في نهاية التسعينات وانا امر بالقرب من موقف جبرة السوق العربي استرعى انتباهي منظر مؤلم ، فتيات يبدو عليهن انهن طالبات في كامل اناقتهن بحسب ما نعرف عن فتياتنا في تلك الحقبة محتشمات بحسب العرف التربوي السوداني الرصين والذي مازال متماسكا في تلك الفترة لم ينجر خلف كثير من اغراءات هذه الزمان . على العموم امر بفتيات كسيفات حسيرات خائفات يجلسن في عربة ( بوكسي ) من دوريات الشرطة ويقوم على حراستهن اثنان من الجنود تستنجد اعينهن بالمارة .اقف مكاني اراقب الوجوه التي تمر على هذا الموقف في محاولة لاستقراء ولملمة ملمح الهوية السودانية من هذا الموقف *. افجعتني النتيجة صراحة، ان هذه الوجوه التي تمر عليك صارت لا تحمل من الهوية الا الملامح الحسية الخارجية فموت الشخصية السودانية شئ عملت عليه الانقاذ من بواكير مقدمها فعملية الطمس والتحوير في انسانية السوداني شئ راهنت عليه الانقاذ كثيرا في استمراريتها فهي تعرف ان هذه الشخصية لو تركت على ما وجدت عليه سيكون الخاسر الانقاذ في المقام الاول . *الغرب والامبريالية العالمية عندما فكرا في غزو الاسلام في بلاده لم تذهب اليه بالجيوش وانما عملت* على تفكيك نسيجه التحتي ، فعملت بكل ما أوتيت من قوة آله اعلامية وغيرها من وسائل التفكيك المجتمعي فراحت تغزو عقول الناس من داخل بيوتهم ببث سموم التفكيك واحدة بواحدة . والانقاذ كوجه ماسوني أتى بمخطط وأد الشخصية السودانية* ولفقره لمعاول التفكيك والمعرفة الممنهجة أتى فعله متخبطا متضاربا كعموم سياساتها الاخرى . الانقاذ في بدايتها سعت لاسلمة الشارع السوداني بكل ما اوتيت من قوة وعنجهية وتبلد وكان ان افرزت تلك المرحلة مثل هذه الممارسات القبيحة من جر الفتيات من الاسواق الى اقسام النظام العام بمدعى انهن غير محتشمات وكثير من الممارسات القبيحة الاخرى . لم تكن القوة والبطش لتغيرا شئ في نفوس الناس بل على العكس من ذلك ستولد لك وجدان رافض لهذه الممارسات بالتالي رافض لمن اتى ابها بل الامر قد يذهب ابعد من ذلك فترفض الفكرة من اساسها فتكون من حيث لا تعلم معول هدم الشخصية المسلمة المحافظة من حيث اتيت تبنيها . وهذا ما نراه من خلال تتبعنا لبعض الفعاليات في هذه الايام بعد مرور اكثر من عقدين ونصف من عمر الانقاذ .اين ذهبت الهوية السودانية المحافظة ذات الموروث الاسلامي الرصين ؟ سؤال ستحتاج الانقاذ لعمرها مرتين لتجيب عليه وسيكلف الشعب السوداني اجيال حتى يعود الى ما كان عليه . (TED Talks) اختصار (Technology ,Entertainment and Design) *هو مؤتمر عالمي انشء في امريكا فكرته ان يتيح الفرص للباحثين لمناقشة افكارهم خلال محاضرات يلقيها في معظم دول العالم وقد رصد جوائز *لبعض الفائزين ( تجده على الويكي بالاختصار اعلاه) . يبدو ان هذا المؤتمر بقدرة القدير وصل الى هويتنا السودانية من خلال طالبة حاضرت الناس في فندق روتانا الخرطوم على ما اظن . شاهدت المقطع* .. فتاة شابة صغيرة بملامح سودانية وتتحدث السودانية بطلاقة تقول انها طالبة في جامعة الخرطوم ( احاول عزيزي القارئ ان اجرك الى مشهد نبحث فيه عن الهوية السودانية سواء بما نعرف عنها او بما حاولت الانقاذ ان تقولب عليه امزجتنا)* فتاة (ببنطلون الجنز) يعلو منتصف مؤخرتها بقليل وتي شيرت او قميص ذهب بما تبقى من هويتنا .