تنفس الشعب اليمني الصعداء بعد أن هبت عليه رياح الربيع العربى وتمكن من إنهاء حكم الاستبداد والتسلط الذى وقف على رأسه الرئيس السابق على عبد الله صالح وأولاده وبطانته. إلا أن فرحة الشعب لم تدم طويلاً حيث اختلطت الأوراق وعاد على عبد الله صالح وحزبه المؤتمر الشعبى مرة ثانية واحتل مكانة مؤثرة فى صفوف القوى السياسية المسيطرة على المسرح السياسى. احتفظ على عبد الله صالح بالقاعدة الاجتماعية التى كان يرتكز عليها والتحالفات التى بناها على مدى ثلاثة وعشرون عاماً مع قادة وشيوخ القبائل خاصة قبيلة حاشد. كما أن الأقرباء الذين جمعوا الثروات ومسكوا بمفاصل الاقتصاد ظلت علاقته بهم متصلة لم تنقطع. أهم ما فى الأمر أن جهاز الدولة بما فيه العسكريين والمدنيين الذين كانت لهم مواقع مؤثرة فى هرم السلطة احتفظوا بصلاتهم وولائهم للرئيس السابق على عبد الله صالح. على الصعيد الخارجى احتفظ على عبد الله صالح بعلاقته بالمملكة العربية السعودية التى ساندته وأعانته طيلة فترة حكمخ السابقة. أكبر خدمة قدمها خادم الحرمين لعلى عبد الله صالح هي إنقاذ حياته بعد محاولة الانقلاب التى تعرض لها وتوفير العلاج له وإرجاعه سالماً لليمن ليواصل ويلعب الدور الذى رسم له وينفذ المهمة التى عهدت له. لا يغيب عن البال أن على عبد الله صالح بما يملك من دهاء وخبرة فى إحاكة المؤامرات أصبح يحسب له كل حساب فيما يحدث فى اليمن اليوم من عنف وتخريب وزعزة للوحدة الوطنية وإفشال مخرجات الحوار التى توصلت اليها المكونات السياسية فى إطار مؤتمر الحوار. اللاعبون الجدد الذين حملوا راية تفكيك اليمن وتقطيع أوصاله وجمعوا المال وامتلكوا السلاح هم الحوثيون أنصار حزب الله بزعامة عبد الملك الحوثى. جعلوا من صعدا قاعدة لهم واحتلوا عمران والجوف وأحكموا سيطرتهم عليهما ومن بعد انطلقوا نحو صنعاء التى كادت أن تسقط فى أيديهم بعد أن استولوا على مراكز هامة فى رئاسة الدولة بما فيها مبنى الإذاعة التى حرقوا أجزاء كبيرة منها. حوصرت صنعاء بواسطة آليات وقوات الحيثيون من كل الجهات وانتشرت جماهيرهم بقيادة حزبهم أنصار الله فى كل شوارع العاصمة ونشروا الرعب والخوف ودمروا مساكن من خالفهم الرأي من السياسيين ومسئولين فى الدولة ونتج عن سلوكهم الهمجى سقوط أعداد من المواطنين. عملية الحشد والتحشيد صاحبتها عملية سياسية وفكرية عبر فيها رئيس الحزب ورئيس الحوثيين عبد الملك فى خطابه الموجه للشعب اليمنى والذى أطلق عليه خطاب النصر الذى تضمن مطالب الحركة والتى شملت ثلاث مطالب رئيسية أولها الغاء قرار الحكومة القاضى برفع سعر المحروقات وثانيهما تكوين حكومة جديدة فى مكان الحكومة القائمة ثم تنفيذ مخرجات الحوار. على الرغم من استقالة رئيس الوزراء السيد باسندوة واستجابة السيد الرئيس عبد ربه منصور بإلغاء الزيادة فى قيمة المحروقات وتكوين لجنة لإدارة الحوار مع قيادة الحوثيين حول مطالبهم إلا أنه لم يحرز أي تقدم نتيجة الموقف المتصلب للقيادة الحوثية. الحوثيون ناصبوا كل القوى السياسية العداء بما فيها حزب الاصلاح حزب جماعة الاخوان المسلمين الذى تعرض لنيران قواته وعليه أوصد الحوثيون الباب أمام أي طرف ثالث للتدخل