فذلكة : واحد وعشرون اكتوبر من العام اربعة وستون ونسعمائة والف ، كان المجد على موعد مع التاريخ ، إذ أضاف اليه الشعب السودانى مجدا جديدا سُجل فى مُدونة تاريخ الانسانية . هل من اكتوبر آخر ؟ تمر علينا الذكرى الخمسون لثورة اكتوبر المجيدة والبلاد تمر بمرحلة تاريخية حرجة ، بعد ان ادخلتها الزمرة الحاكمة فى دوامة من الازمات المتلاحقة التى ظلت تطرد بمتواليه هندسية منذ اول يوم لاستلامها السلطة وحتى كتابة هذه السطور ، فقد تدهورت الاوضاع بصورة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ السودان الحديث ، فالاقتصاد والذى يعتبر راس الرمح لأى عملية تطور تنشدها المجتمعات التى تروم التقدم والرفاهية قد انهار تماما ،وبلغ درجة من السوء لم تفلح معه كل محاولات الترقيع بعد ان توسع الفتق على الراتق ، فظل يعانى من امراضه المزمنة التى لا يُرجى شفاؤها أبدا ، فبالاضافة لسياسة الخصخصة التى انتهجها النظام والتى سارت بالاقتصاد بانفاس لاهثة نحو القاع ، هناك اسباب يمكننا ان نجملها فى امور ثلاث : الفساد وسوء ، التخطيط والانفراد بالقرار ، علاوة على الحروب التى فرضها النظام بعنصريته وسوء ادارته مما حدا بأبناء الهامش أن يرفعوا السلاح فى وجهه لاسترداد حقوقهم المهضومة فانفتحت جبهات القتال فى دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ، الامر الذى ارهق خزينة الدولة مما انعكس سلبا على حياة المواطن العادى الذى ظل يعانى من الفقر وشظف العيش ، فى ظل الارتفاع الجنونى لاسعار السلع الضرورية بعد تدهور وانخفاض قيمة الجنيه الى ادنى مستوى لها إذ بات من العسير التنبؤ بما سوف تسفر عنه مآلات ذلك التدهور فى مقبل الايام ، وعلى الرغم من الموارد الطبيعية التى تتمتع بها البلاد والتى يمكنها جعل اى بلاد مهما كان درجة فقرها ان تنافس اكثر الدول غنىً ، فبالاضافة الى خصوبة الاراضى الزراعية ووفرة المياه ، ووفرة الموارد البشرية ، يذخر باطن الارض بكثير من المعادن – اقول على الرغم من ذلك - الا ان الاقتصاد ظل يتردى يوما بعد يوم حتى وصل الى ما وصل اليه الآن . لم يكن نظام عبود فاشيا كنظام الانقاذ ، ولم يثبت التاريخ حالة فساد واحدة فى عهده ، وما عرف الناس يومئذ عنصرية أو جهوية أو قبلية كما عرفوها وألفوها فى يومنا هذا ، ولم يكن الاقتصاد وقتئذٍ كحاله الآن ، ولم تُتَح لذلك الجيل أدوات تواصل كما أتيحت لجيلنا هذا ، وبرغم ذلك تحرك الشعب وزلزل الارض تحت اقدام الديكتاتور ليسجل التاريخ اعظم ملحمة عرفتها دولة نامية . كان استشهاد القرشى القشة التى قصمت ظهر النظام ، فما بالنا نحن وقد استشهد منا عشرات اللآلاف الذين حصدت ارواحهم آلة النظام الحربية ، كما استشهد امامنا قبل عام اكثر من مئاتى شهيد - هذا - غير ضباط ثورة رمضان الذين تمت تصفيتهم بدم بارد والكثيرين الذين لا نعلمهم . فهل من اكتوبر جديد يعيد لنا مجد ابائنا ويريح شعبنا من هذا الكابوس ؟ عوض ابراهيم احمد ارباب . [email protected]