أخيرا نجحت القوى السياسية في السودان – عدا المؤتمر الوطني الحاكم والمترددون- في تكوين كيان كبير يضم كل الراغبين في تغيير سياسي. ميثاق أطلق عليه نداء السودان . وهوكفكرة أمر قرار سليم - وإن تأخر- تقوم عليه الاسس الصحيحة لبناء دولة حديثة قوية ومتقدمة. وهو إعلان رائع رغم انه جاء متأخر. والتأخير في إتخاذ القرارات الهامة هي مشكلة مزمنة يعاني منها السياسيون في السودان. كثير من القرارات المهمة في تاريخ السودان تأخرت لسنوات تمتد إلى ثماني وأحيانا عشرسنين. تاخير اتخاذ القرارات المهمة يؤدي إلى تأخير إنفاذها ويعرضها للفشل او باحسن الأحوال يقلل كثيرا من فعاليتها. منذالإستقلال في 1956 كان على قادة الأحزاب والمستنيرين آنذاك إتخاذ القرارات التي تضع الأسس الصحيحة والمتينة لدولة المواطنة التي توفر الإستقرار وسبل العيش الكريم.تنشر الوعي الذي يرسخ للديمقراطية بصورة صحيحة.لكن ذلك لم يحدث. رغم إنتشار الوعي السياسي مبكر وسط النخب السودانية. .كما نجد ان قرارات ثورة أكتوبر وشعاراتها كان يمكن تبنيها في عام 1954 قبيل الإستقلال. فهي شعارات وطنية برؤية جيدة لما يمكن ان تكون عليه الدولة الوليدة آنذاك. لكنها قرارات تأخرت حتى جاء الإستقلال بعد سنتين . وهو إستقلال إصطبغ بصورة كبيرة بالعواطف وهو أمر مفهوم لفترة محددة لكن ذلك تواصل وأثر في قرارات الساسة آنذك. يبدو ان المشاعر االجياشة غلبت على التفكير المستقبلي فلم يفكروا كثيرا فيما يجب ان تكون عليه الدولة الجديدة. ورغم سبق المثقفون السودانيون للآخرين في كثير من دول العالم بحكم تاريخهم العريق وإحتكاكهم بمصر وبأوربا خاصة ببريطانيا إلا أنهم لم يتخذوا القرارت الصحيحة إلا بعد عشر سنوات في إكتوبر 1964.فبرعوا في الأطروحات السياسية والتنظيم الحزبي والأفكار الطموحة. لكنها لم ترتكز على خطط عملية و تصورات مستقبلية أو وتصميم حقيقي للحفاظ على الديمقراطية بمارسة مسؤولة. النتيجة إنقضاض النميري على الديمقراطية الهشة رغم اطروحاتها المثالية وتنظيرات المثقفون المتطورة. نميري أيضا إتخذ قرار تطبيق الشريعة في 1983وهو ما كان يجب أن يضمّنه إتفاقية المائدة المستديرة في 1972 لأنه حينذاك ما كان سيودي لأنفصال الجنوب. إذا ان منح الاخوة الجنوبيين حكم ذاتي في إطار السودان الكبير .كان سيتيح للجنوب سن قوانينه وتطبيقها كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية .حيث تضع الولايات قوانينها الخاصة فنجد حكم الإعدام في ولاية بينما غير معمول به في ولاية أخري . ونميري نفسه كان يمكنه الإستفادة من أطروحات ثوار اكتوبر المتقدمة في تأسيس دولة المواطنة والحكم الرشيد ووضع أسس قوية للإقتصاد وإدارة التنوع بموازنة دقيقة . إيجاد توليفة صحيحة لحكم قوي بحريات مفتوحة كما هو الحال في كثير من الدول الآن. خاصة وان نميري آنذاك لم تكن لديه مشكلة مع تنوع الثقافات. القوى السياسية المعارضة اتخذت في اسمرا1995 ميثاق رائع ويعتبر أساس قوي لدولة حديثة وومعافاة. لكن هذه القوى لم تتمسك بهذا الإنجاز المهمة. لم تتمترس خلفه وتدعمه وتطوره وتدخل الجميع تحت مظلته.كان ميثاق يحمل حلول ناجعة لكل قضايا السودان. وبالطبع إنتهزت الإنقاذ الفرصة ولعبت بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإيقاف هذا الإنجاز التاريخي. عملت بكل قوتها على شق الصفوف بالإغراءات والضغوط .