لحل الأزمة. أخيراً لم يبق من فعل شيء سوى أن يتدخل السيد جمال بن عمر مندوب الأممالمتحدة الراعى المشرف على مبادرة مجلس التعاون الخليجى. استطاع السيد جمال بن عمر أن يعقد اجتماعاً حضره الى جانب الطرفين الحكومة والحوثيين ممثلين عن الأحزاب السياسية المختلفة والتى طرحت للمناقشة تضمنت جانبين سياسى وأمنى وكان من المفترض إجازتها والتوقيع عليها إلا أن الحوثيونن وافقوا على الجزء الأول ورفضوا التوقيع على الجزء الثانى المتعلق بالأمن. حتى كتابة هذه السطور يوم 24 سبتمبر 2014 لم يطرأ شيء جديد ومازالت الأزمة تروح مكانها. وحسب تقديرى واعتقادى حتى لو تمت الموافقة على الوثيقة وتم التوقيع عليها فإن فرص حل الأزمة تظل ضعيفة لأن جذور الأزمة عميقة وليس هنالك من إمكانية للتوصل الى حلها إلا بتوفر الظروف والشروط التى تسمح بانتقال المجتمع اليمنى من الواقع الذى يعيشه اليوم الى واقع جديد تشارك فى صنعه كل القوى الحية الفاعلة دون إقصاء أو تهميش. إنعقاد مؤتمر الحوار الوطنى وما توصل إليه من مخرجات كان من الممكن أن يعتبر خطوة أولى فى الطريق الطويل المفضى الى الواقع الجديد المنشود. الواقع الذى عاشه الشعب اليمنى ومازال يعيشه اليوم ابتداء من عهد نظام الإمامة مروراً بتجارب الوحدة والانفصال لم يبشر البته بشيء من الأمل فى انبلاج فجر جديد يبشر بحياة جديدة بل إن الواقع أصبح أكثر تعقيداً فى ظل الظروف الجديدة التى تتداخل وتتشابك فيها العوامل الداخلية مع الخارجية والعكس صحيح. ليس خافياً على كل متابع لمجريات السياسة فى اليمن أن تدخل القوى الخارجية فى الشأن اليمنى الداخلى والانتماء للمحاور المتنافسة والمتصارعة قد سبب ضرراً بليغاً بتطور المجتمع اليمنى حاضراً ومستقبلاً. اليمن للأسف الشديد اصبح ساحة نفوذ تتصارع عليها القوى الكبرى العالمية والعربية التى تشهد الصراعات الطائفية والمذهبية الداخلية، وعليه غابت الهوية الوطنية والوحدة الوطنية. السؤال الذى يطرح نفسه هو: أليس من حق الشعب اليمنى أن يستكمل وحدته الوطنية ويتفرغ لبناء دولته المدنية المستقلة الديمقراطية المنوط بها تحقيق الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لليمنيين بغض النظر عن الانتماء الطائفى المذهبى والسياسى؟ هل هذاممكن التحقيق أم أنه من رابع المستحيلات؟ فى تقديرى أن تحقيق ما يصبوا ويتطلع اليه الشعب اليمنى ليس من رابع المستحيلات إذا توحدت إرادة الشعب ووضعت القوى السياسية المؤتمنة على قيادة البلاد مصلحة الشعب فوق مصلحة الأفراد والجماعات التى انخرطت واصبحت جزءاً من المحاور والتيارات السياسية التى تسعى لبسط نفوذها وتحقيق أهدافها ومآربها فى العالم العربى. أخيرا وبعد أن عم التوتر والفوضى ربوع اليمن وكادت ان تدخل فى حرب أهلية وافق الحيثيون على المبادرة بشقيها السياسي والأمني والملفت للنظر اعلان الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية ترحيبهما بالمبادرة بناء عليه استطيع القول وللأسف الشديد أن اليمن السعيد لن يشهد أمناً واستقراراً طالما أن قضيته اصبحت مرتبطة بصراع القوى الكبرى الساعية الى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.