Not in Kansas anymore: An Unexpected Birth in Sudan ريمونا دينك Ramona Denk مقدمة: هذا مقال بقلم قابلة أمريكية اسمها ريمونا دينك أتت للعمل متطوعة كرئيسة لبرنامج "الصحة الإنجابية" في منظمة خيرية تعمل في مجال العمل الإنساني بدارفور. وهي كما جاء في سيرتها شغوفة بأمر تدريب القابلات، ولها موقع في الشبكة العنكبوتية عن الولادة الآمنة والخالية من الألم، وسبق لها العمل في منظمات خيرية في الفلبين والعراق والولايات المتحدة. ومما ذكرته في موقعها هذا أن شغفها بالولادة والتوليد بدأ منذ أن شهدت – وهي في الخامسة عشر من عمرها – ولادة أحد أشقائها. ونشر المقال في العدد 101 من المجلة الأمريكية Midwifery Today Int Midwife والصادرة في عام2012م. وكنت قد ترجمت من قبل للكاتبة مقالا بعنوان "حياة وعمل قابلة (داية) في دارفور". وفي مقاليها تتضح صورة الخدمات الصحية البالغة البؤس والضعف حيث عملت. وهو واقع للأسف ما زالت نساء الريف تكابده في مختلف أقاليم البلاد، ومنذ عقود طويلة. ويتمنى المرء أن يأتي يوم يسجل فيه العاملون السودانيون في المهن الطبية المساعدة مثل المساعدين الطبيين والممرضين والقابلات (وهم "أطباء السودان الحفاة" الحقيقيون وعماد الرعاية الصحية في أريافه) مشاهداتهم ومذكراتهم في خلال سنوات عملهم الطويلة، لما في ذلك من عظيم الفائدة لكثير من القطاعات الصحية والاجتماعية والسياسية أيضا. المترجم ******** ************* **************** قالت دوروثي في الفيلم الاستعراضي الخيالي الأمريكي "ساحر اوز Wizard of Oz": "يا توتو ، أعتقد أننا لم نعد الآن في كنساس". يصف هذا الاقتباس الشهير ما أحسست به تماما يوم خميس في شهر أغسطس 2011م عندما استدعيت – مع قابلتين محليتين- للقيام بتوليد سيدة في قطية مبينة من الطين والقش في إحدى قرى دارفور بالسودان . لم تكن تلك هي المرة الأولى التي أقوم فيها بتوليد سيدة في قطية من الطين والقش، إلا أنها كانت بالقطع أكثر حالة علقت بذاكراتي، وحفزتني على البدء في المداومة على وضع قفزات وأسلاك cord ties وأمواس جديدة في حقيبتي، استعدادا لأي طارئ. وكنا قد غادرنا مدينتنا إلى معسكر للنازحين في رحلة استغرقت ساعة كاملة لتقديم دروس لمجموعات من القابلات عن أهمية المحافظة على صحة الحوامل وعند الولادة، وعن علامات الخطورة ومضاعفات الحمل والولادة وغير ذلك من الأساسيات. وتوقفت سيارتنا أمام مبنى حيطانه من السعف أخبرنا أنه "المركز الاجتماعي" للمعسكر. ولكن وقبل أن ننزل من السيارة ركضت نحونا امرأة بدا أنها في غاية الانزعاج وقالت لنا بأن هنالك "مشكلة". كنت مرهقة جدا، فقلت في نفسي: " آه... أرجو أن لا تكون هذه نتيجة "لخبطة" إدارية في البرنامج، أو في من ينبغي أن تحضر الدرس". غير أن المرأة واصلت بالقول بأن المشكلة هي حالة ولادة متعثرة في ذات القرية التي كنا فيها، وأن أهل المرأة يريدونني أن أحضر فورا للمساعدة. لم يكن لي إلا أن أدع الثلاثة الذين كانوا معي ليقدموا ما حضروا من أجله من دروس، وتوجهت راجلة مع عمة (أو خالة) المرأة النفساء لبيتها الصغير في وسط بيوت