الخرطوم : ما تزال تأثيرات جولة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان استيفن فلاستين ماثلة على المسرح السياسي لا سيما في ما يخص المعتقلين السياسيين ، وبالرغم من الوعود المتكررة من السلطات لتحسين أوضاع الحريات بالبلاد ، إلا أن كثيراً من المراقبين الحقوقيين يرسمون صورة قاتمة لمستقبل الحريات بالبلاد خلال الفترة القادمة ، وعزا كثيرون منهم الأمر إلى غياب الإرادة الحقيقية لدى السلطات خوفاً من تنامي حالة الغضب الجماهيرى وتأجيجها. وتأتي نموذجاً لهذا السيناريو المنتظر محاكمة الأستاذ فاروق أبوعيسى ود.أمين مكي مدني أمس الأول بمحكمة جنايات الخرطوم شمال تحت تهم الإرهاب وسط مناصرة جماهيرية عارمة حيث يواجه كل من فاروق أبوعيسي ود.أمين مكي مدني تهماً قد تصل عقوبتها إلى الإعدام تحت المواد(51 و50) من القانون الجنائي وتعنى بتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة ، إضافة إلى المادتين (6/5) من قانون الإرهاب ، وبحسب محامي الاتهام فإن تطبيق عقوبة الإعدام غير وارد لتجاوزهم سن السبعين عاماً. ويرى البعض أن تعامل السلطات مع المحاكمة بكثير من التعقل مرهون بمخاوف دولية تتعلق بجملة تفاهمات جرت مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي زار البلاد مؤخراً. وقد أجرى مساعد وزير الخارجية جملة من اللقاءات تتعلق بمستقبل الحريات وحقوق الإنسان بالبلاد من خلال لقاءاته بمؤسسات معنية بهذا الأمر. كما طالب بتقرير بحسب بعض وسائل الإعلام حول قضية "تابت" خلال زيارته لمفوضية حقوق الإنسان القومية. لكن أستاذ العلوم السياسية، د.صلاح الدين الدومة، لديه وجهة نظر أخرى حيث يرى بأن زيارة مساعد وزير الخارجية لم تكن تعنى بالأساس بمسألة الحريات كقضية ، ولكنها يمكن أن تناقش خلال اللقاءات مع المسؤولين خاصة مسألة المعتقلين السياسيين، وقال ل(المستقلة) إن أمريكا قد تضغط لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في إشارة إلى فاروق أبو عيسي ود.أمين مكي مدني ، لكن من المتوقع أيضاً أن تمارس الحكومة كثيراً من التمنع في سبيل التحجج بأن الأمر موكول لمؤسسات الدولة ، ولم يستبعد في الوقت نفسه إمكانية رضوخ الحكومة للضغط الأمريكي من أجل التفاهمات المشتركة بينهم تجاه قضايا أخرى . وقلل "الدومة" من الدور الأمريكي في الدفع بمسألة بسط الحريات في البلاد لا سيما في هذا الظرف. وقال إن أمريكا تسعى إلى تحقيق مصالحها ، ولن تتحقق الآن في ظل هذه الحكومة عبر الضغط على وتر الحريات. وزاد أمريكا تدعم الشعوب التى تنتزع حقها في الحرية ، ولكنها تستخدم قضية الحريات كأداة لتمرير سياساتها في حالة الشعوب الضعيفة بصفقه مع الأنظمة التى تحكم . ولم يبشر "الدومة" بأي منفذ لميلاد فجر الحريات الحقيقية حتى بعد الانتخابات. وقال إن مستقبل الحريات في البلاد عقب الانتخابات سيكون أسوأ مما هو عليه الحال الآن. ويمضى في ذات السياق الناطق الرسمي بحزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء الدين وهو يتحدث إزاء المخاوف المترتبة على حالة التراجع في الحريات العامة، وقال في حوار مع (المستقلة) ينشر لاحقاً أن التراجع في الحريات أدى إلى مزيد من الاعتقالات للكوادر الحزبية ، وتوجت باعتقال الأساتذة فاروق أبو عيسي ود.أمين مكي . وأكد أن هذه التجاوزات للحريات ممنهجه لتحجيم دور القوى السياسية خاصة عقب منعها من ممارسة نشاطها السياسي خارج دورها ، واعتبر الأمر تراجعاً صريحاً عن خطاب الوثبة وما صحبه من قرارات لرئيس الجمهورية تتعلق بتهيئة المناخ السياسي للحوار. وقال إن توسيع دائرة الاعتقالات السياسية أمر واقع ومن الطبيعى أن تكون لهذا التضييق نتائج سالبة على قضية الحريات. وييدي كثير من المراقبين خشيتهم من أن غياب الحريات في المرحلة المقبلة قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي بين القوى السياسية ، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن هذا الأمر قد يجعل مستقبل واستقرار البلاد مفتوحاً على سيناريوهات عدة أبرزها مزيد من القمع لضمان الاستقرار. ولكن هذا الخيار في ظل التدهور الاقتصادي لن يصمد وبالتالي لن يؤدي إلى نتائج مرجوة وإنما يعمق من حالة الاحتقان مما قد يحدث فوضى تجعل من السودان صورة أخرى من بلدان الربيع العربي. [email protected]