخداع والتضليل من الصعب أن تزول بين يوم وليلة خاصة اذا تكرر المشهد بتضارب الأقوال بالأفعال ... النظام سيواجه عوامل كثيرة تحول دون تنفيذ ما طرحه حتى اذا افترضنا حسن الظن واستعادت الثقة... أول هذه العوامل طبيعة المنتفعين من الوضع الحالي من جيوش الوزراء ووزراء الدولة والولاة والمعتمدين وغيرهم من الذين ذاقوا حلاوة الحياة على حساب الشعب الصابر في ظل نظام قمعي دون رقيب أو حسيب ففسدوا وافسدوا ولذلك ليس من السهل التخلي عن مصالحهم بسهولة لأن المصلحة الذاتية للأسف أصبحت تطغى على المصلحة الوطنية ... فكيف سيعالج الحزب هذا الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل عديدة داخل الحزب نفسه ... ثانياً هناك أحزاب التوالي من مصلحتها بقاء هذا الوضع فهي أصلاً انسلخت عن أحزابها الأم بفعل النظام واستفادت من الوضع الحالي وأي تغير سوف يكون من غير صالحها وسوف تخسر فهي سوف لا ترجع إلى أحزابها الأم ولا هي سوف تجد نفس الوضع اذا حدث التحول والوثبة ... ثالثاً الحزب نفسه سيقبل ان يكون مجرد حزب كالأحزاب الأخرى اذا انفصل عن الدولة اذ بما تفكيك الحزب من الدولة سوف يؤدي إلى تفكيك الحزب نفسه لأنه حتى شعار التوجه الحضاري قد فقد بريقه وتاريخياً أي حزب ارتبط بالدولة ثم انفصل عنها كان مصيره الضياع (الاتحاد الاشتراكي هنا والحزب الشيوعي بروسيا). هناك عناصر خارجية (نمسك عن ذكرها حالياً قد تلعب دوراً مهماً في عدم تشجيع النظام السير في طريف مصالحة وطنية حقيقية قد تفقده السلطة بحسبان أنه أي النظام والوحيد الباقي له في سلطة مطلقة وبالتالي هو الملاذ الوحيد لهم وهذا يتوقف بالطبع على مدى قوة ارتباطهم ونفوذهم ( قد تخلق فتنة داخل النظام ظهر اثرها في دنقلا وكسلا والخرطوم – ثلاثة أشخاص يحكمون السودان. هناك أيضاً مشكلة خارج اطار الحزب ولكن للحزب ضلع فيها وسيستقلها وسيستفيد منها وهي صراعات المعارضة بكل فصائلها ... الحزب الاتحادي الأصل حسم أمره وشارك النظام لأنه يريد أن يحافظ على مصالح بعض قادته بحسبان ان كل من حزبي الأمة والمؤتمر الشعبي هما الأقرب للنظام ويخشى أن يشاركا النظام ويجد نفسه في العراء ولذلك كان سباقاً في الانضمام رغم معارضة كل قواه السياسية حزب المؤتمر الشعبي يدفعه الحنين إلى وحدة الحركة الإسلامية وفي عقله الباطن ما حدث بمصر ولذلك يدفعه الحنين إلى قبول الحوار وربما المشاركة ولكن هناك جرح عميق يؤرقه ويدفعه إلى تصفية الحسابات ... وحزب الأمة يرى ان المؤتمر الشعبي قد يتحد مع النظام والاتحادي الأصل سبق وشارك وهو لا يريد ان يجد نفسه معزولاً ولذا نرى الصراع داخله ... ومن هذا يتضح ان هذه الأحزاب لا تثق في بعضها لأنها لم تتفق على الحد الأدنى للتعامل مع النظام والنظام سعيد بذلك ويتلاعب بهم وحتى في الجانب العسكري فالنظام استطاع اختراقهم ومزق وحدتهم إلى عدة فصائل لا اتفاق بينها بل معارك فيما بينها. ففي ظل هذا الجو يبقى السؤال لماذا يريد النظام ان