عائلتهم الكبيرة. ولم تكن معي أي معدات أو مؤن، غير إني كنت أريد أن أقيم الموقف وحسب. وفي الطريق إلى بيت المرأة سألت عمتها (خالتها) عن تفاصيل الحالة فعلمت أن تلك هي الولادة الأولى للمرأة، وأن الطلق عندها كان قد بدأ قبل ساعات قليلة فقط. رددت عليها بالقول: "ليست هنالك مشكلة. لدينا وقت كاف". وسرعان ما تبين لي عدم صحة تقديري. فعندما دخلت على المرأة الصغيرة وجدت أن رأس المولود كان خارج جسدها كالتاج (وهي مرحلة في المخاض تسمى علميا التوجان crowning). وكانت هنالك من بين النساء الكثيرات اللواتي تجمعن وملأن الغرفة الوحيدة في البيت، وما حولها من مساحات قابلة سودانية واحدة مدربة كانت قد استدعيت على عجل شديد لمساعدة تلك المرأة للدرجة التي لم تستطع حتى أن تحضر معها حقيبة القابلات المعتادة. حاولت القابلة بأصابعها توسيع فتحة مخرج المولود، والتي كانت ضيقة وبها ندب قديمة scarred من أثر الخفاض (الفرعوني؟). وأجريت للمرأة من قبل محاولتان لعمل شقين/ قطعين جانبين lateral cuts بموسى حول فتحة المهبل، غير أنهما لم يكونا كافيين لإخراج المولود كاملا. وكانت الأم الصغيرة (ولنسمها رشيدة) راقدة على ظهرها على حصيرة مفروشة على الأرض. وبدا واضحا أنها لم تكن حاضرة ذهنيا من فرط الإرهاق والمعاناة والانهاك. وكان طلقها ضعيفا ويكاد يكون منعدما تماما، بينما ظل رأس الجنين في الخارج حول العجان perineum (المنطقة بين المهبل والشرج)، وخارج الحوض pelvis ، ولكن لا سبيل لإخراجه مع ضيق ذلك المخرج. وحاولت مع القابلة الأخرى وبعض النساء أوضاعا مختلفة، بحسب اقتراحات وأسلوب كل واحدة وخبرتها. وطلبت من حولي احضار أكياس بلاستيكية جديدة لوضع يدي داخلها في محاولة لتقليل التلوث وأنا أساعد امرأتين أخريين لمط وتوسيع الجزء الأسفل من مخرج المولود. وقمت بعمل فحص سريع لفوافخيخ fontanels رأس الجنين البارز للخارج (الفاخوخ هو فجوة مُغَطَّاة بغشاء، تكون عند تلاقي عظام الجمجمة عند الأجنة والمواليد) وغطيت رأسه. وبنظرة سريعة إلى بطن رشيدة قررت أنه المولود في وضع خلفي posterior . وظل رأس المولود مثبتا هكذا دون أي حركة للأمام. وقامت القابلة التي كانت بجانبي بالضغط برفق على منطقة قاع / قبو المهبل fundus وهي تشجع رشيدة على أن تحاول دفع للمولود للخارج. ولم يكن معنا كما تقدم أي منظار للجنين fetoscope أو جهاز دوبلر Doppler ، ولم يكن نعلم شيئا عن توقيت بدء الطلق، وأشك كثيرا في أنه بدأ قبل 12 ساعة كما صارت النسوة حول رشيدة يزعمن الآن. ولا نعلم شيئا أيضا عن حالة ذلك المولود، أو إن كان ما زال حيا يرزق. وفي تلك اللحظات تذكرت قصة سمعتها من قابلة في المكسيك كانت قد صادفت حالة مشابهة فقامت بعمل بضع /شق يدوي للفرج episiotomy لمنع الضائقة الجنينية fetal distress. فطلبت من القابلة الأخرى جذب العجان في اتجاه جانبي ناصفي medio-lateral ، بينما قمت بسرعة بجذب المنطقة إلى أسفل وإلى اليمين. وبذا تمزق عجانها إلى الأسفل، وخرج أخيرا كامل جسد المولود. كان مولودا صغير الحجم، ولكن ليس بدرجة مزعجة، وسرعان ما بدأ في التنفس