عشية الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الانسان ، نشر الكونجرس الامريكى الثلاثاء الماضى تقريرا عن التعذيب الذى كانت تمارسه وكالة المخابرات المركزية على الاشخاص المشتبه بهم والذين تم القبض عليهم فى انحاء مختلفة من العالم ، فى اطار ماكانت تسميه الولاياتالمتحدةالامريكية بالارهاب العالمى عقب أحداث 11 سبتمبر ، وقد تعرض أؤلئك الاشخاص لتعذيب وحشى،قال الرئيس الامريكى أوباما أنه يتنافى مع قيم الدولة الامريكية. واضاف: إن تلك "الأساليب أحدثت أضرارا بالغة بالمصالح الأمريكية في الخارج، ولم تخدم الجهود العامة لمحاربة الإرهاب" ، وقد وظفت الولاياتالمتحدة لهذا الغرض الذى وصف بأنه وصمة عار فى تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية ، حالة الهشاشة التى يتسم بها وضع حقوق الانسان فى العالم ، كشف تقرير امريكى نشر فى وقت سابق ان 54 دولة منها 25 دولة اوربية تعاونت مع الولاياتالمتحدةالامريكية فى حربها الكونية على الارهاب العالمى مايؤشر على الاقل ضعف الالتزام والتقيد باحترام حقوق الانسان والمواثيق ذات الصلة لدى تلك البلدان ، لكن تقرير الكونجرس لم يتسم بالشفافية الكاملة اذ لم يورد كل التفاصيل وحجب الكثير من المعلومات وبنفس الحجة الذائعة لدى اجهزة المخابرات ، وهى حماية الامن القومى. ولذلك اشتمل التقرير على مايمكن تسميته بالثقوب السوداء، والتى تخفى حقائق ي عتقد انها جوهرية تتصل بشركاء سى آى أيه فى انحاء اخرى من العالم، غير ان مايلفت النظر هو واقع الشراكة الأثيمة الممارسة الجماعية ذات الطابع الاممى ، فى انتهاك حقوق الانسان او التستر على تلك الانتهاكات. وفى المقدمة من ذلك دور الدول الاكثر ادعاء بالدفاع عن حقوق الانسان ، خصوصا البلدان الاوربية بجانب امريكا، والتى وضح انها لاتأبه بحقوق الانسان خارج حدودها الدولية ولاتتقيد بأى التزام فى هذا المجال فيما يتعدى الانسان الغربى الاوروبى والامريكى الامر الذى يؤسس حالة من التمييز فى هذا المجال لايتعلق الامر ببمارسات فردية وانما بعمل منسق عالميا وممنهج وهو مايمكن اعتباره محنة حقيقة تواجه حقوق الانسان. وتضافر هذه الانتهاكات الاممية فى تعميق الميز العنصرى فالانتقائية فى ممارسة حقوق الانسان جسدت – فى الواقع - شكلا من التمييز القائم على اساس الدين والعرق والجنس...إلخ. والى جانب البلدان الاوربية التى تتعامل بازدواجية فى ميدان حقوق الانسان وجدت الولاياتالمتحدة فى البلدان العالم ثالثية القمعية، التى لاتدعى انتسابا للديموقراطية وحقوق الانسان أصلاً حليفاً طبيعيا لها فى حربها ضد الارهاب العالمى فاستفادت من المؤسسة القمعية القائمة فى تلك البلدان والخبرات المتوفرة لها. تشمل فسيفساء الشراكة الآثمة لمحاربة الارهاب بلدانا مثل ايران وسوريا ومصر مبارك واثيوبيا وكينيا والمانيا وايطاليا وبريطانيا.( مايثير التساؤل هو عدم ورود اسم السودان فى تقرير الكونجرس، على الرغم من التعاون المعلن بين الخرطوم وواشنطن، فى المجال الاستخبارى، فى اطار الحرب على الارهاب العالمى، وقد اعلن مسؤول هذا الملف- فى حينه - ان التعاون قد حفظ السودان وحماه. ) وشملت هذه الشراكة، العديد من البلدان العربية والافريقية بما مكنها – بالمقابل – من استدامة وترسيخ نهجها القمعى ، واجهاض عملية التحول نحو الديموقراطية . وفى الولاياتالمتحدة ، كما فى غيرها من البلدان ،الديموقراطية وغير الديموقراطية ،اصبحت ذريعة الامن القومى حيلة أساسية لتبرير انتهاك حقوق الانسان. بعد ان اصبح الامن القومى ، بكل مايحيطه من ضبابية واساطير تنسجها حوله الاجهزة الاستخبارية ، مقدما على حقوق الانسان، ومسوغا لانتهاكها ، وهو ما أدى الى تعاظم ارهاب الدولة ، على النطاق العالمى باسم محاربة الارهاب. وقد دعت الاممالمتحدة حكومة الولاياتالمتحدة لتقديم المسؤولين عن جرائم التعذيب الى المحاكمة. وقال بن ايمرسون المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان ومكافحة الارهاب، إن التقرير يكشف عن "سياسة واضحة نسقت على مستوى عال داخل إدارة بوش". غير ان الامر لايتعلق – حصريا- بما وصف بخزى وعار امريكا، وانما بخزى وعار العالم كله مما يقتضى أيضا محاكمة المسؤولين من شركاء المخابرات الامريكية فى البلدان الاخرى الاسيوية والافريقية والاوربية، الذين ساهموا – بهذا القدر أو ذاك- فى خطف المشتبه بهم اوحبسهم فى معتقلات سرية اواستجوابهم وتعذيبهم ، وربما يتعين على الاممالمتحدة ، فى اطار مواجهة للانتهاكات المؤسسية والمنهجية ذات الطابع العالمى العمل على تعزيز وحماية حقوق الانسان حول العالم بطريقة اكثر فعالية ومناهضة التعذيب ومكافحة الانتقائية او التمييز فى ميدان حقوق الانسان [email protected]