نيالا: عبد الرحمن إبراهيم: تظل عمليات الحصول على الخدمات الاساسية المتمثلة في الخدمات العلاجية والتعليمية ومواد الايواء بمعسكرات النازحين باقليم دارفور، من اكبر الهواجس والعقبات التي ظلت تواجه النازحين فى كل عام، لاسيما في فصل الخريف الذي يمثل للقاطنين في معسكرات النازحين التي تربو على المائة بتعداد سكاني يتجاوز مليوني نسمة، أزمة حقيقية ظلوا يجأرون منها بالشكوى، وذلك لأنها تحمل بين ثناياها مآسي ومعاناة على واقعهم الذي يزداد سوءاً مع دخول موسم الامطار، وما ضاعف من حجم المعاناة في هذا العام استقبال المعسكرات أعداداً كبيرة من النازحين الذين فروا من حروب قبلية ومواجهات مسلحة بين الحكومة والمتمردين، وهو ما فاقم الاوضاع بالمدن والمعسكرات التي نزحوا اليها خاصة في ولاية جنوب دارفور. وعلى الرغم من التحوطات والتدابير المبكرة التى ظلت تضعها المنظمات التطوعية التي تقدم خدماتها للنازحين بجانب وزارات الصحة بالولايات الخمس، من اجل تقديم خدمات متكاملة للنازحين قبل فصل الخريف، الا ان الازدياد المتصاعد في اعداد النازحين يوماً تلو الآخر، على اثر تجدد الاشتباكات القبلية بانحاء متفرقة من الاقليم، يشكل عقبات تعتري طريق الجهود التي تقوم بها الجهات الطوعية والرسمية، وحسب إحصائيات المنظمات فإن عدد النازحين الجدد خلال النصف الاول من هذا العام تضاعف بشكل اكبر مما كان عليه فى السابق، ليشكل ذلك بحسب المنظمات وحكومات الولايات، ضغطاً على الخدمات، ويضيف اعباء جديدة على الوضع الانسانى، مما يضعهم فى محك صعب للتفكير فى كيفية ايجاد الحلول لتوفير خدمة صحية وعلاجية توازي حالة النزوح المتواصلة صوب المعسكرات. وفى ذات السياق قال النازح آدم يعقوب إن المعسكرات بولاية جنوب دارفور شهدت خلال هذا العام تدفقات كبيرة من مختلف ولايات دارفور بداعي الصراعات القبيلة والمواجهات المسلحة بين قوات الحكومة والحركات المتمردة، وهو الامر الذي اجبر الآلاف من الاسر على الفرار الى اطرف المعسكرات التى تنقصها الخدمات، والي اطراف المدن بحثاً عن الأمن والاستقرار، مما يشكل بحسب النازح آدم يعقوب اعباءً اضافية على المدن عبر الضغط على الخدمات. وشكا نازحو معسكرات ولاية جنوب دارفور من شح الخدمات الصحية والعلاجية بالمعسكرات، لافتين الى ان النازحين الجدد يعيشون ظروفاً انسانية بالغة التعقيد، خاصة هذه الأيام التي بدأت فيها الامطار في الهطول بغزارة، ولفت النازح اسحاق الدومة من معسكر دريج الى ان النازحين الجدد ظلوا منذ وصولهم الى المعسكرات يعانون الامرين فى كيفية الحصول على الخدمات الاساسية المتمثله في الغذاء والعلاج والايواء والكساء، مضيفاً انهم حتى الآن تنقصهم مواد الايواء المحلية التي تمكنهم من تشييد منازل تقي اطفالهم حرارة الشمس والامطار والاتربة، وقال الدومة انهم بوصفهم نازحين جدداً ظلوا يطرقون كل الأبواب من أجل الحصول على الخدمات، وان المنظمات لم تعد قادرة على تقديم أية خدمة على الرغم من انها قامت بحصرهم وتسجيلهم فى سجلاتها. وفى ذات الاتجاه اشار النازح ابكر جبريل من معسكر السلام «جنوبنيالا» الى انهم منذ وصولهم للمعسكر قبل شهرين من مناطق جنوبنيالا التى شهدت حروباً بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، لم تقدم لهم المنظمات والجهات الحكومية ما يعينهم فى حياتهم المعيشية، واصفاً اوضاعهم بالمأساوية والحرجة، مطالباً المنظمات الانسانية بضرروة التدخل العاجل لإنقاذ حياتهم. فيما يشير عدد من النازحين الى انه على الرغم من ان مخازن المنظمات مليئة بمواد الايواء الا انهم حتى الآن لم يتسلموا منها شيئاً ،رغم دخول فصل الخريف، لافتين الى ان هناك نقصاً في الخدمات الصحية والعلاجية، فى ظل انتشار الذباب، وأبدى النازحون تخوفهم من انتشار مرض الدوسنتاريا فى وسطهم نسبة لعدم وجود مبيدات لمكافحة الذباب والحشرات الاخرى التى تظهر فى فصل