بمفرده. وبدا واضحا أنه سيكون على أحسن حال. وقمنا بوضعه على منطقة بطن أمه السفلى رغم قصر الحبل السري. انتظرنا قليلا حتى تخرج المشيمة (التبيعة). وكنت أريد لرشيدة أن تجلس أو تجلس القرفصاء، غير أن زميلتي السودانية رفضت ذلك في هدوء. وتصورت في البدء أن السبب هو اختلاف ثقافي (تدرب القابلات في السودان على أن يجعلن النساء الحمل يضعن حملهن وهن راقدات على ظهورهن)، غير أني علمت منها أنها كانت تخشى على رشيدة من الدوار(الدوخة). ومع التتبع الحذر والمنضبط للحبل السري خرجت المشيمة في غضون عشر دقائق. وكان قاع / قبو المهبل ثابتا ومستقرا (firm)، وقدرت أنها خسرت في ولادتها نحو 200 مليمتر (خمس لتر) من دمها. وفي أثناء كل ما سبق ذكره كنا محاطين بما يشبه "السيرك" البشري، من تجمع صاخب لعدد لا حصر له من الأقارب والجيران، وكانوا جميعا على استعداد ليجلبوا لنا كل ما نطلبه من أكياس بلاستيكية جديدة وخرق نظيفة وماء وصابون لنغسل به أيدينا. وأفلحوا في أن يحضروا لنا عتيدة لأدوات التوليد (delivery kit) كانت قد تركتها لهم منظمة طبية تطوعية. وكانت تلك العتيدة تحتوي على قطعة قماش نظيفة، وقفازات غير معقمة، وأمواس جديدة وسلك نظيف. وليس من السهل ربط حبل بخيط قطني ويدك في داخل كيس بلاستيكي، غير أن زميلتي السودانية كانت قادرة على فعل ذلك. واكتشفت أنا أيضا أن الموسى أفضل من المقص في قطع السلك! وبعد الولادة قمنا بتنظيف جسد المرأة ومولودها ومكان الولادة، وأعطيت بلوزتي وتنورتي الطويلة الملطخة بالدم لبعض النساء لغسلهما، وأعاروني ثويا تقليديا لأرتديه ريثما تجف ثيابي. وبقيت أمامنا معضلة خياطة الجرح. عرضت القابلة المحلية أن تذهب لإحضار حقيبتها وبها خيوط الجراحة. ولكني اقترحت، ولأن الجرح ثلاثي (three –way wound) والبيئة غير نظيفة، أن نحمل رشيدة إلى عيادة تعمل على مدار اليوم تديرها منظمة خيرية لتلقي العلاج. وكانت رشيدة في حالة بالغة من الإعياء وكان نبضها 120 ولم يكن معنا جهاز لقياس الضغط أو الحرارة، غير أن ملمس جسدها لم يكن يدل على أنها كانت مصابة بالحمى. وأغمى على رشيدة وهي تسير نحو سيارتنا، رغم أنها كانت تستند على النساء من حولها، فحملناها حملا لداخل السيارة ووضعناها على حجر امرأة معنا في خلال مسيرة عشرة دقائق. وأدخلنا مريضتنا للعيادة حيث وجد أن ضغط دمها كان منخفضا (80 /50) فأعطيت محاليل بالوريد، وحمدنا الله على أنها لم تفقد الكثير من الدم في عملية الولادة المتعسرة. وعلمت أن حالتها المرهقة تلك كانت نتيجة لمخاض طويل (وليس كما قيل لنا في البدء). كانت قد بدأت الطلق في قريتها لمدة يومين أو ثلاثة قبل أن تنقل لمعسكر النازحين (حيث توجد بعض الرعاية الطبية التي تقدمها المنظمات الطوعية الخيرية). والطلق المتطاول من الأمور الشائعة في السودان، وكثير من القابلات غير المتدربات لا يدركن خطورة طول فترة الطلق، ولا يطعمن أو يسقين المرأة وهي في ساعات الطلق المتطاولة تلك. ويموت من جراء طول ساعات الطلق الكثير من الأمهات والأطفال بسبب عسر الولادة. كانت رشيدة فتاة نحيلة لم تكد تكمل عامها السادس عشر، ومصابة