Kordofan Invaded: Peripheral Incorporation and Social Transformation in Islamic Africa: A Book Review Richard Lobban ريشارد لوبان ترجمة بدر الدين حامد الهاشمي نشرت مراجعة البروفيسور ريتشارد لوبان (أستاذ الأنثروبولوجيا والدراسات الإفريقية بكلية رود آيلند الأمريكية) للكتاب الذي أشرف على تحريره اندريه ستانسين ومايكل كيفان" غزو كردفان: استيعاب الأطراف والتحول الاجتماعي في مناطق افريقيا المسلمة" في المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، العدد 32 والصادرة عام 2000م. وهذا الكتاب (والذي نشرته دار نشر بريل الهولندية الشهيرة عام 1998م) هو مجموعة من المقالات المتنوعة عن التطورات الاقتصادية والسياسات المحلية وعمليات الأسلمة في واحدة من أكبر أقاليم السودان هي كردفان. المترجم ******** ***** ********* لا يزال تاريخ السودان يعكس صراع ذلك القطر ومحاولاته ليجد هويته بين الدراسات الإفريقية والشرق أوسطية. وتوجد حتى في داخل السودان نفسه "دوائر ذات مصلحة" تتراوح بين التوسع في الدراسات البيئية، إلى الصراع المتطاول بين ما يسمون "الشماليون العرب - الأفارقة " (العرب المتأفرقين / الأفارقة المستعربين)، وبين الجنوبيين من القبائل النيلية. وضاع في خضم هذين النطاقين المتمددين تاريخ شرق السودان وكردفان في غربه. بل إن الدراسات التاريخية لسنار ودارفور تفوق تلك التي سجلت عن كردفان. لذا فإن عنوان هذا الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته يقرر في عنوانه بأن كردفان هي منطقة " مغزوّة invaded" و"هامشيةperipheral " تقع على أطراف العالم العالمين الأفريقي والإسلامي. ونحسب أن هذا الكتاب هو بداية طبية نحن في مسيس الحاجة لها لملء هذا النقص الضخم والمريع في الدراسات السودانية. ولا شك في أن اندريه ستانسين ومايكل كيفان قد قدما خدمة جليلة بتحريرهما لهذا الكتاب المهم. ويخشى عادة من يراجع كتابا مؤلفا من عدد من الفصول المتفرقة من أن هذه الفصول قد لا تكون في مستوى أو نسق واحد من حيث الجودة والتدقيق، وقد لا يجد فيها المرء تركيزا كافيا، وقد يكون بعضها قديما عفى عليه الزمن. غير أنه، ولحسن الحظ، لم يكن الأمر كذلك في هذا الكتاب. ففصوله الإحدى عشر تمثل أحدث الأبحاث التي أجريت عن كردفان. وشمل الكتاب ثلاثة فصول بقلم خواجيات (هكذا وردت! المترجم)، ومثلها بقلم رجال سودانيين. ويعتقد الآن أن نشر آخر ما وصلت إليه الأبحاث في موضوعات متنوعة يتيح إبراز أطر تاريخية جديدة مبتكرة، لا شك عندي في أن أي دراسات مركزة عن كردفان تحتاجها، إذ لا يزال كثير من تاريخ هذا الإقليم الكبير مستمد من ما هو معلوم ومنظور من تاريخ سلطنتي كيرا في دارفور والفونج في سنار. وقدم المحرران اندريه ستانسين ومايكل كيفان في مقدمة الكتاب عرضا شاملا لسياسة السودان في الوقت الراهن (المقصود بالطبع في 2000م. المترجم)، ووضعاه في سياق الدول الإفريقية الضعيفة الهشة التركيب. وأورد الكتاب في صفحة 12 خريطة توضح بعض معالم كردفان، غير أن علماء الأنثروبولوجيا قد يرغبون في رؤية خريطة توضح بجلاء الحدود والتقسيم والتمايز الاثني أيضا. وشكلت "الغزوات" التي حدثت في تاريخ كردفان من غزوات لجيوش إسلامية ودارفورية وسنارية ودينكاوية وبريطانية مستعمرة، إضافة إلى التدفق التجاري الزراعي الحديث عناصر الأفكار التي وردت في موضوعات هذا الكتاب، خاصة في سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين. وفي أحد الفصول قدم ج. اسبولدينق (أستاذ التاريخ بجامعة كين بولاية نيو جيرسي، وله عدد كبير من المقالات والكتب عن السودان، خاصة الدولة السنارية. المترجم) عرضا للدراسات التي تمت عن كردفان في ما قبل التاريخ وفي العصور القديمة أيضا. وقال بأن أول انسان إفريقي (Homo africanus) قد وجد في إثيوبيا وتشاد، فمن المعقول – على الأقل نظريا- أن يكون ذلك الإنسان قد عاش