الحزب السياسي معلوم أنه تنظيم سياسي واجتماعي ومشروع نضالي يحقق طموحات الأفراد المنتمين إليه، ومن خلال الحزب تجتمع الجهود المبعثرة لتشكل فاعلية أكثر وقوة ضاغطة وفيه يشعر الفرد أنه مشارك في صنع القرار، ومن خلاله يستطيع الفرد تفجير طاقاته الإبداعية بحرية وديمقراطية، ولكننا إذا نظرنا إلى أغلبية أحزابنا السودانية تجد أن فكرة الحزب تختلف كثيراً عن ذلك فقيادة الأحزاب لا تتغير إلا إذا وافتهم المنية والكثير منهم يقودون هذه الأحزاب لعقود من الزمن، وإذا حدث تغيير فهو تغيير بسيط جداً لا يكاد يُذكر.. وهذه الصورة تعكسها عدسة الحراك الحزبي هذه الأيام داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يعطي صورة واضحة للتهميش الذي يمارسه الفرد مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب ومرشد الطريقة الختمية، للتحكم في القرار داخل حزبه وواضح جداً أنه يمارس دكتاتورية واستبداداً لا يختلف عن ما يمارسه النظام من قهر فكري وتسلطي وقهر اجتماعي عبرت عنه سياسات الميرغني.. وهذه الديكتاتورية نطق بها علي أبوسن في رسالة جريئة للميرغني وخاطبه قائلاً فيها "مازلت منذ الانتفاضة تنقب في التوابيت لتستخرج منها جنائز تقود الحزب وتكون واجهة له تحت إشرافك المباشر حتى أصبحت مواقع القيادة ومنافذها مسرحاً للأشباح".. قطعاً مقولة أبو سن عبرت تماماً عن كيفية إدارة الميرغني للحزب بالرغم من أن للحزب تاريخاً ونضالات في ظل الأنظمة الشمولية إلا أن مواقف رئيسه منذ فترة ليست بالقصيرة تتناقض مع تاريخ الحزب وقوة قاعدته الشعبية.. مولانا الميرغني كما يطلق عليه مريدوه يتعامل مع الحزب كأنه مملكةً خاصة وما يهمه التقديس لشخصه أكثر مما يجمع عليه حزبه فهو يحرك أشياءه كما يحلو له ويفاجئ الجميع بقراراته الشخصية، وهذا السيناريو كتبه في طريقة مشاركة الحزب في السلطة فصارت مواقفه عامل شتات للقيادات الاتحادية والقواعد، وها هي تصريحات منسوبي حزبه المتناقضة تربك مرة أخرى الساحة السياسية السودانية، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات المقبلة ودعم ترشيح البشير والشاهد على هذه الربكة تصريحات علي أحمد سعد عمر في صحافة الخرطوم التي أيد فيها ترشيح البشير بينما تصريحات علي السيد تقول إنه تلقى مكالمة هاتفية من الميرغني تؤكد عدم مشاركة الحزب في الانتخابات.. وما بين سعد وعلي تدور تحركات نجل الميرغني محمد الحسن الذي دخل في معركة مع والده في الهرولة نحو النظام، كيما يفوز بضمانات من الحزب الحاكم المؤتمر الوطني تضمن مشاركة فاعلة لمجموعته بعد أن خزل التيار الرافض لمشاركة الحزب مع النظام الذي يمثله الشباب والطلاب، وبعض القيادات وأقحمهم في دوامة الإحباط بإعادة استنساخ مولانا آخر.. ويبدو واضحاً أن الحزب الاتحادي -جناح الميرغني- يعيش حالة انفصام نفسي حاد (شوذفيرنيا) تحتاج إلى أطباء علم النفس لمدواته. بلا انحناء [email protected]