* الفتاة وبحهد أحييها عليه وبعد بحوث ومقابلات وعمل مقدر اتمنى ان يحذو حذوها فيه طلابنا الاكارم تتحدث مع الحضور بلسان سوداني طلق *وشاشة العرض من خلفها تتحدث معها عن نفس الملمح ولكن بلغة انجليزية خالصة شدت نظري عندما توقفت عند كلمة (Identity) *والتي توازي هوية كما لا يخفى على كريم علمكم , اجريت معادلة سريعة بين شاشة العرض ولغتها والفتاة ذات الملمح السوداني والطلة الامريكية ولسانها الذي يحكي لغة الوسط السوداني المثقف المعروفة لدينا وبين جمهورها والذي كاد ان يضيع بين هذه التناقضات وماتحاول الانقاذ ان تقوله لنا وما نعرف عن الهوية السودانية والفتاة التي تريد ان تخرج الان من بيتها وامها تقول لها ... (يابت ارجعي غيري لبستك دي ضيقة وطرحتك دي لفيها في راسك كويس واوعك تباري البنوت امات (بناطلين ). بين ضياعنا هذا يتحفنا الفيس بوك بمقطع اخر لفتاة بنفس الملامح الآنفة تنشئ سيادتها مدرسة للرقص سودانية الملامح غريبة الطموح الافكار . تجمع لديها حفنة من الفتيات من ذوات ( البنطلونات) والموسيقى مكسيكية والرقص عبارة عن مسخ من هذا وهذا والعري يدب الينهن خطوة بخطوة فنوع الرقص المصاحب لتلك الموسيقى المكسيكية التي كان يعج بها المسرح عمل على نشره واحدة من محترفات العري والبكيني ( جنيفر لوبيز) واحتفل معها العالم بمؤخرتها المؤمنة بالملايين ولم تجيد هذا الفن بالتوب والطرحة انما بقطعتين لا تساوي ربع متر من القماش . نجري المعادلة مرة اخرى ونستقرئ واقع متشائم بنجاح هذه الفتاة ونجاح مدرستها هذه بعد سنوات في ظل انقاذ لا يهمها ما يضيع طالما سيكتب لها ذلك البقاء . لنجمع شتات هويتنا من هذا الواقع المسخ الذي تكالب علينا. اين سنكون حينها ؟وما سنقول لفتياتنا ؟. وغير بعيد اولائك الشباب المخنثين الذين اقاموا حفلا لعرض الازياء في احدى الصالات منذ زمن وهولاء وتلك وتلك وامثلة كثيرة تمر علي وعليك في الشارع الان تحكي عن واقع واحد ان الانقاذ وفي تخبطها في انتاج انسان سوداني غير الذي نعرف* لم تترك بابا الا وطرقته , والانقاذ بخبثها المعهود تعرف ما للمرأة من دور فعال وتأثير مباشر في عملية انتاج الاجيال وطالما هذه هي النتيجة التي ستتحصل عليها الانقاذ ان استشرت هذه الانماط في المستقبل فالانقاذ اول مرحب بما يجري الان ولن تحرك ساكن ولن نرى هؤلاء الفتيات في ( بكاسي ) النظام العام كما إدعت الانقاذ في احدى حقب (الخرمجة) السابقة. هل ما نراه الان من هذه الانتكاسة عن هويتنا يعتبر نوع من الاحتجاج والفعل العكسي الذي تحدثنها عنه بحكم ان هويتنا السودانية كانت تسير *متوازنة من غير ضغط قهري يحدد لها مسارات الفضيلة وينتهج لها نمط اسلاموي عندما انتشر في حينه لم