أيضا في كردفان، والتي تقع بين البلدين المذكورين. فقد عثر علماء الآثار على أدوات من العصر الحجري القديم في مناطق بكردفان مثل واحة الخرجة وجبل الصحابة وما يعرف ب Qadan assemblage. وتقع كل تلك المناطق على الطرق القديمة للسافنا والممتدة من كردفان للشمال. وكانت تلك الطرق تتقاطع مع الطريق الحيوي الممتد عبر وادي هور، والذي كان ينقل عن طريقه فخار الخرطوم المتموج الخطوط في العصر الأوسط بين الخرطوم شرقا ووانينقا في تبيستي (في تشاد) غربا. وكان الكبابيش في كردفان يتاجرون في الصمغ العربي والماشية مع الشمال عبر وادي ملك، واقيم نظام للآبار على طول الطريق إلى الدبة وكورتي، وإلى الواحات، على الأقل في عصور الأسر المصرية القديمة. ويتسأل المرء عما إذا كان لنبتة ومروي تأثيرات تجارية ولغوية وثقافية في كردفان، كما قد ورد بعض الإشارات للنوبة الحمر والسود في الأزمان الكلاسيكية. وتشير العلاقة المشهورة بين كردفان وسنار باحتمال وجود علاقة موازية أخرى لكردفان بمملكتي علوة والمقرة. وسواء أن كانت تلك العلاقات عن طريق صيادي السافنا أو تجار العصر الحجري الحديث، فإن هنالك الكثير مما يمكن قوله عن السياق الذي يمكن أن تذكر فيه كردفان في عصر ما قبل التاريخ. ويأمل المرء، وبعد أن يعود للسودان السلام، أن يتم عمل المزيد من البحث والتنقيب الأثري والأثنوغرافيا (الأنثروبولوجيا الوصفية)، والتي تشمل الفلكلور والتاريخ الشفاهي والقرابة / علاقات الدم (kinship) في كردفان، وأن يخصص كتاب مستقل للخرائط التاريخية (cartography) لهذا الإقليم. ولا شك أن المؤرخ الرائد اسبولدينق قد أجاد – كما هي عادته – وهو يتناول علاقات كردفان بسلطنة الفونج في سنار. ويقدم ستانيسن (الباحث النرويجي المتخصص في التاريخ الإفريقي والسوداني بوجه خاص. المترجم) في فصله عن تجارة الصمغ العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين معلومات ثرية عن بيولوجيا وطرق ممارسات وتصنيف وتجارة الصمغ العربي في غضون سنوات التركية. و يتسأل المرء مرة أخرى عن تلك التجارة في عهدي المهدية والاستعمار البريطاني وعهود ما بعد الاستقلال، إذ لم يقدم لنا الكتاب سوى معلومات سطحية عن تجارة الصمغ في خاتمة الكتاب. وغطى ديفيد ديكر (أستاذ التاريخ المشارك في جامعة جنوب كارولينا. المترجم) في فصله الرائع فترة حركة المهدية وتاريخ نشأتها، والمعارك التي خاضتها في كردفان، خاصة الدور الذي لعبته نساء كردفان خلال تلك الفترة. ولم يتطرق كثير من المؤرخين الأكاديميين من قبل لدور التزويج القسري في عهد المهدية. أما مارتن دالي الباحث والمؤرخ المعروف ببحوثه حول تاريخ الاستعمار البريطاني، فقد كتب في هذا الكتاب عن ه. أ. ماكمايكل الذي أسماه "الزعيم القبلي الأبيض العظيم Great White Chief "، والذي لعب دورا كبير في التخطيط لسياسة "الحكم اللاَّمباشر/ غير المباشر" والتي أصابت نجاحا كبيرا في كردفان. وبغض النظر عن الغرور الاستعماري والعنصرية الواضحة عند الرجل، فيتوجب الاعتراف بأن كتاباته الدقيقة والمفصلة، وعلى الأخص كتابه العمدة "العرب في السودان" تعد من أكثر المصادر الغنية بالمعلومات عن التاريخ المحلي لكردفان والأنساب فيها. ولا تعكس أو تطابق آراء ماكمايكل آراء كثير من السودانيين، غير أن تطبيق سياسة "الحكم اللاَّمباشر" التي خطط لها كان يتطلب الاعتماد على ضرب من ضروب الأنثروبولوجيا التطبيقية وجمع معلومات سياسية استخباراتية. وتطرق الفصل الذي كتبه أحمد إبراهيم أبو شوك (أستاذ التاريخ بجامعة قطر) لذات الموضوع، إلا أنه طرقه من وجهة النظر السودانية. وتناول أحمد في ذلك الفصل بدقة وحذق التحول في كردفان من "قبائل" إلى "نظارات خاضعة" تعمل في/ على خدمة الجهاز الاستعماري. ومن المفارقات العجيبة أن الإدارة الأهلية (والتي لم تعد مقبولة عقب نيل البلاد لاستقلالها) أثبتت في عهد الاستعمار أنها نظام إداري