نهار أمس كنت ضيفةً، في صالون صحيفة الزميلة الوطن، وسط حفاوة من الإخوة الزملاء، وترحاب من الأخ والصديق ابن عمي يوسف سيد أحمد، والزميل الأستاذ بكري المدني، والصحفي المخضرم، جمال عنقره، وقد كانت عَشَرة ونسة، اختلط فيها العام بالخاص، مع إيماءات المدني الساخرة، وتلميحاته الذكية، وأسئلته العميقة، وكيف لا، وهو ابن مدرسة شهيد الصحافة، الراحل محمد طه محمد أحمد له الرحمة والمغفرة. ووسط أجواء النقاش، وقضايا الصحافة تلك، فوجئت بسؤال مفخخ من مصور صحيفة الوطن، الذي باغتني بالقول:( إن الصحفيات السودانيات يفتقدن للأنوثة)، ورغم تعجبي من إفادته الجريئة، إلا أن هذا لم يمنع ضحكة عميقة خرجت من أعماق قلبي غصباً عني، فعادة ليس من اهتمامات الرجل السوداني ارتفاع أو انخفاض نسبة الأنوثة، بقدر ما يهمه مستوى الجمال، وهناك فرق كبير بين الحديث عن الأنوثة والجمال. فرددت عليه بسؤاله عن ماهو مفهومه للأنوثة، وهل هي سلوك وتصرف، أم إحساس أم مظاهر ملموسة، فأجاب بأنه يرى الصحفية لا تختلف عن الرجل، فهي تعمل في وظيفة مرهقة جسدياً وفكرياً وذهنياً، وعملها يستدعي غيابها ساعات طويلة عن البيت، والمتزوجة منهن تعود إلى البيت في نفس التوقيت مع زوجها، أو بعده بقليل، كما أنها كثيرة الحركة والتسفار. فأجبته بأن كل ما ذكره ليس له علاقة بالأنوثة، إنما عليه هنا أن يتحدث عن الفرق بين المرأة العاملة، والمرأة ربة المنزل التي لاعمل لها، حيث إن الإرهاق البدني والذهني، وكثرة التسفار والغياب، تشترك فيه عدة وظائف، وليست وظيفة الصحافة وحدها، وإن كانت الصحافة تتفوق على كثير من الوظائف الأخرى، بمميزات نوعية تجعلها حقلاً للإبداع والعطاء، بحكم أنها وسيلة تعليمية تربوية تنويرية إصلاحية، في المقام الأول وقبل كل شيء. إما إحساسه بافتقاد الصحفيات للأنوثة، فذلك ناتج من الانطباع السائد لدى الرجل الشرقي، والذي يصور له المرأة، بأنها أداة تفريخ لأحلامه، في البنين والبنات، ثم هي خادمة تنظف وتغسل، وهي طباخة، وهي ممرضة، وهي خزنة، يودع فيها أمواله، لتقوم بتوفيرها وصيانتها، والحفاظ عليها، وتكبير رأس ماله، ريثما يقوى عوده، فينفق ما جمعته له من أموال إما على أهوائه ونزواته، أو بأن يتزوج عليها واحدة أخرى عديييييل. أما تلك المرأة التي تقارعه الحجة وتناقشه، في قضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع والرياضة، وتقلبات سعر الصرف، وآلية 7+7، وتستقبل مكالمة بعد الثامنة مساءً، من إداراة تحرير الصحيفة، تخبرها فيها بضرورة استنطاق أحد قادة المعارضة، أو الحركات المسلحة، لأن هناك أنباء غير مؤكدة بخصوص فشل، أو نجاح المفاوضات، هذه المرأة لا تحمل قدراً من الأنوثة، لأنها تناقش قضايا الرجال ومهام الرجال. إن هذا الفهم لعمل المرأة الصحفية، يجب أن يتغير، فالصحفية امرأة ناضجة متعلمة مثقفة، وهي أكثر إدراكاً من غيرها للمتغيرات الاجتماعية والفسيولوجية والاقتصادية، في المجتمع، بحكم أنها داخل دائرة الأحداث، والأكثر احتكاكاً وقرباً من نبض المجتمع. وإن كانت الأنوثة تعني أن نقبع خلف جدران البيوت فنحن رجال ومنذ اليوم. *نقلا عن السوداني