تداعيات ارفع رجلي علي سياج البلكونة ، لحسن حظي ان العمارة التي اسكن فيها تطل علي حدائق فسيحة ، ارفع رجلي علي سياج البلكونة الحديدي و احاول تفريغ ذهني ، احتاج الان الي ذهن خال تماما هذا المساء ، مساء يبدو لي محايدا ، اعزو ذلك لخلوه من نديم صديق او برنامج قراءة او محاولات شحذ الخيال لكتابة نص قصصي ، مساء خاليا من كل هذا ، هل تراني ساجده ؟ ، مساء محايد ، هل سيتوفر لي مساء من هذا النوع ، اتذكر ان لي عيونا زجاجية تقرب لي ماهو بعيد و تجعلني اكثر تركيزا في الرؤية ، انزل رجلاي من علي السياج ، ادخل الي الغرفة و اضع العيون الزجاجيةعلي عيني ، اعود الي البلكونة ، ارفع رجلاي علي السياج، هل هذا هو الوضع المريح لاسترخائي وبذهن خالي ؟ ، يخيل لي ذلك او هكذا اظن ، الان بدأت اضواء الشوارع البعيدة تفقد اهتزازها و شحوبها و كأني استطيع ان اتحسس خطوات الليل و هي تخطو نحو الكثافة ، هكذا ، برنامج لا يتعدي التحديق في كل شئ و في لاشئ ، ضجة حسن و داليا ومصطفي اتغاضي عنها وازعم انها لا تزعجني ، احدق في السيارات الماره بالشارع الذي يفصل الحدائق الفسيحة عن العمارة التي اسكنها ، عربات انيقة تركن بالقرب مني او بتحديد اكثر تحتي ، شباب من الجنسين يهربون من الاضواء الكاشفة و يمارسون نوع من الانفلات ، يلوذون بالعتمة ، عتمة ذلك الشارع ، تنبعث موسيقي صاخبة حين يفتحون ابواب سياراتهم و ينزلون منها و يستندون عليها و هم وقوف ، بعضهم يلعبون بسياراتهم في هذا الشارع محاولين تقليد مطاردات السيارات في الافلام. اهرب بهذاالتحديق من تلك الثلاجة التي تعطلت ، من الغسالة التي شاركت الثلاجة في العطل ، من هم ايجار الشهر القادم ، من تبعات مصروفات المدارس التي علي الابواب، من هموم اعادة التوطين ، من مشاريع في الكتابة، من ديون البقالة التي تراكمت ، من طقوس وداع المهاجرين الي امريكا وكندا واستراليا ، مني و من ذلك الشجن الذي يحرض حنيني ، اهرب بهذا التحديق من كل شئ يخصني و يدفع بي الي نوع من تلك العلائق المتعبة بين تفاصيل الحاضر اللزج و انسجة الذاكرة والتذكر. اتابع إشارات السيارات الحمراء في ذلك الشارع الجانبي المتصل بشارع الطيران ، كتيبة من الكلاب الضالة تتناثر بنباحها علي تلك الحدائق عابرة اياها الي الشارع الذي تحتي ، ثلاثة من رجال الشرطة بزيهم الابيض يخترقون سهوي و تحديقي بلكنتهم الصعيدية ، يعبرون دائما هذا الشارع ، يذهبون الي اين ، لا ادري ، و يرجعون الي اين ، لا ادري. لا زالت رجلاي علي سياج البلكونة و احدق بعيوني الزجاجية الحريفة في كل شئ امامي او يمر تحتي ، اذني تلتقط هذا الصوت الاليف ،اليف علي الذاكرة ، صوت الضفادع ، ها هي الضفادع تجادل هذا الليل باوركسترا نقيقها و تجادلني و يعيدني صوتها ذلك الاليف الي اماكن و ازمنة قديمة ، قبل شهور تحالف صوت الضفادع مع اصوات لا املك معها الي احالتي شعوريا الي جبال النوبه، اذ كان يسكن في الشقة المجاورة للشقة التي اسكنها انا لا استطيع ان اسخدم التعبير شقتي و ذلك لمشقة تخص تعقيد التفاصيل كان يسكن جاري كريم من ابناء جبال النوبه ، قرية ام دورين ، يسكن هو واسرته الممتدة من الجده وحتي الابناء ، حدث انهم كانوا يتسامرون ليلا باحدي لهجات جبال النوبه و كانت الضفادع تنثر نقيقها في ذلك الليل وكنت اجلس ساهيا علي نفس البلكونة فاذا بي اسمع هذا التألف الحميم بين هذه الاصوات . اختلطت عندي الازمنة و الامكنة بثاثير درامي من قبل هذا الخليط الاليف من الاصوات علي الذاكرة ، فما كان مني الا ان احس والي درجة الشم بزيفة خريف جبال النوبه المترع واستخرج من ذاكرتي تفاصيل و تفاصيل في الزمان و المكان ، وكنت اتسأل ، هل انا مستهدف بحصار هذه التفاصيل ، ان يكون جيراني من ابناء جبال النوبه هكذا مصادفة علي شارع صغير يسمي الصداقة في منطقة حسب الرسول و في مدينة نصر بالقاهرة لا اعرف من هو عبد الرسول هذا و ان تختلط اصوات الضفادع باصوات سمرهم ذات الطقس العفوي الخاص . ها هي اصوات الضفادع الان تنتشلني من رغبتي في التحديق المبعثر و تعيدني الي شجن خاص كنت احاول الهروب منه ، تتململ مني الدواخل محرضة علي التأمل ، ذلك التأمل المتعب في التفاصيل ، اعيد عيوني الزجاجية الي الحقيبة الجلدية الصغيرة و اضعها فوق الدولاب داخل الغرفة اتناول كتاب الهلال الذي اصدر هذا الشهر رواية مالون يموت لكاتب انتظار جودو صموئيل بيكيت وارجع الي جلستي علي البلكونة و حين هممت بالقراءة رن جرس الباب ، هاهم اطفالي يركضون نحو الباب ،يتسابقون لفتحه ، قبل ان اعرف من هو القادم جاءني مصطفي اصغر ابنائي مهرولا و مقررا ان يسبق الاخرين في تبليغ النبأ بابا بابا ، حبوبه شان تونغ جات حبوبه شان تونغ امراة صينية عجوز سكنت في الشقةالمجاورة شقة كريم الذي هاجر هو واسرته الي امريكا ويعيد مصطفي تبليغي مرة اخري و هو يلفتني بيديه الصغيرتين محركا وجهي تجاه وجهه الضاج بالفرح بابا ، حبوبه شان تونغ جات . [email protected]