فعال. وذكرتنا ستافني بيزويك (أستاذة التاريخ بجامعة بول بولاية انديانا الأمريكية، والتي ترجمنا لها من قبل مقالا عن حادثة عنبر جودة. المترجم) بأن كردفان ترتبط بأفريقيا جنوب الصحراء بأقوى الروابط، وهي ليست ببساطة مجرد امتداد لإفريقيا المسلمة. ولم تكن حدود المناطق المقفولة في الجنوب، ولا تطبيق الحكم اللاَّمباشر مناسبة لدينكا انجوك. وأحسب أن مقال ستافني بيزويك هو ترياق قوي ضد الآراء التبسيطية عن كردفان وعن التوحيد المزعوم للشعوب النيلية. وكما أشار آخرون من قبل، فإن مناطق التماس بين البقارة والدينكا ظلت ومن زمن طويل مناطق ارتباط وثيق مثلما كانت أيضا مناطق صراع دموي ومعقد. وألقى ذلك الصدام الدموي بين القبيلتين في القرن التاسع عشر الضوء على التراجيديا الموازية للعبودية الجديدة في ختام القرن العشرين كذلك. وتناولت هيزر شاركي (الأستاذة المتخصصة في تاريخ ولغات وحضارات الشرق الأوسط والأدنى في جامعة بنسلفانيا الأمريكية. المترجم) في مقالها في هذا الكتاب موضوعا مثيرا هو الأدب العربي والوطنية التي ظهرت في فترة الاستعمار بين عامي 1898 و1956م، بينما كان السودانيون يحاولون تشكيل أفكارهم حول الوطنية المعاصرة. وتضيف دراسة الحالات البيليوغرافية التي أوردتها هيزر شاركي كثيرا من المعلومات الإضافية عن تلك المرحلة الانتقالية، والذي كانت تعد فيه كردفان واحدة من المعالم البارزة والمؤثرة التي كونت التراث الثقافي السوداني. ولمقال عوض السيد الكرسني (أستاذ العلوم السياسة بجامعة الخرطوم. المترجم) علاقة قوية بما أتت به هيثر شاركي. فقد نظر في أمر الجماعات الصوفية في كردفان من باب العرق وتكوين الطبقات، وحاول الربط بين ذلك والتجارة وأنماط الهجرات الاقتصادية والدينية. ويركز المقال الذي كتبه مصطفى بابكر (استاذ علم الاجتماع بجامعة السلطان قابوس بعمان. المترجم) على حيازة الأراضي عند الحمر في كردفان. وهي قضية مثيرة للاهتمام إذ كانت الإدارة الاستعمارية قد تصورت أن حيازة الأرض يجب أن تكون حيازة جماعية بحسب مقتضيات الحكم اللاَّمباشر الذي قررت تطبيقه، بينما كان للحمر خصائص فردية (ذاتية) لا تناسب دائما ذلك التصور الاستعماري. وكتبت مارثا سافيديرا (الباحثة بمركز الدراسات الإفريقية بكاليفورنيا. المترجم) عن التداخل / التفاعل بين الأعراق المحلية وسياسات الحكومة المركزية (في العهدين الاستعماري والاستقلالي) بخصوص الإنتاج الزراعي في جبال النوبة، في مقابل السياسات المحلية. وختمت مارثا سافيديرا فصلها بالحديث عن وحشية النظام الحالي ضد شعب جبال النوبة. ويمضي الفصل الأخير في الكتاب، وهو بقلم كيرت بيك (أستاذ علم الأنثروبولوجيا في جامعة بايروث الألمانية، والذي ترجمنا له من قبل مقال "محطات الاستراحة على درب الأربعين. المترجم)، في نفس خط مقال مارثا سافيديرا. فقد درس كيرت بيك دور الإسلام كدين وطريقة حياة ثقافية، خاصة في السعي للوصول لمعايير "صحيحة" في الملبس والسلوك. ولم تكن المواقف السالبة للحكومة المركزية تجاه التقاليد المحلية لتنجح (وكما هو متوقع) في كسب أصدقاء جدد من شعب كردفان. ويمكن القول بإيجاز بأن هذا الكتاب هو مائدة (أو بوفيه مفتوح) عامرة بموضوعات اثنوغرافية وتاريخية وسياسية متنوعة. ويوضح الكتاب أن هذا الجيل الحالي من العلماء في مختلف التخصصات قد بلغوا شأوا بعيدا في التعمق والدقة بصورة قد لا تسمح لأي واحد بالحديث أو البحث في شئون السودان كمنطقة واحدة. ولعل هذا الكتاب يحفز العلماء في مختلف التخصصات على الكتابة بذات القدر من الدقة والعمق والحذق عن مناطق أخرى من السودان، وهذا من شأنه فتح أبواب جديدة في مجال الدراسات السودانية. ويوضح هذا الكتاب الرائد أيضا إمكانية الاستخدام المتطور للوثائق، واضافة معلومات جديدة في بعض الأحايين. ولا شك عندي في ضرورة أن يجد هذا الكتاب مكانا له على رِفاف كل المكتبات المهتمة بالدراسات السودانية.