الخريف، مشيرين الى ان المعسكرات شهدت تدفقات لنازحين جدد، وحتى الآن لم تنظم حياتهم ويعيشون في اكواخ من الرواكيب والمشمعات على بعد مسافات لا تتجاوز الأمتار. ومن جانبه يشير وزير الصحة بولاية جنوب درافور احمد الطيب ابراهيم الى ان وزارته اعدت عدتها لمجابهة فصل الخريف، وذلك عبر خطة تتلخص في الاستعداد المبكر لمكافحة مرض الملاريا بالمدن ومعسكرات النازحين، وذلك من خلال توزيع أكثر من «365» الف ناموسية مشبعة، وقال إن هناك خطة لتوزيع مليون ناموسية مشبعة بجانب محاربة الناقل «الباعوض»، وذلك بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية لمجابهة فصل الخريف لهذا العام، مؤكداً ان هناك ترتيبات اخرى من قبل الوزارة بالتنسيق مع ادارة الصديلة وبالاشتراك مع صندوق الامداد الطبى بالولاية لتوفير الادوية، مبيناً ان الخطة تشمل المعسكرات والمدارس، لافتاً الى أن المنظمات ستتولى دعم العمل الصحى بالمعسكرات لمجابهة امراض الخريف المختلفة وتوفير الايواء للنازحين، مؤكداً ان الوزارة بدورها عززت الكثير من الشراكات لتوفير الأدوية، وفي اطار ذلك تم التوصل الى تفاهمات مع المنظمات العاملة بشأن الوضع الصحى بالمعسكرات فى فصل الخريف. وفى ذات السياق لفت مفوض العون الإنسانى بجنوب دارفور جمال يوسف إلى انهم شرعوا فى التنسيق مع وكالات الأممالمتحدة والمنظمات العالمية لتقديم المعينات الغذائية وغير الغذائية لكل المتأثرين بالولاية التي شملت (22,950) أسرة «مواد إيواء»، و(13,309) «إسرة مواد غذائية»، تعادل (103) طناً، لافتاً الى ان المساعي جارية لإكمال حصر النازحين الجدد من مناطق مهاجرية ولبدو وبعدها ستقدم لهم الخدمات، وأضاف جمال أنهم بدعم من وزير الداخلية ومفوض عام العون الإنسانى تمكنوا من تقديم الخدمات العاجلة للمتأثرين بالصراعات القبلية التى شملت (1111) أسرة بمحلية كبم و(345) اسرة بعد الفرسان و(2200) اسرة بمحلية كتيلا، بجانب (224) لمحلية رهيد البردى، كاشفا عن تنسيق تم مع المنظمات العاملة فى تلك المناطق لتعزيز دورها فى تقديم خدمات الصحة والمياه والإيواء والغذاء خاصة بمحليتى كتيلا وعد الفرسان. ويشير رئيس تشريعي السلطة الإقليمية السلطان سعد بحر الدين إلى أن وجود هؤلاء المواطنين في معسكرات النزوح ليس من فراغ، وقال إنهم هجروا مزارعهم ومساكنهم لظروف واقعية وقاهرة ومهددات حقيقية جراء الحرب، وقال إن معالجة أوضاعهم تحتاج لوقفة قوية ودعم عاجل من قبل المجتمع والدولة والمجتمع الدولى حتى يعودوا لمناطقهم الأصلية، وإن وجودهم فى المعسكرات يجيء لظروف موضوعية رغم ما بذله بعض رجالات الإدارة الأهلية من جهود كللت بعودة كثيرين لمناطقهم. ويبدي رئيس تشريعي السلطة الإقليمية انزعاجه من استمرار حركة النزوح صوب المعسكرات، ويقول: «بلا شك هو أمر مزعج جداً لنا، وأنا عائد لتوي من جنوب دارفور، ووقفت على حركة النزوح، وهى «مؤسفة جداً» بسبب نزاعات بين الحركات المسلحة والدولة، علاوة على المشكلات القبلية التى تولدت باعتبارها إفرازات للحرب جراء تسليح القبائل واعتدائها على بعضها البعض، ومنها من تملك سلاحاً قوياً وآخرون لا تهدأ لهم نفس ولا بال إلا فى وجود أجواء هذه الاضطرابات الأمنية فى دارفور، ومن هذا المنطلق أقول إن النزوح الذى تم فى جنوب دارفور أخيراً نزوح كبير وخلف أوضاعاً مأساوية، فلا بد من الإسراع في تقديم الخدمات من قبل المنظمات الدولية والوطنية ومنظمات المجتمع المدنى، سيما أن الخريف على الأبواب، وأن هؤلاء النازحين يفترشون العراء ويفتقدون كل مقومات الحياة، إلا أن ما أود الإشارة إليه أن ذلك لا يعني أن كل المناطق في دارفور بذات الظروف، فولاية غرب دارفور هادئة الآن وكذلك شمال دارفور، ونسبياً في وسط دارفور وشرق دارفور، بل ما يحدث الآن كله في جنوب دارفور من نزاعات قبلية وتمرد ونهب مسلح وخلافه يقف وراء موجات النزوح المتصاعدة نحو المعسكرات».