ينتشر بفعل قسري قبيح انما نشر باعلاء فضيلة القدوة والمنهج واخذ الناس على قدر عقولهم وتسريب الاخلاق الفضلى بافعال توازي الاقوال في مصداقيتها وجديتها , حيث ان هذا الفعل من الصعوبة بمكان على *السفهاء والجهال واصحاب الاهواء لانه منتوج تجربة ملتزمة لاناس اعملو هذه الافكار على انفسهم اولا فعلا وقولا وذاقوا مرارة الصبر عليها . أم هو شئ تبرأ منه الانقاذ بحكم *انه وضع اصبح يغزو العالم كله بفرضية ان الانقاذ ومنذ طلتها لم نعهد لها منهجية واضحة وفعل مستمر . ولكن حقيقة الوضع مقلق فافعال البشر انما هي ترجمه لما تعتمل به صدورهم وافكارهم وهما محوران نقرأ منهما الشخصية السودانية ومآلاتها ،فالفعل الفردي سيتطور ليخلق فعل جمعي ليستقر هذا الوضع بما يعرف مكنون الشخصية وبالتالي خصائص المجتمع ككل . فالمجمتع يبدأ في التحور عندما يرى ما يجري حوله ولا يقوى على الاستنكار قد يستقوى على الافعال الدخيلة بالانكفاء على نفسه فقط والتعامل بسياسة الانا البغيضة حيث سيسقط اي فرد الفعل على نفسه وعلى سلامته الشخصية . بعد هذه مرحلة سيعتاد نظره عليها وسيعتبر هذا مما لابأس به والى الان هذا فعل فردي وسيذهب بعد هذه المرحلة الى التحدث عنه وكانه شئ قد اعتاد الناس عليه وهنا يأتي الفعل الجمعي سواء المقر او الرافض **ليصبح الامر مما يتناوله الناس في مجتمعاتهم كواقع يتفق معه البعض او ينكره البعض ليصبح واقع معاش لاجيال قادمة *. وهذا الذي يحيرنا في كثير مما يجري حولنا وتناول الناس له *وتفاعلهم معه . اعود لفتيات ( البوكسي ) عندما تيقتنت من هذا التبلد الذي يجري في الشارع من حولي تقدمت الى الشرطي قائلا : السلام عليكم..... اتخارج يازول عاوز شنو.... حينها تأكدت بأن الدنيا بخير فسبق ان سأل احد قبلي .. عرفت ذلك من لهجة العسكري المنزعجة ياخ مافي حاجة بس ممكن اعرف البنات ديل مالهم .... والفتيات ينظرن الي كسيفات حسيرات وكلهن امل في ان اكون منقذا لهن من هذا الموقف المؤلم المشين وانا اعرف ان محاولاتي لا تغدو ان تكون كالغريق الذي تعلق بقشة ... في تلك اللحظة حضر الضابط المسؤول عن تلك الدورية والذي كان جالساً في الامام يطالع صحيفة وكانه في دوام ممل لا يعرف كيف يحرق ساعاته الطويلة . ايوة يا أبو الشباب في حاجة ....؟؟ّ!!!! لا بس كنت بسأل البنات ديل مالم ... البنات ديل ما محتشمات ولابسات ضيق ... طيب ما في حل احسن من كده هسي البنات ديل امهاتم راجياتنهم ... كيف يعني تعتقلوهم كده من غير سبب.... حرام عليك انت ماعندك اخوات ..... صاحت احدى الفتيات بالضابط .. اشاح الضابط ببصره فهو يعرف في قرارة نفسه ان ما يقوم به عين الخطأ ولكن الاوامر اوامر كما يقول (الديش) ياخ طيب ما تتحركو بيهم من هنا* كفاية بهدلتوهم .... اقترحت على الضابط عندها انتهرني الضابط* ... يازول تمشي من هنا ولا نركبك معاهم ..... ابتعدت وانا اجرجر خيبتي وجبني *... ونظرات الفتيات تصفعني بالف رجاء فانا مسخت هويتي السودانية كغيري من المارة [email protected]