أُثيرت العديد من المقولات المدهشة، والقصص الخيالية حول معدن الزئبق، وتحديداً مايُعرف بالزئبق الأحمر (red mercy ) الذي أرتبط كثيراً بالحديث عن عالم السحر، والترويج بانه غذاء للجن، ويُستخدم فيما يُعرف بعمليات التنزيل التي يتم فيها سحب الأموال الضخمة من البنوك، وإنتاج العملة من الورق. وكذلك أرتبط الزئبق بعالم المخابرات وإنتاج الأسلحة النووية في البرامج العسكرية السرية. وقبل أن نستعرض هذا العالم الغامض وهل هو حقيقة أم خيال، دعونا نسأل أين يوجد الزئبق عموماً في حياتنا العامة ؟ وما هي مخاطرة الصحية؟ الزئبق يحيط بكامل حياتنا المعيشية أو المهنية، وهو خطرٌ كبيرٌ علي الصحة العامة، وله طرقٌ متعددةٌ في التسرب الي داخل جسم الانسان سواءً بالاستنشاق، أو تناول الأطعمة الملوثة، أو التعرض المباشر عن طريق الاحتكاك بالجلد. ظهرت مخاطر التلوث بالزئبق لأول مرة بشكلٍ واضح عند النساء اليابانيات الحوامل، ذلك عند تناولهُنَ لا سماكٍ ملوثةٍ بمادة الزئبق، وهو ماعُرف لاحقاً بمرض (ميناماتا) فانجبْنَ أطفالاً يُعانونَ من تشوهاتٍ خَلقية، وضعْف في الإدراك، وشلل في الأطراف. وقد تبين لاحقاً، أن الزئبق يحتوي علي كميةٍ كبيرة جداً من السموم التي يمكنها أختراق المشيمة، كما يُؤثر علي الاعصاب، ووظائف الكلي، والكبد، والدماغ، ويسبب ضعف في السمع والأبصار، وخفض الذكاء، واضعاف الإدراك. للعلم فإن الزئبق هو المعدن الوحيد الذي يوجد في شكلٍ سائل، وهو قابل للتبخر والتطاير. لذلك فهو يمكن أن يلوث التربة، والماء، والهواء، ويمكن أن يتسلل عبر السلسلة الغذائية للاطعمة. ويوجد في أشكال معدنية (Elemental) ، أو عضوية (Organic) مثل (مثيل الزئبق) عندما يتراكم في أجسام الأحياء الدقيقة ومن ثم الي الحيوانات البحرية، حيث يكون خطره أكبر من الزئبق المعدني، ويوجد ايضاً في صورة مركبات أخري غير عضوية (Inorganic) مثل (كلوريد او أكسيد الزئبق). ولنا أن نتصور أن 5 جرام من الزئبق يمكنها أن تلوث 5 الف لتر من الماء، كما أن بضع قطرات من الزئبق اذ انسكبت في غرفة تكون كافية لتلويث هواء تلك الغرفة بما يعادل 20 ملجم/ متر مكعب، اي ما يفوق الحد الاعلي المسموح به بأربعين مرة، علماً بان أعلي حد مسموح به للتعرض المهني هو 0.5 ملجم/متر مكعب. أذًا أين يوجد الزئبق في حياتنا اليومية المعاصرة؟ يوجد الزئبق بشكل سائل أو صلب في حياتنا المعيشية في العديد من المنتجات مثل لمبات الإضاءة، خصوصاً لمبات الترشيد، والمنظفات والمطهرات، والمبيدات. أما في المرافق العلاجية، فيوجد بكثرة في معدات المستشفيات والمرافق الطبية مثل أجهزة قياس درجة الحرارة Thermometer، وأجهزة قياس الضغط sphygmomanometer ، وموسعات المريئ esophageal dilator ، وملاغم حشوات الأسنانAmaglam . كما يوجد بشكل كبير في المؤسسات التعليمية والبحثية مثل لمبات أجهزة الميكروسكوب ، وأجهزة الطرد المركزي Centrifuge، وأجهزة قياس غازات الدم blood