بل ضمت إليها بعض من أهم عناصر الإتفاق التاريخي. هذه القوى السياسية كان يجب أن تتنادى في 2004 لتشكل ضغط على الإنقاذ الذي ذهبت لنيفاشا بغير إستعداد.أرتكب قياديو المؤتمر الوطني خطا تاريخي فادح بالتوقيع على إتفاقية نيفاشا 2005 بغير إستصحاب خبرات القوى السياسية الأخرى. النتيجة أن الإتفاقية لم تحقق للشمال سلام ولا للجنوب إستقرار. سيظل السودانيون شمال وجنوب يدفعون الثمن لسنوات مالم يصحح. لا تزال إتفاقية نيفاشا تستهلك جهد ومال وفكر ووقت السودانيين. فلا هي حسمت موضوع الحدود ولا الديون. كما انها لم تضع أسس العلاقة الإقتصادية بين الشطرين ولم تفكر في كيفية تواصل العلائق الإجتماعية لأسر يتفرق أفرادها بين البلدين وغيرها من القضايا. بعد قرابة العشر سنوات لازالت الوفود (تساسق) على أديس أبابا. تصورلو ان هذا التجمع (اسمرا95) كان مستمر بنفس قوته أو أن نداء السودان 2014 تم قس 2004 . كان أحدهما سيفرض نقسه بقوة في مفاوضات السلام.لم يكن ليدع الأمور في يد قلة من قيادي الإنقاذ . وبالنسبة للإنقاذ ربما كان عليها إتخاذ قرارات المفاصلة قبل عشر سنوات.ربما إجتمعت حولها القوى السياسية الأخرى وصححت مسارها لإنتقال ديمقراطي ناعم. حينها لم تكن الإنقاذ قد إرتكبت كل هذه السياسات الخاطئة التي جرت على السودان وعليها الكثير من الويلات. كما أن قرار الحوار 2014 كان يجب إتخاذه في 2004 أو حتى بعدها في 2010 قبيل الإنتخابات أو بعدها بعام عقب الإنفصال. هذا يثبت على الإنقاذ يهمها أن تظل في كراسي السلطة فقط مهما كلف ذلك السودانيين.وهي حقيقة كان يجب أن تعيها القوى السياسيةالأخري جيدا ومنذ وقت طوبل. أس المشكلة هو أنه كلما ظلت الإنقاذ في السلطة كلما تعقدت قضايا السودان. فالإنقاذ عقدت قضايا بسيطة كان يمكن حلها بقليل من الدراسات والبحوث. مثل التعليم والفقر والصحة وغيرها. اوجدت بتخبطها قضايا ثم عقدتها بتعنتها مثل قضية دارفور. وأدت حلول قضايا وليدة بدأت تتلمس طريقها نحو العافية والتطور مثل الديمقراطية. دمرت مشروعات عملاقة مثل مشروع الجزيرة .تسللت للقضاء المستقل لإفساده بعدما إنتشر الفساد في مرافق الدولة في أعلى مستوياتها وطال القيادات العليا وأقربائهم. كما ان العلاقات الخارجية مع دول الجوار والمنظومة العالمية تدنت بصورة أضرت كثيرا بمصالح السودانيين في مقابل علاقات مع دول وجهات فقط لتحقيق مصالح شخصية لقلة من أثرياء السلطة. ولاتزال (المساسقة) من وإلى أديس اباب مستمرة.رغم أن أديس ابابا أو الزهرة الجديدة بلغة اهلها هي مؤشر لبدايات جدية فهي نفسها تسمية جديدة. رغم ذلك نقترح القاهرة للمفاوضات المستقلية. في الماضي فإن (مشاكوس) تشاكس فيها الفرقاء السودانيين شماليين وجنوبيون حتى أوصلت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني إلى (نيفاشا ) ونفشا –الإثنان- عبرها السودان . . بدلا من نيفاشا كان الأحرى بالسودانيين المواصلة في (أروشا) فهي إما عروس وهو أمر جيد أو تعريشة تظل الجميع. الآن نقترح القاهرة مكان للقاءات الموقعين على نداء السودان والمؤتمر الوطني حتى يقهر السودانيون الشر ويحلوا قضاياهم المزمنة.وصححوا مسار السودان السياسي. يتوجب على السودانيين إتخاذ قرارات مستقبلية بناء على قراءة الماضي ودراسة الحاضر فهكذا تتقدم الدول. لكننا الآن نرجو أن تتخذ القوى السياسية في السودان قرارات 2014 م في 2014 م. والله المستعان [email protected]