لا أدري ما هي الحكمة الإعلامية وراء إظهار مذيعي ومذيعات نشرات الأخبار ذلك الوجه الجامد الخالي من المشاعر الذي يعرف في اللغة الانجليزية باسم "بوكر فيس" عند قراءتهم للأخبار. غير أن الواضح هو أن على مذيعات ومذيعي النشرات الأخبارية عدم إظهار أي نوع من التفاعل أو الانفعال بالأخبار التي يقومون بنقلها ، ويبدو أن إظهار المشاعر الإنسانية الطبيعية في مثل هذه الحالات يقدح في مهنية المذيع أو المذيعة. وإن كان الأمر يبدو أكثر سهولة بالنسبة لمذيعي الراديو ، فإن مذيعي التلفزيون يحتاجون للكثير من التدريب في اعتقادي حتى يتمكنوا من ارتداء هذا القناع عند إذاعة بعض الأخبار التي تثير المشاعر الإنسانية. بالرغم من رؤيتي للكثير من مثل هذه الحالات بسبب إدماني لمشاهدة النشرات الأخبارية إلا أنني دهشت صباح اليوم عندما قامت المذيعة بالقناة التلفزيوينة الشهيرة "بوضع" هذا الوجه الجامد عند قراءتها لخبر يقطع نياط القلوب عن الأيتام في غزة. عندما انتهى الشريط المتعلق بالخبر المحزن واصلت المذيعة نشرة الأخبار بمهنية عالية يحسدها عليها حتى قساة القلوب من أمثال الحجاج بن يوسف والفوهرر. أتخيل أن هناك الكثير من الحيل التي قد يلجأ لها المذيعون والمذيعات لتفادي متابعة هذا النوع من التقارير الأخبارية التي يمكن أن تثير عندهم مثل هذه المشاعر الانسانية أو الملل ، فللمذيع أن ينشغل بأمر آخر خلال إذاعة التقرير كمسح العرق عن وجهه ويديه ، أو مراجعة كومة الأخبار الموضوعة أمامه أو المكياج الذي يتزيا به ، او حتى الذهاب إلى حيث يتناول كوباً من العصير أوغير ذلك خلال عرض الشريط الذي يستغرق عادة بعض الدقائق. يتم كل ذلك في اعتقادي بالاتفاق مع مخرج البرنامج أو النشرة الأخبارية. في محاولة لاحتذاب المزيد المشاهدين لجأت بعض القنوات التلفزيونية في بعض بلاد العالم "الأول" لتقديم برامجها ومن بينها نشرات الأخبار على الهواء الطلق وذلك في استديوهات مفتوحة يفصلها عن الطريق العام حائط زجاجي سميك يسمح للمارة بالمشاهدة بينما يعمل على عزل الصوت عن الاستديو. وقد عشت تجربة مشاهدة البرامج حية ورأيت بعض مذيعات ومذيعي الأخبار وهم يمارسون حياتهم العادية عندما يتم عرض بعض الأفلام المرافقة لأخبار النشرة. في محاولة لدفع الملل عن المشاهدين تعاقدت إحدى القنوات التلفزيونية في اليابان مع كوميدي ياباني شهير لتقديم نشرة أخبار المساء في القناة. وقد كانت الطريقة التي يقدم بها ذلك الكوميدي نشرة الأخبار جاذبة للغاية حتى أنها أصبحت تنافس على قائمة البرامج الأعلى مشاهدة في البلاد. كانت تعليقات المذيع على الأخبار وعلى ما يجود به الضيوف من تحليل غاية في الطرافة ، وأصبحت شخصياً من المدمنين لمشاهدتها خاصة وانها تقدم في وقت مبكر من المساء. كانت النشرة تقدم نفس الأنباء التي نشاهدها في النشرات الأخرى غير أن مقدمها أضفى عليها سحراً وبهجة خاصة وأنه لم يكن ممن يرتدون ذلك القناع الجاد الذي يرتديه عادة مذيعي نشرات الأخبار. ولا شك أن الجو الديمقراطي الذي يسود في البلاد أتاح للمذيع وبعض ضيوفه التعليق بصورة ساخرة على أخبار بعض كبار الشخصيات السياسية في البلاد بما في ذلك رئيس الوزراء ، مما ضاعف من قيمة المتعة بالنسبة للمشاهد. لا بد من الإشارة كذلك إلى أن القالب الكوميدي الذي كانت تقدم به النشرة لم يقلل بأي صورة من أهمية أو خطورة الأخبار والتقارير التي كانت تقدم خلالها. لا أدري إن كان بإمكان إحدى قنواتنا التلفزيونية أن تستفيد من هذه التجربة اليابانية ، خاصة وأن بلادنا لا تفتقر للشخصيات الكوميدية أو الكتاب الساخرين الذين يتناولون الشأن العام في الصحف السيارة. [email protected]