، جامعة طوكيو للطب والاسنان محاضر بجامعة الخرطوم، كلية الصحة، قسم الوبائيات. يعتبر المظهر العام احد الملامح المميزة لحضارات الشعوب. وهو تراكم لموروثات شَتَّى، وتداخل لثقافات متنوعة، تنصهر فيها منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية. لذلك يصُعب ان تُصدر حُكماً موضوعياً يُثمِن او ينتقد مظهر شريحة اجتماعية محددة، وانت تنظر اليها من سُوَر آخر، يختلف عنها في المفاهيم الفكرية، أو البنية الثقافية، أو الارضيّة المجتمعية، أو الخارطة الزمانية. فمثلاً: قد يستغرب الأوربي من مظهر السوداني وهو يضع امتاراً من القماش فوق راسه مرتدياً ( العمة). كما نندهش نحن السودانيون عندما نري امرأةً تسير في قارعة الطريق كاشفةً كامل ظهرها وبطنها، بالرغم من أن شعبها صنع اعرق الحضارات علي وجة الارض. أثارني موقف احدي جامعتنا السودانية وهي تخاطب طلابها بالا يلبسوا (التشيرتات) بأكمام قصيرة أو عليها رسومات، بالاضافة لانتعال السفنجات ( او مافي حكمها)، وكذلك السلاسل والغوايش ( او مافي حكمها)، الأزياء الاخري غير البنطلون والقميص او الزِّي الوطني السوداني المعروف ( لا يسمح بارتداء اللبسات الافريقية او الرياضية داخل الحرم الجامعي). نعم الجامعة مكان مبجل بقدسية العلم ونور المعرفة. كما أن غالبية الشعب السوداني هم طبقة محافظة، تترعرع في بساط القيم والتقاليد التي تألف كل ماهو أصيل، وتنفر من كل ماهو مُستَلب. لذلك فالسواد الأعظم يرفض البنطلون عندما يكون (سيستم)، ويفضل الصلعة علي (كارلويس). وفوق هذا وذاك، فالجامعة مكان لنضوج الشخصية، والبحث عن الذات، والتعبير عن الاصالة. وهي مكتسبات يجب ان يتم رعايتها في بيئة تعليمية تستند علي قيم الحرية والتواصل والتفاكر. وهي تُستمد من حركة المجتمع، وتفاعلاته الثقافية المتنوعة. وفوق هذا وذاك، فالجامعة يفترض ان تكون مكاناً للتعبير عن كل لغات التواصل الإنساني، وعكس المكونات الثقافية، وتبادل القيم الحضارية، بالأخص لشعب متنوع كالشعب السوداني. هذا بالاضافة الي دورها الريادي في تنمية وتطوير المهارات الفنية والبدنية لمختلف انواع الرياضات. وليس غريباً ان نجد انجح الرياضيين في مختلف أنحاء العالم هم من صناعة ورعاية الجامعات. الامر الآخر، في احيانٍ كثيرة نجد ان مظهر الطالب يعبر عن حالته النفسية و الاجتماعية والاقتصادية. والتي لا نستطيع ان نفصلها عن محيطه الدراسي. واذا رجعنا الي ظروف اخري في سابق الايام، قد لا تكون الجامعة مضطرة لمخاطبة طلابها فيما يلبسون وبهذا الاسلوب. وبحكم اننا من خريجي جامعة الخرطوم، لا نذكر في زماننا بان الجامعة قد نبهت الطلاب في يوم من الايام الي مايلبسون، بالرغم من وجود لائحة تخص ذلك. ومن الشواهد، ان الجامعة كانت تسمح لنا بارتداء الزي القومي، شريطة ان يكون كاملاً ( يعني جلابية، وعمة، ومركوب، ....الخ). ونسبة للمشقة، او التكلفة، او عدم الالمام بربط العمة، فلم يتجرأ أحدنا علي لبس الزي القومي داخل حرم الجامعة حتي تخرجنا. ولتغير الاحوال، فلا عجب في ان ينتعل طالب هذا الزمان (شحاطة) وعينه علي الجزمة الإيطالية، أو يرتدي (تيشيرت) لعدم وجود مكواة، وذلك للتعاطي مع ضائقة اقتصادية طالت حتي طعامه اليومي. أو قد يريد ان يُوصل رسالة او يعترض علي حال من خلال مظهره، لانعدام وسائل التعبير الاخري. لذلك، فإن التعاطي مع مثل هكذا ظواهر يستدعي النظر العميق، والدراسة المتأنية لكل محددات الظاهرة المباشرة وغير المباشرة. حتي نخاطب جذور المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وبالتالي يمكننا ان ننتج خريجاً له القدرة علي التعبير عن شخصيته، وقيادة مجتمعه، وصياغة مستقبله وفق أُسس راسخة. وحتي في ذات المجتمع الواحد، نجد ان الحراك الاجتماعي والثقافي عبر الأجيال، والتفاعل فيما بينها، قد يمر عبر منعطفات متشابك ومتضاربة. ولكن في النهاية يكون البقاء للاصلح من الممارسات، فأما الزبد فيذهب جُفاءً. ولا زلت انظر لتلك الصور التذكارية القديمة لمجتمع الآباء والامهات، فلا اري غير تلك المشاهد، التي لا أستطيع ان اسميها عارية، لانها كانت تعبر عن زمانٍ غير زماني، ولا تقبل وصفي. وفي ناظري لا تزال تلكم التسريحة ( القنفذ) او ( الخنفس) التي فرضها الآباء علي الاجداد، ولكنها أخذت دورتها في الزمن ثم اختفت. وربما حتي لم يسمع جيل اليوم بكثير من ( التقليعات (المتمثّلة في حلاقات الشعر، وموضات الأزياء التي تمتع بها جيل الآباء والامهات. وربما يعبر قميص ( تحرمني منك) عن شيئ ما، فيه الحرمان أو الرفض من قبل الآخر. نحن نحتاج لأساليب حكيمة في التعاطي مع الظواهر الشبابية التي نراها سالبة. و لإدارة هذة الاشكالات، يجب ان نتواصل اكثر مع هذا الجيل الحالي، ونتحاور معه في مختلف الزوايا التي تشكل عَصّب مفاهيمه ومنبع سلوكياته. حتي نتجنب ردة الفعل السالبة الناتج من القمع والصراع بين مفاهيم مختلفة ومكونات ثقافية متباينة. [email protected]