يفقد السلطة طالما ليس هناك ما يهدده على الأقل من قبل هؤلاء ... أما الشعب فهو حسب تقديره كفيل به باستعمال أسلوب القمع والقتل والتشريد الذي مارسه خلال 25 عاماً الماضية ولكن هل هو واثق من ان ذلك سوف يستمر إلى ما لا نهاية تجربة سبتمبر خير دليل وما حدث حولنا خير شاهد فالشعوب تصبر ولكن للصبر حدود خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المنهار والحروب الدائرة والانهيار الوشيك للدولة لكل من يراقب ويفهم. بالرغم مما أشرنا إليه فأننا قد نقول انه ربما هناك صحوة ضمير وادراك سياسي واعي الآن وحس وطني استيقظ وضع مصلحة الوطن فوق كل شئ يقود الى الاصلاح المنشود والايام القادمه سوف توضح وتبرهن عما اذا كان النظام بحق وصل سن الرشد السياسى ووضع مصلحة الوطن فوق المصلحه الحزبيه الضيقه الفئوية الضحله ام انه سوف يعاند ويسير في نفس الطريق الوعر الذى سوف يقود في النهايه الى نهايه الحزب نفسه والى تفكيك الوطن اكثر ... النظام مطالب الان بتوحيد خطابه السياسي بصدق وامانه فالخداع والمناورة كشف امرهما ولن تنطلى بعد الان وعليه مصالحة الشعب ويبرهن له عملياً انه خادمه وليس سيده ويترك التعالي والغرطسة و الوصاية ... والمعارضة سواء سياسية أو عسكرية عليها توحيد صفوفها لأنهما يكملان بعضهما البعض ويتفقان على الحد الأدنى الذي يجبر النظام على الدخول في حوار جاد وصادق وامين ويكمل مسيرته التي أقترحها والا فان الكل سوف يدفع الثمن. الحوار يبدأ بأجندة واضحة ومحددة وخلاصة الحوار تنفذه آلية والا يصبح عديم الجدوى والآلية لابد من أن تقود إلى حكومة انتقالية ( قومية أو تكنوقراط سمها ما شئت) يقبلها الجميع لتنفذ برنامجاً متفق عليه أتمنى ان تستمر لمدة 2 – 3 سنوات ... نضع دستوراً يقر نظام الحكم – لي تخوف شديد من النظام اللامركزي في دولة لم تتكون فيها امة بعد ... فيها امية سياسية طاغية (طائفية ... قبلية ... جهوية ... عنصرية... دينية ... جهل وامية لأكثر من نصف الشعب) وحروب بها اقتصاد منهار لأن النظام اللامركزي يحتاج إلى اقتصاد قوي لذلك ما لم تتكون حكومة مركزية قوية وفاعلة تعمل لمصلحة المناطق المهمشة بالتوازي سوف يقود النظام اللامركزي إلى تفتيت وحدة الوطن أكثر ... حكومة تعيد هيكلة الدولة بما يتناسب وظروفها ... تحقق السلام في ربوع الوطن ... نعالج الاقتصاد وتعيد الثقة للشعب وتعيد ما تبقى من وحدتنا و ترتق النسيج الاجتماعي ... وتفكيك دولة الحزب وإعادة الحياة لمنظمات المجتمع المدني والنقابات لتلعب دورها الرائد في المجتمع وتعيد النظر في قانون الأحزاب من الفوضى السائدة باسم الديمقراطية المفترى عليها تحسين علاقتنا مع مجتمعنا الاقليمي والدولي ثم اجراء انتخابات حرة ونزيهة. لأن اجراء انتخابات في ظل دولة الحزب عبث بالديمقراطية ذلك هول الحل الذي يقود إلى الوثبة والاصلاح بحق ... فهل آن الآوان لذلك ؟ وهل سيتحقق ذلك نأمل ... الأمين عبداللطيف سفير بالمعاش [email protected]