فيما يبدو بسوء التغذية. ولكن لم يكن جنينها كبير الحجم وليس عندها فرط ما يسمي بالتطابق molding ، لذا فقد كانت حالتها هي حالة طول مدة الطلق (prolonged labor) وليس تفاوت أو لا تناغم رأسي حوضي cephalopelvic disproportion. وبعد قليل من البحث عثر العاملون في العيادة على خيوط رفيعة، غير أنها أدت الغرض. وكانت القابلة بالعيادة خبيرة بخياطة الجروح فقامت بمهمتها في سرعة فائقة، غير أني لاحظت أنها لم تلق بالا للنظافة والتعقيم، وكانت تستخدم أصابعها – كما يفعلون في السودان عادة- عوضا عن مقبض الإبرة لغرز الإبرة في داخل اللحم وإخراجها منه. وكانت خيوط الجراحة تلامس سطح الطاولة التي وضعنا عليها رشيدة، وكان عليها بعض حبات الرمل مما علق بقدمي رشيدة. ولست متأكدة من أنها خاطت الجروح بعدد كاف من الغرز، ولكنها في النهاية غسلت فرج المرأة ومسحته بالكحول المطهر وبمطهر الأيودين. وبعد ذلك حملنا مريضتنا إلى سرير قريب وأعطيناها مزيدا من السوائل وتركناها كي تنال قسطا من الراحة المستحقة. أما المولود فقد وضعناه بجنب والدته ليرضع غير أن فمه الصغير بالنسبة لحلمات والدته الواسعة المفلطحة لم يسعفه. ولكن لحسن الحظ فإن نساء دارفور خبيرات في الإرضاع، ولابد أن ذلك المولود سيجد كامل الرعاية فيما يخص جانب الإرضاع. ولم يكن هنالك في العيادة ميزان للمواليد غير أننا قدرنا بأن وزن مولودنا كان بين 2.5 و2.75 كيلوجرام. وبعد ساعتين من الزمان قررنا الرجوع لمن تركناهم خلفنا في حلقة التثقيف الصحي في المعسكر، ثم العودة للمدينة. أرتفع ضغط دم رشيدة إلى 100/60 ، وانخفض نبضها إلى 100، غير أنها كانت أضعف من أن تنهض أو تجلس. فطلبت من مسئول العيادة أن يتركها ترتاح حيث هي لعدة ساعات أو أن تبيت في العيادة وتخرج لدارها في الصباح. غير أن المسئول رفض ذلك الاقتراح بحجة أن الممرض المسئول عن دورية الليل لن يحضر في تلك الليلة. هذا مع العلم بأن هذه العيادة التي يفترض أن تعمل 24 ساعة تقوم بخدمة 150000 من البشر، وأن أقرب مستشفى هو على بعد مسيرة 45 دقيقة بالسيارة (هذا إن وجد المرء سيارة أصلا)، ونقاط التفتيش على الطريق عادة ما تغلق ليلا. وأمام كل تلك العوائق لم أجد بدا من إرجاع رشيدة لبيتها، وزودت أهلها ببعض النصائح الطبية العامة، ورجوت القابلة المحلية أن تأتيها كل صباح ومساء حتى تبرأ تماما. وبعد ثلاثة أيام زارت إحدى العاملات معي رشيدة، فوجدتها تتعافى بسرعة، وبدأ النور يشع من عينيها، بل وبدأت في إرضاع صغيرها. وظللت أفكر في عواقب تمزيق عجانها، وهل كان ضروريا حقا، وظل ذلك الخاطر يؤرقني ليل نهار. غير أني أرجح الآن أن ما قمت به من محاولة لإخراج المولود كاملا كان أمرا ضروريا وعاجلا. وعلى المستوى الشخصي، أحسست بالرضا لمساعدتي لرشيدة تحت ظروف أقل ما توصف به أنها كانت أبعد شيء عن المثالية. فليس من المعتاد لقابلة في زماننا هذا أن تساعد امرأة في الولادة دون أي معدات أو تعقيم أو مؤن أو قياسات. ليس من الممكن دوما فعل كل شيء، إلا أن إعطاء قدر من الرعاية، حتى وإن كان ضئيلا، خير من لا شيء. [email protected]