gas analyzer ، وأجهزة قياس الرطوبة Hygrometer ، وأجهزة قياس الكثافة النوعية Hydrometer ، وجهاز قياس الضغط الجوي .Manometer لذلك وجب الإشارة الي أن الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس والاجهزة الرقابية الاخري مثل وزارات الصحة والبيئة يجب أن تضع مواصفات وطنية صارمة للعديد من الأنشطة الصناعية والمهنية التي تستخدم الزئبق، وتحديد طريقة آمنة للتخلص من مخلفاته. وأيضاً يمكن استخدام منتجات بديلة لتلك التي تحتوي علي الزئبق مثل استخدام أجهزة الكترونية رقمية، أو استخدام الكحول الأحمر بدلاً من الزئبق. وأعتقد بان الخطر الأكبر الآن هو في أستخدام مادة الزئبق في عمليات التعدين العشوائ للذهب، وقد تعرض لذلك في مقال نُشر سابقاً بعنوان (التعدين الاهلي للذهب مابين قساوة الفقر ... بريق الذهب .... وغلاوة الروح) في هذا الرابط http://www.alrakoba.net/articles-act...w-id-30248.htm عودة لموضوع الزئبق الأحمر الذي أشرت له في بداية المقال، والذي يُرمز له البعض بالرمز (H925B206)، أود أن أشير بانه لا توجد علمياً أو كيمائياً مادة باسم الزئبق الأحمر، ولكنه عبارة عن برنامج عسكري سري يُرمز له بالكود (H925B206) ، لأنتاج مادة مشعة بكثافة عالية تبلغ 23 جرام/سنتمتر مكعب وهي تفوق كثافة البلوتونيوم التي تبلغ 20 جرام/سنتمتر مكعب. ويستفاد من هذه التقنية في إنتاج الطائرات المتخفية Stealth التي لا يمكن رصدها بالرادارات او بالنظر. وقد أستفاد بعض المحتالين في الغموض المُسدل عن هذه البرامج، وروجوا كثيراً لما يُعرف بالزئبق الأحمر، وعن إمكانية وجوده في بعض المناطق الاثرية، أو بعض المعدات مثل ماكينات الخياطة، لبيعه بغرض استخدامه في السحر او البرامج النووية، الامر الذي أدي لارتفاع سعر تلك المنتجات وجني منه البعض ممتلكات طائلة، بينما تحسر البعض علي ضياع كل ثروتهم ولم يكسبوا الا الوهم. ولابد من الإشارة الا ان الطبيعية الكيمائية المتحولة للزئبق في الشكل أو اللون بفعل الحرارة أو الإضافات الكيمائية الاخري مثل تسخين الزئبق الي درجة حرارة 320 تنتج أكسيد الزئبق وكذلك انتاج ثنائي أيوديد الزئبق وهي حمراء اللون. بالاضافة الي تولد كميات كبيرة من الضغط والحرارة أثناء التفاعل، الامر الذي يجعل المواد الثابتة تتحرك، ويقال ان قوم فرعون شحنوا عصيهم، ومسحوا حبالهم بالزئبق وعندما تعرضت لاشعة الشمس بدأت تتمدد بفعل الضغط حتي اوهموا الحاضرين بانها ثعابين تتحرك، رجاءً شاهد الرابط يبين تجربة احتراق ورق الزئبق . كل هذة الخصائص جعلت الكثيرين يصدقون الخرافات المتعلقة بالزئبق ويقعون صيداً سهلاً في يد الدجالين. وخلاصة الامر يجب ان ننتبه لخطورة الزئبق في حياتنا العامة، ويجب ان تقوم موسساتنا الرقابية بفعل الكثير من الاجراءات لحماية المواطنين من هذا الخطر المحدق بحياتهم. جامعة طوكيو للطب والاسنان. محاضر بجامعة الخرطوم، كلية الصحة العامة. [email protected]